عونا أرواح صعدت والألم تتجدد
بقلم الأستاذ: محمد علي حامد - أبو زينب المصدر: عونا
في صباح يوم الفاتح من ديسمبر (1970) كان أهل قرية عونا الهادئة المطمئنة على موعد لم يحسب له أحد
منهم اى حساب وكان قدر الله سبحانه وتعالى لهذه الارواح الطاهرة أن تصعد الي بارئها، والتي قدرت بالمئات والحمد لله على كل حال وقدر الله وما شاء فعل.
حيث كانت هنالك مؤامرة كبيرة تحاك فى جنح الظلام وخلف الكواليس وبصورة ممنهجة وتخطيط مدروس ونوايا خببثة كانت ضمن إطار مايسمي بتجفيف منابع الثورة الفتية التي ارهقت وارقت مضاجع العدو وجعلته فاقد الوعى الإنساني وخارج الضمير الآدمي، وكيف لا وثوار من فئة قليلة عدة وعتادا لكنها قوية بايمانها بقضيتها العادلة تجعل أكبر دولة يومها خارج المعادلة وهي من تكون من القوة البشرية والمادية حينها والتي كانت تمثل الإمبراطورية الوحيدة فى القارة السمراء وكان لها اليد الطولة في نواحي الحياة كلها.
لم يتسقيظ أطفال وشيوخ ونساء عونا من نومهم في هذا اليوم كما هو فى العادة بل كان قدرهم أن يواصلوا فيه إلي يوم لاريب فيه وحتما سيجتمع فيه الخلق والخصوم كلهم وهم يحملون مظلمتهم إلي رب العرش العظيم حيث العدالة المطلقة والقصاص الرباني سائلين مولاهم باي ذنب قتلهم العدو الغاشم ونزع سبيل الحياة منهم.
وحينها ترى الذين ظلموا أنفسهم يتحسرون ويندمون ولكن هيهات ثم هيهات ويالها من حسرة وندامة وياليت ينفعهم الندم يومئذ.
وجدت وفى ظل الأحداث الداخلية المتصارعة هذه الايام فى إثيوبيا وممن كانوا سببا في كل تلك المذابح والويلات والماساى والكوراث لشعبنا الصابر الذى دفع الغالي والنفيس من أجل الحرية والكرامة وكل ما يملك من يقول مذكرا ومعتبرا ومعبرا يا سبحانه وتعالى اليوم التاريخ يعيد نفسه والذى سقانا كاس الحنظل والمرارات يتجرعه وليس من قبلنا بل من أنفسهم وجعل بأسهم بينهم شديد واقبل بعضهم على بعض يتلامون، وهكذا هي النار إن لم تجد ماتاكله اكلت بعضها بعضا وكالهرة إذا لم تجد طعاما أكلت صغارها.
اى كان الذى حصل وما حصل فنحن المسلمون يمنعنا ديننا الاسلامي الحنيف وقيمنا الإسلامية السمحة بعدم الشماتة مهما كان الظرف وفعل العدو والعدواة الشنعاء الذى ارتكبت من أولئك القوم تجاه شعبنا الأعزل وحرمة النفس البشرية اعظم من بيت الله الحرام المعظم، وندعو المولي عز وجل آن يأخذ الظالمين بالظالمين ويخرج شعبنا من بينهم سالمين.
لكن إيماننا راسخ ولاتشوبه شائبة بأن الذنب لاينسى، والديان لايموت، فافعل ما شئت فكما تدين تدان والحرب سجال يوم لك ويوم عليك.
نصف قرن من الزمان وتمر بنا اليوم الذكرى المأساوية لمذبحة قرية (عونا) وفى قلب كل مواطن شريف غصة ووراء كل أسرة ذكرى اليمة وفقد عزيز وحبيب لاتعوضه الدنيا كلها.
مأساة شعب إريتريا بدأت منذ زمن طويل ومازال قطار المآسي والأحزان والمشاكل متواصل ويشق طريقه بلا هوادة ويخلاط وجدان كل بيت ويلاحق كل مواطن شريف فى كل مكان وزمان وفى كل نواحي الحياة المختلفة وكأنه مسلسل يومي تشاهده عبر الشاشات وتسلية يتسلي بها المجرمون ويتلذذ بها الطغاة الساديون، فإن كانت مذبحة عونا وأخواتها من قبل المستعمر البغيض الذى كان يهدف لاستغلال مواردنا ويبني حياته على انغاض موتنا ونهب خيراتنا وثرواتنا فماذا بالله عليكم نسمى من جاء من أبناء جلدتنا وفرق شملنا وعاش رئيسا لبلدنا وعاث فسادا وقتلا واعتقالا وتشريدا وبنى مجده وحياته وطموحه على حساب تراب وطن كامل وشعب مغلوب على أمره يحكم بيد من حديد وقمة القوة والبطش والتنكيل.
كان الطبيعي والمتوقع لاى حكومة وطنية تأتى بعد الإستقلال في مثل الحالات والجرائم والحوادث أن تقوم بتعويض مايجب تعويضه ومطالبة الدولةالمعتدية والقاتلة بالاعتذارأو أقل شئ كنا نتوقعه أدبيا لكل هذه المجازر اللإنسانية بحق الشعب لحفظ ماء الوجه، لكن كيف يتسنى ذلك إذا كان الوطنى اسؤ من المستعمر!!!
هذه الجرائم من عونا وغيرها لابد من توثيقها وعرضها في المنظمات الحقوقية العالمية الدولية لحقوق الانسان ليأخذ القانون مجراه ولو بعد حين، وهذه مسؤولية كل الأجيال عامة والحقوقيون على وجه الخصوص.
ويجب أن لاتنهي هذه الجرائم وهذه الحق المشروع بالتقادى وماضاع حق ورائه مطالبون.
ومن ناحية اخرى وبكل ماتحمل هذه الذكريات الدموية المأساوية إلا إنها تتعبر تاريخ مشرف لهذا الشعب الذى صمد أمام كل هذه الصعاب والتحديات الجسام حتي نال تراب الوطن استقلاله ورفرف علمه بين الأمم، فكانت كل هذه الدماء الغالية مهرا لعيون الحرية.
سوف تظل مذبحة عونا ودماء الابرياء الشرفاء وعلى مر التاريخ لعنات تطارد الدكتاتوريات المستبدة من الحكومات الإثيوبية المعتدية القاتلة، ولهولاء الزمرة الطاغية الحاكمة الذين فرطوا فى حقوقهم وسلبوا وسرقوا وتجبروا على كل الوطن العزيز ولم يقدروا تلك الأفواج التي فدت وضحت من أجل كرامة وعز الوطن والمواطن.
ونؤكد إذا كان العدو الغاشم يذبح وينتهك الحرمات فإن حواء أرتيريا مازالت حبلى وفرسانها في الطريق.
وسوف يعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
رحم الله شهداء عونا وكل شهداء الوطن.