مجزرة دقي ات أتبا تساؤلات حول ملف الجرائم الاثيوبية في ارتريا
بقلم الأستاذ: أحمد محمد عمر (أبو تيسر) - كاتب وإعلامي سابق بإذاعة صوت الجماهير الارترية - برلين
في الـ 29 من سبتمبر عام 1941 ارتكبت القوات النازية أكبر مذبحة في تاريخ الهولوكوست
الا وهي مذبحة وادي (بابي يار) بأكرانيا التي أزهق فيها النازيون أرواح 33771 يهوديا.
ويبدو ان التاريخ كان على موعد مع مجزرة أخرى في نفس هذا اليوم ونفس الشهر ولكن بعد مرور ثلاثين عاما من مذبحة بابي يار عندما ارتكب الجنود الاثيوبيون واحدة من أبشع الجرائم الإنسانية في التاريخ ونعني بها مجزرة (دقي ات أتبا) بوادي عنسبا التي وقعت في الـ 29 من سبتمبر عام 1971.
اليوم وبمناسبة الذكرى الـ 50 لتلك الحادثة المشؤومة تتزاحم في الذهن أسئلة عديدة حول ملف الجرائم الإنسانية التي ارتكبتها القوات الاثيوبية في ارتريا على مدى ثلاثين عاما من الاحتلال. وقبل الخوض في اثارة هذه التساؤلات دعونا نتوقف قليلا عند مجزرة (دقي ايدي اتبا) او كما ينطقها الأهالي (دقي ات أتبا) او كما يسميها البعض اختصارا بمجزرة دقي.
تقع قرية دقي على ضفاف وادي عنسبا وعلى مسافة تبعد حوالي 65 كيلومترا شمالي مدينة كرن، وهي على مسافة نحو خمسة كيلومترات تقريبا من بلدة عريتاي حاضرة مديرية هبرو الحالية. كانت (دقي) مركزا إداريا واجتماعيا لسكان منطقة (عدتكليس) حيث كان يقيم بها عمدة عدتكليس او كما يُسمي محليا بـ (شوم).
منذ مئات السنين يمارس السكان في هذه المناطق حرفتي الزراعة والرعي في آن معا وانعكس ذلك في طبيعة التوزيع الديموغرافي للسكان حيث تجد ان كل اسرة تقيم بالقرب من مزرعتها مع الاحتفاظ ببعض المناطق خالية مثل التلال وسفوحها لممارسة الرعي. وعليه لا غرابة ان ينتشر سكان منطقة عدتكليس في مساحات واسعة على امتداد الأودية التي تصب في مجملها نحو وادي عنسبا مثل وادي (انقعت) ووادي (قارعوبل) ووادي (هبرو صعدا) و(هبرو طليم) ووادي (قلّت) وغيرها.
وتميزت (دقي ات أتبا) بحكم انها مركز اداري بتجمع عدد لا يستهان به من السكان في مكان واحد ليقيموا المنازل الثابتة حيث ما زالت اطلال تلك المنشئات موجودة حتى هذا اليوم. ومن يزور قرية (دقي ات أتبا) اليوم لن يجد غير هذه الاطلال وبضعة منازل ما زالت مصرة على البقاء رغم تكالب الزمن. وعلى مسافة غير بعيدة يشاهد الزائر مقبرة كبيرة تقف شاهدا على فظاعة ما حدث. القبور هنا لم تتراكم بمرور الزمن بل ووريت كل الجثامين في ساعة واحدة وفي يوم واحد، في واحدة من أبشع صور المآسي التي تجاهلها التاريخ البشري.
قرية بكاملها أُبيدت في ملمح البصر. يقول الناجون من تلك المجزرة بأعجوبة وهم قلائل، ان الجنود الاثيوبيين وبعد انقضاضهم على كل سكان القرية وجهوا نيران أسلحتهم نحو الحيوانات مثل الحمير والقطط والسخلان والدجاج والكلاب وغيرها فقتلوها على بكرة ابيها حتى لا يبقى أي شاهد حي وان كان غير ناطق، ومن يدري او هكذا ظن القتلة، ربما يأتي في الغد من يستنطق تلك الحيوانات لتروي لنا مشاهد أفظع مما حدث في (بابي يار) او في غيرها من مذابح الهولوكوست.
ارهاصات الجريمة:
لم تكن مجزرة (دقي ات أتبا) التي نفذتها قوات الاحتلال الاثيوبي هي الأولى ولم تكن الأخيرة في سلسلة المجازر والمذابح التي تعرض لها الشعب الارتري طوال ثلاثين عاما، حيث بدأت الموجة الأولى من تلك المجازر في العام 1967 واستهدفت العديد من القرى في مناطق القاش وبركا وسمهر. أما الموجة الثانية من هذه المجازر فقد بدأت في مطلع السبعينيات واستهلت بمجزرتي (عونا) و(بسكديرا) في ضواحي مدينة كرن وذلك في أواخر نوفمبر وبداية ديسمبر من العام 1970.
وغالبا ما كانت ترتبط هذه المجازر بتحركات الثورة الإرترية حيث اعتادت قوات الاحتلال صب جام غضبها على المواطنين المسالمين كلما تعرضت لنكسة او هزيمة عسكرية من قبل المقاتلين الارتريين. فقد جاءت مجزرتي عونا وبسكديرا على سبيل المثال على إثر مقتل الجنرال (تشومي ارقتو) قائد الجيش الاثيوبي في ارتريا في كمين نصبه له المقاتلون الارتريون على الطريق بين كرن واسمرا.
قبل عدة أيام من وقوع مجزرة (دقي) شهدت المنطقة تحركات للمقاتلين الارتريين تتعلق بالاستعدادات التي كانت تجري لعقد مؤتمر (امبهرا) وهو المؤتمر الذي عقده الجانب الثاني لقوات التحرير الشعبية. يقول المناضل احمد طاهر بادوري في كتابه (رحلة في الذاكرة): ”عندما كانت وفود المؤتمر من الجانب الأول تتقاطر الى مكان المؤتمر (امبهرا) عرف العدو بتحركنا.. واقرب الظن ان مخابرات العدو في مدينة نقفة علمت بذلك، فقبل انعقاد المؤتمر بيومين تحركت وحدات من جيش العدو (طورسراويت وكوماندوس) من مدينة كرن وعن طريق وادي عنسبا وازرقت وصلت الى منطقة هبرو طليم وعسكرت في مدرسة هبرو طليم..
ربما في انتظار لمعرفة مكان انعقاد المؤتمر حتى تفاجئنا ونحن مجتمعين. ولكن وحداتنا التي رافقت المؤتمرين لحراسة موقع الاجتماع وجدت معلومات من الشعب الذي علم بامرهم وسارع لايصال النبأ الخطير الينا.. فتقرر ارجاء موعد المؤتمر لعدة أيام حتى يتم اجلاء قوات العدو من المنطقة.. فحاصرت وحداتنا المدرسة التي يخيم حولها الجيش الاثيوبي في - هبرو طليم - ليلا وعند طلوع الفجر فاجاءناهم بهجوم مكثف ووابل من نيران من كل ناحية واستمرت المعركة حتى قبل الغروب ولكن العدو لم يتزحزح من الموقع فاستمرت المعركة لليوم التالي حيث لحقت به خسائر كبيرة في الأرواح.. عند الظهيرة استنجد العدو بقيادته لفك الحصار عنه بواسطة دعم جوي وانزال هيليكوبترات لإخلاء جرحاه.. وفورا حلقت فوق ساحة المعركة ثلاث طائرات، اثنتان من طراز (ت 28) وقاذفة مقاتلة من طراز (ف 86) وكانت هذه الأخيرة أعلى نوع من المقاتلات في سلاح الجو الاثيوبي آنذاك.. قصفت مواقعنا لمدة ساعة حتى تهبط الهيليكوبترات وتقلع حاملة الجرحى.. كان توقيت القصف محكما حتى غروب الشمس لأن بعد الغروب تتوقف المعركة باقتراب حلول الظلام..“
ويمضي بادوري في سرده ليشير الى أنه وخلال اليوم الثاني للمعركة مرت بالمطقة سرية كاملة من مقاتلي جبهة التحرير الارترية وكان يقودها المناضل (حامد مزرت) وهو من أبناء تلك المنطقة فطلبنا منهم المشاركة معنا في المعركة ضد جيش العدو فاستجاب للطلب وقاد وحدته في الهجوم على جيش العدو من اتجاه آخر حتى لحقت بالعدو خسائر فادحة.
ويضيف بادوري في كتابه (رحلة في الذاكرة) أن وحدات قوات التحرير الشعبية التي شاركت في المعركة كان يقودها المناضل إبراهيم ادريس المعروف بابراهيم منجوس وهو من الرعيل الأول حيث لاحظ المناضل إبراهيم بان جيش العدو بدأ يتقهقر ويستعد للهروب من ساحة المعركة في جنح الظلام باتجاه وادي عنسبا الذي أتى منه، وفي طريقه سيمر حتما بقرية (دقي ات أتبا).
أما في (دقي ات أتبا) نفسها وحسب ما يرويه الناجون من تلك المجزرة فقد خيمت حالة من الذعر والخوف في نفوس سكان القرية منذ ان مرت جحافل جيش العدو بقريتهم في طريقها الى (هبرو طليم) وأحسوا بان هناك خطر يحدق بهم. يقول الأستاذ حامد عثمان محمود وهو أحد الناجين من تلك المجزرة: ”كنت في حوالي السابعة أو الثامنة من العمر ورغم صغر سني حينها ما زلت أتذكر تلك الاحداث جيدا. كنا نسمع أصوات المعركة وإطلاق النار بين المقاتلين وجيش العدو في منطقة (هبرو طليم)، وتفاديا لأي أضرار قد تلحق بنا قرر أعيان القرية نقل كل الأطفال والنساء والعجزة الى منطقة غزاني الغريبة والاختباء في الجبال هناك لحين تفرج الأمور.
وبالفعل تم نقلنا الى هناك يوم الأحد (1971/9/26) وقضينا ليلتنا هناك وجاء يوم الاثنين لنقضي ليلة اليوم الثاني مختبئين أيضا. وفي اليوم الثالث وهو يوم الثلاثاء (1971/9/28) هدأت أصوات المعركة ولم نعد نسمع إطلاق النار فقررنا العودة الى قريتنا (دقي) وقضينا ليلتنا في منازلنا ولم نكن نعلم ان القدر يخبئ لنا ما لم نضعه في الحسبان“.
وقوع الفاجعة:
ما عدا الشباب الذين غالبا ما يقضوا مثل هذا الوقت من فصل الخريف أوقاتهم مع البهائم في الكلأ بعيدا عن القرية وكذا بعض من سافر لغرض شخصي الى مدينة كرن او لوجهة أخرى، فإن بقية سكان القرية ويتجاوز عددهم المائة وعشرين اغلبهم من النساء والأطفال وكبار السن كانوا على موعد مع الاجل المحتوم. فمع بزوغ فجر يوم التاسع والعشرين من سبتمبر 1971 وكان يوم اربعاء فوجئ سكان قرية (دقي ات أتبا) بالجنود الاثيوبيين يحيطون بالقرية من كل جانب، كان مشهدهم مخيفا وهم يرتدون الزي الأخضر ويتطاير الشرر من عيونهم ..كانت حوالي السادسة والنصف صباحا تقريبا حيث أن الكثير من سكان القرية ما زالوا نائمين فاستيقظوا فزعا على أصوات أطلاق النار. كان الجنود القتلة على عجلة من امرهم حيث شرعوا في أطلاق.
نيران أسلحتهم بشكل عشوائي على المنازل وقتل كل من يرونه من سكان القرية. وفي لحظات قلائل تساقطت الجثث هنا وهناك، ليس هناك وقت للصراخ والعويل، شيخ كبير يخرج من داره ليستقصي الامر فتتلقفه رصاصة طائشة ليسقط جثة هامدة امام منزله، تنادي عليه زوجته وتسأله ان كان بخير فيأتيها الرد سريعا بوابل من الرصاص لتلقى حتفها في الحال. يلج القاتل الى داخل المنزل فيجد طفلة في الثالثة من عمرها يصوب عليها فوهة بندقيته ويطلق النار ولكن الرصاصة تخطئ الهدف لأن الطفلة هرولت سريعا الي حيث سقطت أمها وهي تستنجد بها من هذا الوحش الذي دخل دارهم. يا لبراءة الأطفال فهم لا يعرفون معنى ان يموت الانسان، كانت الطفلة تبكي بمرارة من هول الذعر وتطبطب بيدها علي خدي أمها الملقاة على بركة من الدماء لعلها تستيقظ وتنقذها من هذا الخطر الذي يحدق بها.
اقترب منها الوحش القاتل وجرها بيده لتسقط على الأرض وهي تصرخ ثم داس على رقبتها النحيلة بحذائه العسكري الضخم ليتوقف صراخها على الفور. بدا وكان هذا الجندي الاثيوبي لم يقتنع بطريقة القتل عن طريق الدوس على الرقاب ولكنه لا يستطيع إطلاق الرصاص على الطفلة وهي تحت قدميه فلجأ الى طريقة بقر البطن بالخنجر (السونكي) المركب على فوهة البندقية. جهز السونكي بحيث يمتد الرأس الحاد امام فوهة البندقية ثم رفع بندقيته بكلتا يديه الى اعلى وهوى بالخنجر بكل قواه على جسد الطفلة النحيل حتى اخترق الخنجر جسدها وغُرس على الأرض بضعة سنتمترات. لم يصدر أي صوت من الطفلة ولم تسل الدماء منها فهي قد فارقت الحياة مسبقا بفعل الدوس على رقبتها، حاول الجندي القاتل سحب بندقيته الى أعلى ولكنه لم يستطع فقد كان الخنجر مثبتا بقوة على الأرض مخترقا جسد الطفلة القتيلة، مما جعل القاتل يفصل البندقية لوحدها ويترك الخنجر مغروسا كالوتد ويغادر بعد ان أشعل النار في المنزل ليحترق بما فيه من جثث وممتلكات. مشهد في قمة الوحشية والبشاعة.
جندي اثيوبي آخر ولج الغرفة في أحد المنازل فوجد امرأة حامل في شهورها الأخيرة لم تقوى على مغادرة سريرها رفعت له يديها طالبة منه الرحمة، فداهمها برصاصتين من مسافة قريبة اخترقت الأولى رأسها من ناحية الأذن لتخرج من الجانب الأخر بينما استقرت الثانية في صدرها ففارقت الحياة على الفور. وقبل ان يهم الجندي بالخروج تذكر ان هناك انسان آخر في الغرفة ما زال على قيد الحياة، انه الجنين الموجود داخل رحم الام القتيلة. اعد الخنجر المثبت على بندقيته وغرسه بقوة ثلاث مرات على البطن المنتفخة حتى تأكد ان الجنين أيضا لم يعد حيا ثم خرج بعد ان أشعل النار في المنزل.
مشهد اخر يصور لنا كيف ان ثلاثة أشقاء كشّر لهم الموت عن أنيابه وهم بابتلاعهم في لحظة واحدة ولكنهم نجو بأعجوبة، فالقتلة الاثيوبيون كانوا مصرين على إبادة كل كائن حي في تلك القرية المسالمة ولكن ورغم امتلاكهم كل أدوات القتل والحرق والتدمير فهم لا يحددون اجل الانسان. كان حامد عثمان وشقيقه الأصغر ادريس مع جدتهم في المنزل عندما اقتحم دارهم أحد الجنود القتلة حيث صوب بندقيته مباشرة نحو جدتهم فأرداها قتيلة في الحال.
فزع الطفلان من هول المشهد وسارعا بالخروج من المنزل بحثا عن مكان للاختباء. كان الجنود منتشرين وسط المنازل ولأنهم شرعوا في حرقها فأن المنازل ليس مكانا آمنا للاختباء. على مسافة غير بعيدة شاهد حامد حزاما من الشجيرات التي تتخللها بعض الحفائر التي تختبئ فيها الأرانب فقدر ان ذلك مكان مناسب للاختباء. أسرع الخطى مع شقيقه الأصغر ادريس نحو تلك الشجيرات حتى فوجئ بأن المكان ممتلئ بالجثث الملطخة بالدماء.
وبالصدفة كان شقيقهم الأكبر صالح عثمان مصابا بجروح ويرقد على مسافة قريبة منهم فنهض من مكانه وامسك بيد الشقيق الأصغر ادريس ثم لطخ وجهه بالدماء وجعله يستلقي الى جواره على الأرض وكأنهم موتى. اما حامد فقد انشغل بصوت فتاة كانت تئن وسط الجثث ثم تنادي قائلة: (اعطوني ماءا.. ارجوكم اعطوني ماءا)، تذكر حامد ان هذه الفتاة كانت عروسا جديدة ولم يمضي على عرسها سوى عدة أيام، وكونه طفلا في السابعة من العمر لم يدرك حامد أن الانين والحشرجة وكلمات الاستجداء الصادرة عن تلك العروس لم تكن سوى علامات على دنو لحظة الاحتضار.
نظر حوله بحثا عن مكان يختبئ فيه ولكن بعد فوات الأوان فقد ظهر فجأة جندي اثيوبي وصوب بندقيته نحوه ثم أطلق رصاصتين، الأولى اصابته في يده بينما اخترقت الثانية انفه من الناحية الجانبية حتى تسربل وجهه وصدره بالدماء ثم سقط على الأرض فاقدا الوعي. اقترب منه الجندي وحاول ان يرفعه الى أعلى ولكن حامد كانا فاقدا للوعي حيث سقط مرة أخرى على الأرض، فتأكد الجندي بأن حامدا قد مات. تركه على حاله واتجه نحو العروس التي كانت تئن، فرفع جسدها ورمى بها فوق كومة من الأشواك كانت بالقرب منه، فأسلمت الروح الى بارئها وعم الهدوء المكان.
خلال نصف ساعة فقط قتل الجنود الاثيوبيون كل سكان قرية (دقي ات أتبا) بل وقتلوا معهم كل الحيوانات الأليفة ثم احرقوا كل المنازل. وتحت سحب الدخان الكثيفة التي غطت كل الانحاء انسحب الجنود الاثيوبيون عائدين الى كرن. وصلت حصيلة القتلى الى 98 شخصا بينما أصيب 26 أخرون بجروح توفي بعض منهم لاحقا متأثرين بتلك الجروح العميقة.
هكذا تم محو قرية (دقي ات أتبا) من الوجود مثلها مثل الكثير من القرى الارترية في مختلف المناطق على مدي ثلاثين عاما من الاحتلال البغيض. صحيح ان ارتريا نالت استقلالها بعد ان قدمت قوافل طويلة من الشهداء ولكن جرائم الإبادة الجماعية تظل وصمة عار تلاحق مرتكبيها الى ابد الآبدين ولا تسقط المساءلة عنها بتقادم الازمان.
تساؤلات لا بد منها!!
بعد مرور ثلاثين عاما من نيل ارتريا استقلالها من الطبيعي ان يتساءل المرء حول ما تم إنجازه لمعالجة ملف جرائم جيش الاحتلال الاثيوبي في ارتريا.
وللأسف الشديد
تم تجاهل هذا الملف طوال الثلاثين عاما الماضية ولم يتم اثارته قط سواء في المنابر الرسمية او غير الرسمية. كان بالأحرى ان يبادر النظام القائم في ارتريا بالمطالبة باعتذار رسمي من الدولة الاثيوبية ودفع تعويضات لأهل الضحايا على ما ارتكب من جرائم إنسانية ابان فترة الاحتلال بل ومن الواجب أيضا ان تتم المطالبة بمحاكمة من ارتكبوا تلك الجرائم من قادة الجيش الاثيوبي لأن معظمهم ما زال على قيد الحياة. وبما ان نظام افورقي غير مكترث على الاطلاق بهذا الجانب، فان المسئولية الوطنية تحتم على الجميع، افرادا وجماعات وتنظيمات سياسية ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية ان تشرع فورا في توثيق الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال الاثيوبي في ارتريا خلال ثلاثين عاما.
صحيح ان هناك بعض الكتابات عن بعض المجازر والمذابح قام بها بعض المجتهدين من الارتريين بمبادرات شخصية ولكنها لم تأخذ الطابع التوثيقي المنهجي. على سبيل المثال إذا سألني أحد عن العدد الكلي للمواطنين الأبرياء الذين قتلهم جيش الاحتلال الاثيوبي في ارتريا خلال ثلاثين عاما فلن أستطيع الإجابة على السؤال بل اكاد اجزم بانه لا يوجد ارتري يمكنه الإجابة على هذا السؤال. من هنا تأتي أهمية التوثيق، وعبر التوثيق فقط يمكن الانتقال الى الخطوة التالية وهي مقاضاة مرتكبي هذه الجرائم وملاحقتهم في أي مكان وزمان، ولن يضيع حقٌ وراءه مُطالب.