مجزرة شعب

بقلم الأستاذ: متكل أبيت نالاي - كاتب وناشط سياسي ارتري

في بداية عام 1988 أصدرت إثيوبيا قراراٌ يشبه حالة الطوارئ يجبر المواطنون على إخلاء مناطقهم

التي تبعد 10 كيلومترات عن معسكراتها وتدخل ضمن المناطق التي تتواجد فيها القوات الإثيوبية ويجب أن ينفذ في مدة لا تتجاوز الشهر وإلا سوف تتعامل مع كل من يخالف هذا القرار بالقوة. وكانت مدينة شعب وقعة خارج هذه العنجه الأثيوبية الغير معقولة.

وفي صباح يوم الخميس 26 رمضان 1408 هجري الموافق (12 مايو 1988) جاءت القوات الإثيوبية إلى شعب من ناحية مصوع، وتمركزت في جبل قيعنب لتحاصر المدينة من كل الاتجاه مما أدى إلى فرار السكان من السهول إلى الجبال، أما كبار السن والحوامل والأطفال الذين لم يتمكنوا من الفرار فقد جمعتهم القوات الإثيوبية حول شجرة تم شرعت الدبابات في طحنهم بجنازير عجلاتها تقريباُ طحنت 80 شخص بهذه طريقة ثم تولت الأسلحة الرشاشة إبادة الباقين، مجموع القتلة 400 شخص كما استولوا على الحيوانات والمواشي التي يمتلكها الأهالي ونهبوا ما في البيوت وأحرقوا ما لم يتمكنوا من حمله، وأشعلوا النيران في المسجد ووضعوا الحيوانات الميتة في البئر الوحيدة في المدينة حتى لا يتمكن الأهالي من استخدامها. ويقول محمود محمد على وهو من سكان هذه المنطقة والذي نجا هو وعائلته من هذه المذبحة التي قامت بها القوات الإثيوبية، يقول: استطعت الهروب مع عائلتي من هذه المذبحة بأعجوبة وذهبنا إلى وادي ”وعس ثم قدمنا إلى منطقة فلفل للإقامة فيها، وبعد 8 أيام قام الجيش الشعبي بمهاجمة القوات الإثيوبية مما أدى إلى تقهقرها وعادت مرة أخرى إلى منطقتي شبح، وقتلت فيها عدد من أفراد المنطقة خصوصاُ في المزارع التي من حولها. ثم دخلت مدينة مصوع.

ويضيف محمود على منطقة شعب قبل هذا المذبحة فيقول كانت شعب مستقرة وأمنا كونها تتميز بموسمين زراعيين كانت منطقة عامرة بالحركة والخير الوفير حيث تجد بها الحقول الزراعية الخصبة والواسعة والحيوانات التي توفر لسكان المنطقة الحليب والسمن ولحم، كما أن الماء متوفر فيها، وكذلك الطاحونة والدكاكين بالإضافة لتوفر العملة السودانية والإثيوبية التي تتعامل بها شعب مع أسواق السودان وإرتريا.

ولكن السكان تركوا كل هذا وتمزق نسيجهم الاجتماعي ونشاطهم التجاري تركوا كل ذلك توجساُ من الخطر المتوقع من قدوم القوات الإثيوبية فتركوا قراهم وتفرقوا إلى عدد من الاتجاهات، ففي حين اختار بعضهم التوجه صوب السهول، واحتمى بعضهم بالجبال المحيطة بالمنطقة وسلك البعض الأخر طريق وادي لابا المؤدي إلى منطقة ”قلب“ وقد اختار بعضهم الهرب إلى منطقة سهلية تعرف ب ”عدر“ وذلك لأنها منطقة قاحلة لا ماء فيها، وأن الجيش الإثيوبي - حسب اعتقادهم - لن يفكر في الوصول إليها، وبينما هم مختبئون في هذه المنطقة داهمتهم قوات العدو من جميع الجهات، ونفذت فيهم مره أخره المذبحة الثانية البشعة. وفي موقع يدعى شاقت زبيدت وجدوا فيها عدد من ألقتله من أسرة واحدة وهم زينب على وطفل ابن 9 أعوام إدريس وحليمة لوبوس، وحواء بدر مع أطفالها وخيراء بدر ومحمود ابنهم الوحيد وجد مجروح جراح بالغ في ظهره وتم إنقاذه وشفي تماماٌ ولكن استشهد فيما بعد في الحملة الثالثة في الحرب الإثيوبية الثانية الذي أشعلتها زمرة وياني الحاكمة.

وبعد مغادرة العدو للمنطقة عاد المواطنون الذين احتموا في الجبال المحيطة بالمنطقة ودفنوا قتلاهم في صمت وحزن بليغين، ثم شرعوا على الفور في بناء وإصلاح ما تم تدميره بواسطة المساعدات التي قدمها لهم التنظيم فقاموا بإصلاح القنوات والسدود الترابية في حقولهم وبناء ما تهدم من بيوتهم لإعادة العمران في منطقتهم.

ويروي سكان منطقة شعب قصة الأم العجوز، سعدية محمود، التي نجت من الموت المحقق ولكنها رفضت أن تخرج من بين أكوام الجثث عندما دعتها إحدى المواطنات لمرافقتها ولابتعاد عن مكان المذبحة، ولكنها لم تشأ أن تفارق جثث ابنها وطفلته وابنتها حليمة وطفلتها الذين قتلوا جميعاُ في هذه المذبحة أمام عينيها.

وبعد أيام وجدت الأم سعدية ميتة بعد أن رمت بنفسها فوق جثث فلذات أكبادها.. ولم تمت سعدية بسبب إصابة لحقت بها وإنما من الهم والغم.

من جريدة الأنباء الكويتية الصادرة في 1989/6/15

في زيارة لها للمناطق المحررة وفد البعثة

التصوير: شوقي محمود وناصر عبدالسيد

تعليق متكل أبيت حول مذبحة شعب

شعب تقع في ملتقى الطرق مع كثير من الناطق الإرترية وسهلة الوصول لولا غياب وسائل النقل في البلاد. واشتهرت بالكم الهائل من القوميات الإرترية وخلقت هذه التركيبة المتجانسة فيها التوافق وتراحم والأمانة والشهامة وأعمال تراثية ضخمة فيها لذة فنية تبهج كل زائر للمنطقة بوجهها الصافي وأنغامها وكرمها بشكل يثير الإعجاب. وشعب كانت احدي البلدة الإرترية المكتفية ذاتياُ من باقي المدن الإرترية بما تملك من مساحة زراعية وحدود مفتوح مع السودان وتقع قرى وأرياف كثيرة من حولها.

أن ذكريات ذلك الماضي المؤلم من حق الجيل الإرتري الجديد أن يعرفه كم أخذ هذا الصراع من زمن وكم استنزف من قدرات وما أسهم من تمزيق شعبنا وتشتيته وعلى الرغم الحروب كانت حروب تحرير إلا أن إثيوبيا كانت تحمل سوء النية المبطنة لمناطق المسلمين وتحت هذه الجدلية ظلت تعمل ولم تتبدل رغم ما كان يقال من حركة المنخفضات والمرتفعات كانوا بنفس العقل والتفكير ويعملون بنفس الروح القديمة للإمبراطور هيلي سيلاسي من رؤيا مسيحية استعمارية حاقدة متركزة على عقلية كنسية متقوقعة على نفسها تؤمن بان مناطق المسلمين هي التي تدعم الثورة الإرترية وكانت تجر هذه المناطق على مستنفع الموت والدمار ولكن الصحيح بعد هذه المناطق هي التي كانت تعيش على مساعدات الثورة الإرترية وهكذا كانت تقتل إثيوبيا بأوضاع لا تتصل بحيات هؤلاء لا من قريب أو بعيد فهي بلد بربري متبلد الإحساس يتفاخر جيشها بالنهب والقتل. ولكن المنخفضات زال يعيش محنة مستمرة منذ الخمسينات نقاتل فيها الاستعمار وأعوانه بكل أشكاله وتكرار السيناريو عدة مرات وبعد هزيمة إثيوبيا زادت هذه التوترات اتساعا وعمقاُ بعد أن أوجد النظام الحاكم في الإرترية خلفيه لدى المسلمين بأن الحكومة بدأت تسرق الشعب الإرتري بالقانون وأصبحت هذه المناطق تعيش الأسباب الأول نفسها.

واليوم شعب وغيرها من مناطق المسلمين استوطنت فيها أبناء المرتفعات وزادت فيها محلات الخمور والدعارة وصارت معسكراتهم تعطي ندوات التي تحتوي على الفجور والرقص والغناء.

ونزعت الأراضي الزراعية من أيدي أهلها وأبناؤها وبدأت شعب وغيرها تفقد فيها كل شيء تدرجياُ وتوالت الهزائم وزادت القيود على نشاط الديني واللغة العربية و كذلك الصلاة في معسكرات الجيش. وأخيراُ فجاءنا النظام بالتعين تمثلنا فيها عناصر استوطنت بعد التحرير ذات أصول تغرنية ليوهمنا بعدالته المزيفة للنظام (يريدون أن يكونوا أسيادنا في أرضنا ويأخذوا لنا قراراتنا اليومية في البرلمان) كما أعطى حق المواطنة للمنحدر من تغراي وحرم على أصحاب البلاد الأصليون من تولي أي مركز إداري ولو في الأحياء الشعبية. كما حرم أصحاب العدالة والديمقراطية عودة الأجئين إلى أرضهم الأصلية وأجبروهم أن يسكنوا على شكل قرى (إلزامية) خوفاً من أن يكون انتشارهم في البادية عاملاُ مساعداُ لاحتكاك بالثورة الإرترية المعارضة لنظام.

وضمنت بهذا العمل إستلائها على أراضي أهل الأرض الأصلين وتم توزيعها على الأجئين القادمون من إثيوبيا كما حصل في بركة.

ولن يأخذك العجب إذا أدركت أن كل رؤساء الحزب هم رؤساء الدولة كما أن البرلمان الإرتري الذي جاء بالتعين يحمل من الزيف ما يجعله أضحوكة يحشد أكبر عدد ممكن من التمنيات على هيئة توصيات تمهيدا لإصدارها في شكل تشريعات، إنهم يؤازرون الدولة في نهب الشعب بقوانين تنتهك حقوق الإنسان الإرتري. إنهم يريدوننا أن نستخرج للحزب من الحجار ذهب، وتشيد طرق وكباري له، ومنازل للمغترب، وزرع القطن مجاناُ، ثم نكتوي بالتفرقة العنصرية، وهكذا تحاولنا من الاستعمار إلى إستحمار دشن فينا النظام أزمة مفتوحة وبدأنا نتعرض للمرة الثالثة من الاعتداء التغرنية في أرضنا.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click