التواطؤ والخيانة الخونة الكوماندوس - الحلقة الثالثة
بقلم الأستاذ: متكل أبيت نالاي - كاتب وناشط سياسي ارتري
الغزو الإيطالي لإثيوبيا: كان بينيتو موسوليني يتحدث بالأنانية الفاشية واضعاُ عينه على إثيوبيا
كمستعمرة اقتصادية ليضيفها إلى الأراضي الإرترية والصومال التابعة لإيطاليا في شرق أفريقيا. منذ 1920 وكان يأمل توطين 10 ملايين إيطالي في شرق أفريقيا.
وعلى الرغم من عضوية إثيوبيا في عصبة الأمم والتي منحتها حق اللجوء إلى الدول الأعضاء طلباُ للمساعدة في حالة تعرضها لأي غزو، إلا أن إيطاليا ـ الدولة العضو أيضاُ بعصبة الأمم ـ هاجمت إثيوبيا في 2 أكتوبر (تشرين الأول) 1935 جواُ وأرضاُ ودارت الحرب لمدة 7 شهور تمكنت فيها إيطاليا من احتلال العاصمة أديس أبابا.
في بداية عام 1936 وأعترض الإمبراطور بشده هذا الاحتلال وخرج إلى المنفى في 2 مايو 1936 قضاها في إنجلترا ثم عاد إلى السودان متحالفاُ مع قوات البريطانية التي كانت تحتل مساحات شاسعة من أفريقيا ومنها السودان، حيث أقام في مدينة حلفا في الشمال مرة وفي الخرطوم مرة أخرى. ونسق قوات مشتركة من المقاومة الإثيوبية والقوات البريطانية وقامت بمحاصرة منطقة قوجام في 1941 وقد صعق العالم آنذاك لهذا النبأ، فلم يصدقوا أن أحدا يستطيع خلع الإمبراطور حتى وهو خارج إثيوبيا وازدادت حيرة العالم وأرادت وكالات الإنباء ملاحقة الإمبراطور هيلاسلاسى في الخارج لمعرفة ردود فعله ، ولكن تكلم على رد فعل عصبة الأمم الذي كان ضعيفاُ حيث إنها لم تفرض عقوبات كبيرة على إيطاليا خشية أن يؤدي الحظر إلى إغلاق قناة السويس مما يحول دون وصول جميع الإمدادات والتعزيزات التي تحتاجها إيطاليا ـ إلى نشوب حرب وأن تحصل إيطاليا على البترول التي تحتاجه من الولايات المتحدة والتي لم تكن طرفاُ في اتفاقيات عصبة الأمم. واقترحت بريطانيا وفرنسا، بدافع الخوف من أن تكون الحرب العامة ستشكل ضرراُ على أمنها الجماعي.
وعليه عقد مفاوضات سرية مع إيطاليا يتم خلالها منح إيطاليا منطقة في شمال شرق إثيوبيا في مقابل أن ينهي موسوليني عدوانه على إثيوبيا. وتم الاتفاق على عدم إعلام إثيوبيا بهذه المفاوضات إلا بعد أن تصبح واقعاُ حتى لا يعترض هيلاسيلاسى على هذه الشروط. ويمكن لبريطانيا وفرنسا بعد ذلك معارضة أي عقوبات تفرض على إيطاليا. يبدو أن خطط المفاوضات السرية التي تم تسريبها إلى الصحافة وضعت بريطانيا وفرنسا في موقف حرج أمام الإعلام لتضامنهما ضد عضو ضعيف في عصبة الأمم.ولكن فيما بعض مجموعة من العوامل أدت إلى تلاقي بريطانية والإمبراطور هيلي سيلاسي.
فمنذ اشتعال الحرب العالمية الثانية عام 1939 وانضمام إيطاليا في يونيو عام 1940 تحت قيادة بينتو موسوليني إلى المحور الذي قادته ألمانية النازية ضد دول الحلفاء بقيادة بريطانيا، أدركت بريطانيا أن القرن الأفريقي سيشهد مرحلة حاسمة من مراحل الصراع وفرنسا وإثيوبيا ستلعب دوراُ مؤثراُ في تحديد النتيجة النهائية للهزيمة إيطاليا.
وفي ابريل 1941 اجتاحت القوات البريطانية الحدود الإرترية مع السودان واستولت على المنطقة الغربية، ثم تقدمت في اتجاه كرن وألحقت سلسلة هزائم بالقوات الإيطالية المتمركزة فيها. وليس من قبيل الصدفة أتنسجم ميول بريطانية مع فرنسا التي كانت تحتل جيبوتي في ذلك الوقت ولكن جنرال ديغول المتحالف مع بريطانية سمح لها مهاجمة القوات الإيطالية في الحبشة حتى تحرم إيطاليا من قاعدة مهمة لها في البحر الأحمر والقرن الإفريقي وهي طبعا إرتريا.
وفتحت عليها جبهة جديدة غير التي كانت تدور في عام 1940 على أرض مدينة برقة وبنغازي في ثاني أهم مدن ليبيا، وتمكنت قوات فرنسا الحرة بنجدة حليفها البريطاني وأرسلت قوات من وحدات اللواء الأجنبي وقوات أفريقيا الاستوائية والكمرون وجنود البحرية و كتيبة من الخيالة المغاربة وبفوجين من الجنود السنغاليين والمدفعية في مشاركة المعارك التي أسفرت عن سقوط مدينة كرن الإرتري.
وفي بلاغ رقم 143 الرسمي من قيادة قوات فرنسا الحرة في الحبشة والسودان والصادر بتاريخ 31 آذار 1941 يقول جنرال ديغول في مذكراته في صفحة رقم 175 خضنا معارك عنيفة في كرن رغم صعوبة الأرض وحرارة الجو المرعبة أظهرنا بسالتنا وبراعتنا في المناورة، وتمكنت قواتنا من تحطيم مقاومة الإيطاليين الذين حاربوا بشجاعة. أسرنا 915 إيطالياُ بينهم 28 ضابطاُ غنمنا كميات كبيرة من المعدات الحربية. اشتركت قاذفات قنابلنا بنجاح في العمليات الجوية وأسهمت فرنسا إلى جانب بريطانية إسهاماُ كبيراُ في سقوط مدينة كرن.
وفي 10 من نيسان 1941 تمكنت قوات الحلفاء من احتلال مصوع وقد أبلت قوات الحلفاء بلاء حسناُ وأسرت 450 إيطاليا في محور قبقب وتسعمائة في كرن وطنقل لحس وسبعمائة في مشارف مصوع وعدة ألوف داخل المدينة نفسها وكانت خسائر قوات الحلفاء طفيفة للغاية، لم تتجاوز منذ البداية مائة وخمسين وكان معظمهم من الجرحى. لم تتوافر الفرصة لأفواج ديلانج وبويون ورو،من جنود البحرية والدبابات والمدفعية للاشتراك في القتال لأنها مازالت في الطريق أو في عرض البحر. وتحقق النصر النهائي للحلفاء وقد أسر منذ بداية العمليات الحربية في إرتريا أكثر من أربعة آلاف إيطالي، وقد قام سرب فيلاتي الجوي، والمزود بطائرات بلينهايم، بغارات قاصفة واستكشافية عدة أثناء معركة كرن ومصوع وباتجاه غوندار ولقد قاتل هذا السرب قتالاُ حسناُ.كانت لفرنسا الحرة ثماني طائرات من طراز ليسا ندر وطائرتين بلينهايم في الأرض الأفريقية كلها. وكلها كانت تقاتل في الحبشة. ونتيجة استمرار المقاومة الإيطالية الفعالة في الحبشة كانت قد اقتضت الظروف استخدام سكة حديد أديس أبابا جيبوتي إلا أن انهيار المقاومة الإيطالية التي تطاردها القوات البريطانية ومن معها حتى تمكنت الأخيرة من الاستيلاء على إرتريا بالكامل وإجبار القوات الإيطالية على انسحاب من إثيوبيا أدى كل ذلك إلى إعادة النظر في استخدام سكة الحديد. وخرجت إيطاليا مستسلمة، ولكن أخذت معها مسلة أكسوم الأثرية المصنوعة من الغرانيت والتي تزن 200 طن، وهي كنز إثيوبي يعود تاريخه إلى 1700 عام وتعد رمز الفخر الحضارة الإثيوبية، استولت عليها إيطاليا عام 1937 خلال الحكم الفاشي لإثيوبيا ونصبه الدكتاتور بنيتو موسوليني في قلب روما كرمز لانتصار إيطاليا على إثيوبيا قبل هزمه وإرغامه وإخراجه من كل مستعمراته مستسلماً بدون شروط للحلفاء. وفي مايو من عام 1941 عاد الإمبراطور الإثيوبي هيلا سيلاسي من المنفى إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بعد خمسة أعوام من الاحتلال الإيطالي لها.
وبكل المقاييس فقد خلقت هذه الهزيمة في إرتريا فرغاُ سياسياُ وأمنياُ كان لابد أن يملأه أحد ولم يكن هناك من هو مؤهل بين الشعب الإرتري لسد هذا الفراغ. فكانت هناك ثلاثة قوة تتنافس في الأحقية وهي أمريكا وبريطانية وإثيوبيا وكل وحد منهم له نظرته الخاصة في أوضاعنا وأصبحت إرتريا نقطة دبلوماسية ساخنة في الأمم المتحدة تشكلت منها الحالة الراهنة لشعب الإرتري.شجع هزيمة إيطاليا أمريكا وبريطانية على الحصول على نفوذ ومزايا إستراتيجية في البحر الأحمر وعلى ملء” الفراغ” المتخلف عن رحيل إيطاليا.
وقد سعى هيلي سيلاسي إلى جلب الاهتمام الأميركي بالمنطقة. وعلي تمددت أميركا من البحر المتوسط إلى مناطق البحر الأحمر الخليج المحيط الهندي ومنذ الخمسينات دأبت في أذكاء نار على الصراع الإرتري الإثيوبي، ثم ركزت على احتواء الاتحاد السوفيتي من خلال المساعدات والحماية التي بسطتها على اليونان وتركيا وإيران والسعودية وإثيوبيا فضلاً عن محاولتها الحلول محل بريطانية ثم أضافت حاجة أميركا إلى النفط الخليج بعدً جديدً إلى الأسس الإستراتيجية التي قامت عليها السياسة الأميركية في المنطقة. هكذا أصبحت الولايات المتحدة تفكر في المنطقة، الأمر الذي سعت معه إلى بناء قواعد عسكرية وتكوين أحلاف للحفاظ على هذه مصالحها، ولدعم هذه المصالح الإستراتيجية وضعت شبه الجزيرة العربية وحقول النفط في الخليج والبحر الأحمر تحت النفوذ الأمريكي وعليه فقد انتهجت سياسات موالية لإسرائيل، وصنعة الاتحاد الفيدرالي بين إثيوبيا وارتريا (1952) وشيدت محطة اتصالاتها في كانيو(Kagnew station) في أسمرا في(22 أيار/مايو 1953) واستخدمت مواني إرتريا على البحر الأحمر وحصلت على قاعدة هويلس الجوية في ليبيا (1954-1970) وقاعدة الظهران الجوية في السعودية (1951-1962) وعارضت النفوذ السوفيتي في المنطقة، كما اعتمدت في هيلي سيلاسي لحماية مصالحها في البحر الأحمر. ولكن مالبث أن تبين لها إنه أمر مكلف بالنسبة إلى الإستراتيجية الغربية إذ إنه كان يتوقف على عوامل سياسية معرضة للتغير لا سيما في إثيوبيا التي كانت عرضة لتأثيرات ثورية ووطنية وتقدمية “وراديكالية. ولكن السبيل المؤدي إلى فهم هذه التغييرات علينا ضرورة النظر إلى تاريخ الصراع في المنطقة إذ وقع عدد كبير من الأحداث المؤدية إلى انتصارات إرادة الشعوب، ولكنها فشلت لأنها لم تأخذ في الأهمية الإستراتيجية للبحر الأحمر، تلك هي الظروف التي تسببت في زعزعة الاستقرار وضياع الحقوق تورطت فيها قادة المنطقة كلها.
في الوقت الذي أصبح البحر الأحمر أصبح طريقاً حاسماً بالنسبة إلى نفط الخليج المشحون إلى الغرب، كانت المنطقة تعربد في المبادئ الاشتراكية اعتقادً منها بأن أميركا خرجت من المنطقة نهائي وإلى أبد. ولكن المخابرات نشطة تعمل على تدعيم وجودها في البحر الأحمر، وكانت إثيوبيا منذ الخمسينات تمثل مصالحها أميركا في البحر الأحمر لأنها الدولة الوحيدة التي تؤيد حرية إسرائيل في الملاحة في البحر الأحمر. وكانت تمثل للعرب هذا الخلل في التوازن الصراع العربي الإسرائيلي. كما تلقت إثيوبيا مساعدات عسكرية شكلت 50 بالمائة من مجموع المعونات الأمريكية المقدمة إلى أفريقيا بأكملها خلال حكم الإمبراطور هيلي سيلاسي في تلك الفترة.
لقد كان البحر الأحمر كطريق مائي، عامل جذب للتنافس والتدخل الخارجي على مر العصور التاريخية، بحكم خصائصه الجيوبوليتيكية والإستراتيجية. وخواص البحر الأحمر الإستراتيجية، جعلت منه موقعاً للتنافس والنزاعات والصراعات الإقليمية والدولية، التي ساهم الماضي في تكثيفها. وميزة البحر الأحمر هذه ارتبطت حديثاً بالمصالح والاستراتيجيات الإقليمية والدولية، مما جعل صراعات المنطقة متعددة الأبعاد وذات متضمنات خطيرة. وحالما حلت الدولتان العظميان (الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي) محل الدول الاستعمارية التقليدية(بريطانيا وفرنسا وايطاليا) بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح البحر الأحمر قضية خطيرة لشعب الإرتري وأثر على ثورته وتفاعلاته للمرة الثانية وأصبح ميداناً لتصارع الصراع العربي الإسرائيلي.ثم برز فيض من القلق دولي من استقلال الشعب الإرتري بحكم الموقع البحري الذي يتمتع به في المنطقة، ونتيجة لتحليل أدبيات الثورة الإرترية التي تضفي عليها أبعاد عربية وتوجهات شيوعية في رؤيتها المستقبلية للبلاد، وبدعوة من بعض قيادات إرترية للتآمر والتواطؤ على البادئ المعلنة لثورة الإرترية، ولأسباب مختلفة أوجبها الصراع الإرتري الداخلي دخلت المخابرات الأمريكية في جسم الثورة الإرترية. كان لها تأثيرها المستتر يدمر حق الشعب الإرتري في استقلال والحرية.
أن أدوات الدول الغربية في اختراق الثورة الإرترية كانت المعونات الإغاثية والدعم الدبلوماسي السياسي والحفاظ على وجود أفراد من الشعب الإرتري في الحكم لكسبهم كحلفاء في المنطقة في المستقبل.
ومع اشتعال هذه المنافسة في الثورة نتج تطورات وصراعات وتعقيدات أدخلتها هذه الفئة في مسيرة النضال الإرتري. مضيفة إلى الصراعات الماضية والراهنة حدة ومنافسة محتدمة بين الشعب الإرتري وسعت عليه المشاكل.
وللأسف لم يخضع البحر الأحمر لمعالجة كافية بوصفه مصدراً محتملاً للصراع وأثره الخطيرة على الثورة الإرترية، بل احدي أهم المؤثرات التي ساهمت في تأخر الشعب الإرتري لمدة 50 عام.
كثيرين هم الذي لا يعرفون دافع الصراع الإرتري الإثيوبي فهماً صحيحاً من حيث خلفيته التاريخية ومقاصده الثورية، ولكنهم وبدون مبرر كانوا ينحازون إلى الجانب الإثيوبي الذي زاد الصراع أكثر تعقيداً وبهذه الابتلاءات الذي أجتذبه التنافس الخارجي والصراعات المختلفة وصنوف الاحتلال على مدى التاريخ البحر الأحمر حرم الشعب الإرتري من حقه في العيش الكريم.
نواصل... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة