التواطؤ والخيانة الخونة الكوماندوس - الحلقة الأولى
بقلم الأستاذ: متكل أبيت نالاي - كاتب وناشط سياسي ارتري
ثمة رغبة تحدوني أن أكتب عن جرائم الكوماندوس لما لها من وقع غير عادي على تاريخنا،
وهذا نوع من الكتابة ينطوي على جانب من الأهمية للقراء في مواقع الإنترنيت، ويعرف للجيل الذي لا يدرك مدى الجرائم التي حصلت في بلادنا وأثارها المدمرة، كما قرأت كتاب الدفع والتردي وتعرفت فيه على جملة من الأخطاء أبداها الكاتب ضمن سرده التاريخي لبدايات الثورة الإرترية وتأثرت بإطلاقه أحكام غير مباشرة على الرعيل الأول في تصويره للممارسات قيادة الجبهة كبداية سوداء مليئة بالهمجية ومرعبة للمناضلين وعاجزة في قيادة الثورة ويوصفها كقيادة قبلية متخلفة ومتوحشة لا تؤمن بالديمقراطية أبداً، وقمت بتصفية هذه النظرة التي ظلت طيلة عمر نضالنا تلاحق الجبهة من عقليات مغرضة تنتقم وتعزل تاريخ الجبهة بدقة وحبكة إلى الحد فصل الناس عن بعضهم البعض وخلق خلاف ثقافي يعمق مأساة الشعب الإرتري، وكم يسرني أن يتوفر لنا وأجيالنا الإطلاع على التاريخ المفصل لثورة الإرترية لكل من قاتل فيها في الميدان وسجن وتعذب ولكل من عاش أصداؤها من بعيد وجمع لها التبرعات وخرج يؤيدها بالمظاهرات لكل هؤلاء جميعاً أدعوا المناضلون الأحياء في إرتريا وأبناء الشهداء ومؤرخي البلد أن يثبتوا لشعبية أن هناك متسعاً حقيقياً في تاريخ الإرتري يتجاوز علمهم وسوف يكتب بأهمية تاريخ الثورة الإرترية خالي من الغرضية ويتسع للجميع يشمل كل من شارك في الثورة بغض النظر عن انتمائهم الاجتماعي والسياسي والفكري والديني.
وخوفاً من أن تخون الذكرة المؤرخين، وخوفاً من أن تتحكم ظروف معاصرة بالوقائع التاريخية فتسقط أدوار وتعلو أخرى وتتحجم شخصيات وتتضخم أخرى، من الأمور التي تترافق عادة هذا النوع من الكتابات علينا كتبته بتأني والصبر وتمحيص عبر أقلام متخصصة في هذا المجال. وفي كل الحالات ومهما كان نوع التاريخ الذي سيكتب عن ثورة فانه سيكون حدثاً بمثل ولادة الثورة تمامً، كما كانت بداية الثورة حدثاً ضخماً لدى انطلاقتها وستظل ثورتنا مقيمة في موقع دافئ وحار في ذكرتنا الإرترية دوماً. وإنني لم أفاجأ بالكتاب الدفع والتردي لأنه أمر متوقع على الأقل من الأمين محمد سعيد ودهشت فيه بتأويلات السياسية الذي بنا فيها ملاحظاته، وتعمد تزييف الحقائق ليعطي الجبهة تلك الشكل الرديء.
وفي نيتي أن لا أساوم على مسرح الأحداث التي نبعت منه التناقضات السياسية والقسوة الإرترية وجمعت كل المنعطفات التاريخية الدامية من المنبع إلى المصب وكما رآها وسجلها معي شعبنا في مقالاتي هذه التي سوف تنشر في مواقع الإنترنيت لصالح القارئ العربي سميتها “التواطؤ والخيانة“ لما يمكن أن تكون راداُ لكتاب ”الدفع والتردي“، وهكذا نوقظ التناقضات الاجتماعية التي ساحبة ميلاد القوى الشريرة وأنهت بهزيمة الكوماندوس النكراء.
تتمثل أهم صعوبة واجهتها، أثناء كتابة الذي بين يديكم هي في العثور على عنوان لإعمال الكوماندوس بما يمكن تسميته ما حدث في إرتريا؟ إنها ليست حرباُ، ذلك لأن الحرب بين فريقين مسلحين. ولم يكن شعبنا يمتلك السلاح للدفاع عن نفسه. وهي ليست حرباُ أهلية كما حدث في الثورة الإرترية ينقسم أبناء الشعب الواحد إلى فريقين يصارع كل منهما الآخر ولم يكن الحال كذلك فإذا لم تكن حرباُ، ولا حرباُ أهلية، فلا يمكن أن تكون إلا (مجزرة) لا سيما حين يكون الضحايا من المدنيين الأبرياء يريدوا السلام والأمن، ولاستجلاء حقيقتها واستظهار بواعثها قمنا بالاتصال بالحكومة الإثيوبية خصوصاُ عندما وجدنا الفاعل الأصلي غير معروف ولكن قالوا المسالة تحتاج معرفة ما يدخل ضمن البناء القانوني للجرائم وما خرج عن حدوده، أي يؤكد وجود ممارسات (تستهدف في النهاية غاية بعيدة لا يخطئها ذكي في إطار لعبة الكوماندوس المبتزة لإثيوبيا والذي تحركها سوء النية تجاه المسلمين) وبعد استقلال إرتريا يعتبر الحوادث التاريخية من الأمور المباحة تناولها وكشفها ولو كانت تمس شرف الغير مادامت قد روعيت فيها الأمانة. ولعل الحكومة الإثيوبية تستجيب لكشف الملتبسات في تأريخ جرائم الكوماندوس وغيره لنقد التاريخي والمناقشة الحرة في القريب العاجل لما لها من أهمية ترتبط مباشرتاُ بالشعب الإرتري في صراعه الإرتري.
وهي أفعال مضى على حدوثها أكثر من 40 عام ولكن هناك من يرى مهما تقادمت المسألة يظل الإثم هو الخائن يستخلص الشعب الإرتري منه الركن المعنوي ولا يجوز إهدار حقه المعترف به في عهدنا هذا.
وفي حوزة الشعب الإرتري الكثير من أفعال الكوماندوس الذي أدرت بها شرورها عليهم يمكن لأي تلميذ صغير بأي كلية حقوق يمكنه في سهولة أن يعد بحثاُ قانونياُ موثقاُ بدرجة امتياز، عن انتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان وجرائمها المخزية ومذابحها، ويمكن أن يلاحقهم إن وجد قاضي شريف وضمير حي والعدل والحق.
وكانت حروب شاملة التدمير خطط لها تدمير الوجود للخصم وحرب شنيعة صممت لنشر الأحقاد تجاه المسلمين. مارست فيها التحريض العلني المباشر والكراهية الطائفية واستعمال العنف وإضمار البغض والشر، يكفي أن يطلق فرد من الجبهة عيارات نارية تتجدد المجازر والحرائق على القرى والطرقات وفي كل مكان يموت مقابلها الآلاف وتكون حياة الأطفال والنساء و الكبار السن في خطر لا يريدوا تحديد المعتدي والمعتدي عليه. كانت حرب تفوق في همجيتها كل الحروب البربرية في الفظائع ودمار وتخريب كبير قامت به الكوماندوس أي (الجنجويد الإرترية) إلى الحد من القسوة لا ترحم فيها حتى البهائم بالإضافة لقيامها بمجموعة من الإجراءات القمعية الغير القانونية التي تقيد حيات أبناء المناطق الإسلامية.
لهذا تحتاج إرتريا من دون شك إلى قراءة مختلفة لما حل فيها طيلة الخمسون عاماً الماضية من أحداث عنصرية تشير إلى ما وصل إليه الوضع الإرتري الحالي. كما يحتاج الإرتريون إلى معرفة وقراءة تفاصيلها ونتائجها السلبية ومقارنة الأسئلة التي كانت تنفجر في تلك الفترة مع الأسئلة الماثلة أمامنا اليوم. فذلك حق مشروع لهم وهم معذورون حين لا يرون سوى جراحهم وعذابهم ودماء أبنائهم وأهلهم وذويهم بقيت كما هي على مر زمن ومع كل الحكم في البلاد. ونتساءل بحثاُ عن تفسير لذلك الأمر: كيف تظل تلك الأسئلة نفسها دون تغيير رغم ما تحقق من انتصار في بلادنا.وكيف أبقوا سيوفهم مشرعة بوجه المسلمين إلى يومنا هذا؟ لقد انقرضت مرحلة هيلي سيلاسي ومرحلة الأيديولوجيات السياسية ودخلنا مرحلة تدمج فيها حقوقنا ضمن كفاح الإرهاب الدولي. نحن في بيننا صراع حامي ومعارك دامية قبل إثيوبيا وبعضها ب 14 عام نحارب وجوه العملاء وصيغ الخونة وللأسف سحبنا معنا جيلا كاملاُ بهذه الكذبة بحرب القوة وإثبات الذات التي كرست التجزئة، وكان شهود هذه المعارك الشعب الإرتري وأما رهانها فكان من سيكسب أغلبية الناس إلى صفه.
دعك كل ما قيل عن الوطنية والتنمية كلها أسباب تجنيدي تسهل توفير جنود للإسياس أفورقي وغيره وحينما أو تيحة الظروف فرصة أن تحكم التغرنية عادة تكرر نفس همجيتها الأولى تماماً كما فعلت الكوماندوس تمارس انحرافاتها ألا إنسانية، فمنحوا أنفسهم صكاً يخولهم استعباد الناس والتنكيل بهم، لأنهم يعتقدون لا أحد يسمعهم والأمر بيدهم ولا يستطيع أحد الوقوف في وجههم. وبنظرة استعلائية كتبوا تاريخنا وصنعوا لنا هذا الواقع الذي يحمل صفاتهم الأخلاقية والفكرية.وهو واقع في الحقيقة غيرُ صحيحُ بل هو واقع يتسم بالزخرفة والألغاز والغموض، ولأنه واقع يرفض أن يحدث تغيير ويصر أن يتقاتل له الشعب بنفس الأسباب السابقة. لهذا لم نفهم هذه الأوضاع أو القطيعة الكبرى في فكرنا وصراعاتنا كما يجب فأننا لن نفهم شيئاُ أبداُ عن الوضع الراهن.
ولفهم ذلك علينا أولا بتقصي الحقائق التاريخية ولأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي أفضت إلى الثورة، ثم بعض ذلك البدء برص الأفكار والمذاهب الفكرية التي ولدت الثورة. لمعرفة المذاهب الاجتماعية والأيديولوجية التي ظلت تغلي وتغلي من مطلع الأربعينات على أقل تقدير، وتحاول تغيير الإطارات الاجتماعية من خلال قوى جديدة فاعلة في قيادة حركة التغيير لكي تعيد التوازن إلى التركيب الاجتماعي المقلوب وجعله تنوع متناغم الإيقاع نحو تحقيق الصفة الإرترية للجميع، ووحدة إرتريا وحقها الكامل في تقرير المصير. ولكن اصطدمت بالظروف المناوئة الداخلية والخارجية التي دأبت على إحباطها فكانت الحرب ضد كل مفردات الاستقلال لا هوده فيها وإفساد النخبة من كل شرائح المجتمع الإرتري مخطط الاستقلال، حتى تبلورت لنا أحزاب مأجورة تترأسها إما عناصر مغرر بها لا تشم أبعد من أرنبة أنفها كتلك التي تمثلت في قيادات الرابطة الإسلامية المديرية الغربية، والرابطة الإسلامية لمدينة مصوع أو تلك المجموعات العنصرية الكنسية الحاقدة رفعت شعار الوحدة أمثال ”القسيس مرقوص“ ومن معه من كهنة الكنسية القبطية. اجتمعت كل تلك العناصر ووجهت حربها المسمومة نحو الحلم الإرتري ومشروعنا الوطني.
لهذا لا نهدف مجرد سرد لما حدث بل نربط الأحداث بما أحاط بها من ملابسات لعبت دورا حاسماً في حدوث الجرائم البشعة وأثراها المؤلمة في إثارة الأحقاد والحيلولة دون إمكانية التعايش السلمي بيننا. وفي سردنا هذا سوف نتعرض في أرض المنخفضات ما فيه من إنسان وما يقف عليه من إمكانيات وثروات كان يمكن أن تغير من واقعه لو وجد العدل في البلاد. وفيه نقف بالقارئ على الأفكار التي بنت عليها هذه الأقلية وجودها وصاغت منها أهدافها. نرى كيف ابتكرت لنفسها وسائل جديدة وسوغت لها من مبررات للقضاء على الخصوم واحتكار السلطة والمال والجاه.
جارفة كل القيم ماسحة كل الأعراف رامية وراء ظهرها المعتقد الذي اتخذته وسيلة لتبلغ به غاية الغايات السلطة والثروة. وأن الفوارق الملاحظ بين المرتفعات والمنخفضات هو التفاوت الشديد في حظوظ التنمية ومن الواضح أن التنمية انحصرت في المرتفعات فالإقليم الغربي بجمعه والساحل ودنكالية ليس به مشروع واحد يمكن أن يسند المنطقة لمدة أسبوع تجمعت فيهم الجهل والفقر والمرض وعش عشت فيه صراعات قبلية. ومنذ الاستقلال إرتريا ظهرت جلياً الفوارق ما بين الشعارات المرفوعة والوقع الذي يتبلور بعد أن أطل باكرا برأسه موضحاً لنا الخلفية الأيديولوجية التي انطلقت منها هذه التوجه والقاعدة الشعبية المبنية عليها. كأنه كان النضال تمكينا لتغرنية وليس للمبادئ وشعارات.
وتشكل الكوماندوس مهد لميلاد الكثير مما تتألف منه الجبهة الشعبية اليوم وكما كانت عليها أسلافها عبر تأريخهم الطويل تعمل وفق منظور المسيحي يعملون بإجحاف وتحالف تتحدث عن هموم فئة جعلت منها هموماً للأمة . لهذا تنتمي إلى نفس النوع من التاريخ الظالم وبسرد تاريخ الحقبة الماضية سوف نتعرف على أمور الكوماندوس وسجلاتها المكتوبة لمعرفة وإظهار جذورها التربوية ودورها القيادي في حماية النظام الإمبراطوري لهذا نعتبر الكوماندوس فصل معرفي يساعد في قراءة تاريخ التواطؤ الإرتري لا نريد له أن يموت من تأريخنا وهو حدث قائم بذاته ومحوراً مهماً من محاور الاستعمار ويبدو أساسا لكتابة التاريخ ولكن لم نعرف لماذا أغفلت عنه الثورة الإرترية كان يفترض لتأريخنا أن يمضي ضمنها على الدوام.
ونحن نعرف الذين يسيئون لكرامة الآخرين دائماُ يتسلحون بالأعذار وهذا شعور طبيعي يشعر به كل مجرم ارتكب جريمته فهو يخشى دائما من ظهور الحقيقة الذي تعطي كل ذي حق حقه. ولعل يوماُ يأتي يحاكم فيه الإرتريون كل المسئولين عن مذابحهم وكل الصامتين عليها، لذلك فأن كل هذا التاريخ المتوتر دائما والذي صنع الكثير من مفردات التعقيد. قد أوجد خلفية لدى المسلمين بأن القوى الحاكمة تعمل على سلب ثرواتهم وإنسانيتهم ودينهم كما لو كانوا بقرة حلوبا لا كشعب يستحق الحياة.
وهذا ما يؤسس الاعتقاد بأن الكوماندوس تمر الآن بمرحلة ازدهار كمي ونوعي في بلادنا. وليعلموا حقاً بأن التاريخ شأن متحرك ولحكومات لها أعمار وفصول لا يمكن أن تتجاوزها و التاريخ لا يختصر أو يتجاوز مهما كان النزاع فيه وأن تفكيك التاريخ من أجزائه وأحداثه المتصلة يعتبر مغالطة للتاريخ و تشويه للحقيقة. وهذا ما جعل التاريخ الإرتري في غضون العقود الماضية يبدو وكأنه انعكاس لإرادة هؤلاء القوم ولهذا نقول بان الموضوع يستحق أن يبذل من أجله جهود وينال من دراسة وتدوين حقه بما يمثله من مرحله مازالت تعكس أثارها على مجمل الأوضاع.
لقد عانى شـعبنا حينما لم يكن واعي بذاته وتاريخه و بوسـعنا الآن تجنب الكثير عن طريق إيضاح التاريخ الذي مره علينا قبل أربعون عاماً وأمل بأن هذا العمل أن يسـاهم على رفع وعي الشعب الإرتري في المستقبل كما إننا مازلنا نعيش الأسباب التي دعت إلى هجرتنا ومزقت نسيجنا الاجتماعي، في ظل غياب قانون حاكم ينظم أمورنا ويطيعها شعبنا، ولذلك فان من الواضح أن مصادر المشكلة الراهنة اليوم في إرتريا تعود بصفة أساسية إلى الأحقاد والتناقضات التي خلفها حزب أندنت وعمل على تفاقمها الكوماندوس وعلى جيل الإرتري الجديد من حقه أن يعرف كم اخذ هذا الصراع من زمن وكم استنزف من قدرات، وما أسهم في تمزيق شعبنا وتشتيته، ومن الحق القول بأن إرتريا قديما كانت وحديثاُ ليسـت من نتاج قوميه معينه بل هي حصيلة تطور تأريخي وتضافر مجهودات أبنائها مع بعضهم كلهم أسهموا بتاريخ متمازج ومتسلسل توجت بها البلاد استقلالها ومكانها بين الأمم.
نواصل... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة