التواطؤ والخيانة الخونة الكوماندوس - الحلقة الخامسة
بقلم الأستاذ: متكل أبيت نالاي - كاتب وناشط سياسي ارتري
كيف كانت الحياة في مناطق المنخفضات قبل الانضمام؟ وفي المنخفضات نستطيع أن نقرر
الحقائق التاريخية التالية: إن لكل مجموعة من المجموعات القبلية الإرترية هويتها التي تميزها عن الآخر، اكتسبتها من واقع محيطها الجغرافي بكل ما يحوي من تراث ثقافي. وتداخل عرقي وقبلي.استطاعت أن تخلق في هذا الإطار حالة من التجانس فيما بين أفرادها، مهما كان معتقدهم الديني، أو انتماؤهم القبلي. فسكان المنخفضات الإرترية مثلاُ يجسدون عبر تاريخهم الطويل حالة من التعايش السلمي في إطارهم الجغرافي. فكل الناطقين بلغة التجري من البني عامر و قبائل الحباب، والمنسع، المسيحيين منهم والمسلمين.
والماريا، سكنوا في إطار جغرافي واحد مع الباريا، والبلين والكوناما بمختلف عقائدهم الدينية لآلاف السنين، وكونوا معاُ قوة متحالفة، ضد كل غزو خارجي، يستهدف مرابضهم، ومزارعهم من غير أن يعني هذا طبعا خلو حياتهم أحياناُ، وعلى فترات متباعدة تارة،ومتقاربة تارة أخرى، كان شيء من التنازع، والتنافر في المراعي والمعابر، إلا أن ذلك سرعان ما كان يتلاشى باء يجاد حلول مرضية، تعيد الوضع الاجتماعي إلى سيرته الأولى، مما ولد عندهم في نهاية المطاف ثقافة واحدة مشتركة في حل مشكلاتهم الداخلية بشكل مسالم، ووحد بين مشاعرهم السياسية، والثقافية، ووثق من تألفهم الاجتماعي، وتداخلهم القبلي وقارب بين وسائل كسبهم الاقتصادي، وطرقة حياتهم المعيشية، وأعرفهم العشائرية.
وقبل انضمام إرتريا إلى إثيوبيا لم تكن الكوماندوس أي صلة بمناطق المنخفضات (دقي متاحت) ولا أي طموح ولا توجد صلات قويه لا ثقافية ولا اقتصادية كانت لغة التفاهم بينهم في بعض الأحيان بالإشارات لعدم وجود لغة مشتركة ولا حتى مداخل عاطفية ولم نعيش تجربة كشعب واحد . كل واحد كانت له فواصله، برغم مايعتبر أقاليم أكلي قوزاي، وسراي، وحماسين هم أكثر الأقاليم الذي يتقاسم سكان المنخفضات لغتهم وديانتهم وثقافتهم معهم. ولكن زلت التعايش المتباعد بين المناطق تسبب في خلق بنية مختلفة كما أن واقع العزلة التي فرضتها الجغرافية والثقافة ساهمت في الخلافات الإرترية بالإضافة للويلات السياسة التي تعرض لها المنخفضات زادت اتساعا وعمقاُ بين الطرفين.
والمنخفضات يعيش محنة مستمرة منذ الخمسينات يقاتل فيها أعوان الاستعمار بكل إشكاليه وتكرر السيناريو عدة مرات قبل وبعد هزيمة إثيوبيا ويشعر بأن حمايته انتقلت إلى ناس لا نطمئن لهم ويشعر الآن إنه أصبح كمن استبدل السل بالإيدز كل ما رأينا تلك الوجوه التي ارتبطت بالسيناريو الاستعماري والمجازر البشعة، ومازلت تكذب وتضليل وتنشر شرورها، وأصبح التحدي الجديد له اكتشاف ”المتآمرين“ و”الخونة“ و”العملاء“ في صفوفه واقتلاعهم أو إقصائهم أو إبادتهم قبل أن يدخل معركته الحتمية مع من هزموهم لا بسبب قوتهم ولكن بسبب المتآمرين والخونة والعملاء في صفوفهم. كان الزمن يلعب لعبة ذكية مقصودة ومدروسة يعدل في حيات المنخفضات وتاريخها بمؤامرات طبخت على النار الهادئة مغلقة وأحيانا معلنة منذ زمن قديم وكانت الكوماندوس هي التي جلبت الضرر لمنطقة حينما استوطنت نساء الكوماندوس مناطقهم وزادت فيها نسبة محلات الخمور والدعارة وصارت معسكراتهم داخل احياءونا وأصبح يجول وسطهم السكر والفساد واجتماعات وندوات التي تحتوي على الفجور والرقص والغناء والحقد. وتمددت الحدود الإداري لمنطقة الحماسين في عصر حرقوت أباي نحو فلفل وسلمونا، وتمددت قوحاين هي الأخرى إلى ضواحي قندع في سمهر، وفتحت للحماسين فرع وسط بركه. وأصبحت تشكل فواصل في بين رغبة الناس ومعيشتهم المتآلفة. وكانوا أهل العبث والنهب مع كل من حولهم. نزعوا حقوق الناس من أيديهم بتواطؤ مع التاج الإمبراطوري وأسرعوا الخراب في ديارنا وسهل اقتيادنا بعد أن اخترقوا صفوفنا وتم الانحطاط حتى أصاب معظم بيوت المسلمين.
أهل الهضبة الوسطى، كانوا منسجمين، يتحركون ككتلة واحدة، وكنا نرى في أعيادهم تتزين خيامهم بالعلم الإثيوبي، حتى الثور يلبس العلم الإثيوبي وهو يقتاد لذبح. كان ماضيهم مترسخ في دينهم، وإذا رجوت بالوطنية رجوت عبثاً، كانت قد تأزمت المسألة الوطنية بسبب مناصرتهم بشدة للثقافة الإثيوبية، كما أن العلائق العائلية الإثيوبية الإرترية التي أخرجت مركب لا نستطيع تبينه حتى الآن. وهو مركب يتألف من الثقافة الإثيوبية الذي تغلغلت في أعماق الثقافة الإرترية فاقتبسوا أساليبها وأخلاقها لهم، مما جعل الانتقال إلى الحياة الإرترية صعبة. أما عن أعيادنا الإسلامية المدارس لا تعطل رسمياُ ولا الأسواق لكن تتوقف على مضي احترام الشخص لدينه كان أمر صعب بدأنا نفقد فيه كل شيء تدرجياُ وأول ما فقدنها كانت اللغة العربية وتوالت الهزائم، أصبحت الحكومة تضع قيود على نشاط الديني لم يصلوا المسلمون في الدوائر الحكومية الصلات في وقتها ولا يملك الأوقاف الإرترية ما تملكوه وحدها كنيسة بزين كالمنطقة مقدسة معفاة من كل الضرائب والرسوم ولها أرض كبير وميزانية من الدولة تدعمها.
وبعكس مناطقنا التي بدأت النشاط الديني يضيق فيها مع كل نظام حكم المنطقة بعد إيطاليا والإنجليز. وظهرت عند أفراد من المسلمين في بعض المناطق تغير أسماءهم وأخفوا دينهم لمعرفتهم بأن الذين يقعون خارج الدين المسيحي لا يستطيعون الحصول على مكان لهم في الحيات الإثيوبية إلا إذا اندمجوا كليا في الدين المسيحي، وكانت الكوماندوس هذا شرطها أساسي لالتحاق بها . إلا أن نسبة هؤلاء المكرهين قليلة إذا ما قورنت بغالبية المتشبثة بدينها ومتحفظة بتماسك حالها كحال البنيان المرصوص إلى يومنا هذا. وفي الخمسينيات امتدت في كل إرتريا أحياء سميت (حديش عدي) في كل من أسمرا، وعدي خلا منطقة (دقي بخري)، صنعفي منطقة ( لعلاي أقروف، وإندا داشيم) سقنيتي، منطقة (دقي طيغنا، حدقتي) عدي قيح، منطقة (عارت) دقمحري، منطقة ( تدرر) و عيلابرعد منطقة (عنسبا لامطيلي تحتاي) وعرزا منطقة (دمبلاس، ومنطقة ميدري ودي صبرا)، جندع، كرن، مندفرا، أغوردات أما مصوع كان نصيبها (حديش ألم) أسماء ترمز لعصر الخيانة والتواطؤ الإثيوبي.
ومن الشمال بيلول وحتى مصوع تنتشر قبائل الدناكل وهناك حوالي عشر قرى رئيسية على امتداد الساحل يحكمها شيوخ وسلاطين هذه القبائل ويتصف سكانها بالشراسة من الصعب جداُ أن يقبلوا الهيمنة في منطقتهم بسبب طبيعة سكانها وخصوصيتهم القبلية أما منطقة الحباب (الساحل) وبركه كانت تخضع لنفوز الروحي والسياسي للدعوة الختمية وكنتباي الحباب ودقلل بني عامر وتدفع لهم الإتاوة وكانت نظرتهم السياسية لإرترية مختلفة مع أبناء المرتفعات تماماً.
والمنخفضات التي دشن فيه الحكام المستعمرون أزمات مفتوحة، هو الآن بدأ يتعرض للمرحلة الثالثة من الاعتداء التغرنة. لهذا نقول هل هذا هو الحق الذي ناضل له الشعب الإرتري؟ هل هذا هو الإنصاف؟ هل هذا هو لصالح الإنسان الإرتري؟ وهناك حكمة وفلسفة صينية قديمة تقول الأمة العظيمة كالإنسان العظيم حين يرتكب خطأ يدركه وحين يدركه يتعرف به وحين يتعرف به يعمل على تصحيحه وبلاشك إننا كشعب إرتري نملك مقومات الأمة العظيمة ولكن الغياب التام لتقاليد الدولة والتسامح الوطني أصبح يعوق تبنى الخط الوطني الصحيح. لهذا يأتي حصادنا السياسي أقل بكثير من البذور الموضوعية التي نملكها.
ومع ذلك ظلت أرض المنخفضات محور نماء وتطور واستقرار للآلاف السنين وأرض الحباب وبركه وسنحيت وسمهر على وجه الخصوص لأنها تقع في ملتقى الطرق مع كثير من المناطق الإرترية وسهلة الوصول لولا غياب وسائل النقل منذ فجر التاريخ. ومع ذلك اشتهرت بالكم هائل من الشعر والقصص الشيقة والبطولات واشتهرت بأشياء من المقولات في تعامل والتوافق وتراحم والأخلاق ولأمانة والشهامة والمروءة وأعمال تراثية ضخمة فيها لذة فنية وثوابت اجتماعية تبهج كل زائر للمنطقة بوجهها الصافي وأنغامها وبطولتها وكرمها مكتفي ذاتياً وبارزا تكثر فيه مظاهر الحياة يعرف بأكثر المناطق الإرترية نمواً سكانياُ وجاذبا لأعداد هائلة من القبائل الإرترية بما تملك من مساحة واسعة من قرى وأرياف ومن أرض الصالحة للمراعي والزراعة وكانت معظم أرض المنخفضات قائمة على مبدأ القبلي تتمسك به من قديم العهد باستقلالها الداخلي وهذا بدوره أرسي قيماُ أخلاقية من بينها احترام الصغير للكبير ومراعاة الذوق والأدب في التصرفات، والسلوك المتحضر بين أفراد المجتمع ومحاولة كل فرد تحسين صورته بما يليق به أمام الناس، ومبدأ العيب، والحلال والحرام، مما أوجدوا عرف تحميهم من بعضهم البعض ومن عدو خارجي، وكانت لهم كتاتيب لتعليم القرآن يتبعها الجميع ويلتزم بتعاليمها الدينية، وكان هذا الشيء الصحيح الذي ينبغي عليهم عمله لإفشال كل المحاولات التبثيرية.
نواصل... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة