بقلم المناضل الأستاذ: محمد عثمان أبوبكر - القيادي في التنظيم الموحد سابقا

حتى عام 1995 كنت اعتقد يمكن للجبهة الشعبية أن تتراجع عن مواقفها السلبية المعلنة كالديمقراطية والتعددية السياسية، ويستجيبوا

يوماً (ما) لأن إرتريا دون ديمقراطية ودون مشاركة الجميع لا يمكن أن تبني، يمكن أن يرضخوا لمطالب الشعب ويحسوا بهذا الشعب المسكين الذي يحتاج إلى اللقمة بعد معاناة دامت لأكثر من 30 عام، ولكن تسير الرياح بما لا تشتهي السفن، وقررت بيني وبين نفسي أن لا أعود مرة ثانية.

وقررت أن اسافر إلى السعودية عبر أديس ابابا، في هذه الفترة كانت العلاقات بين الحكومتين في إرتريا وإثيوبيا جيدة، وفي مطار أسمرا وضعوا اسمي ضمن القائمة السوداء الممنوعة من السفر، وطلبوا مني العودة من المطار لمقابلة وزير الداخلية علي سيد حينها.

التقيت بـ "علي سيد" بعد أسبوع من عودتي، واخبرني بعد التحقيق معي بأنه "قد أطلع على ملفات عديدة تشير إلى مواقفي غير البناءة، والتي أهاجم فيها الحكومة"، وقلت أن الجبهة الشعبية تبني حكومة مسيحية وقلت للخليجيين والرأس الماليين قلت لهم، لا تستثمروا في إرتريا لا توجد هناك قوانين للاستثمار وأموالكم ستصادر تقريباً هناك عشرة ملفات وتقارير عرضها عليَ وزير الداخلية "علي سيد عبدالله"، قلت له التقارير التي جاءتك من سفارتكم كتبت عن طريق بعض الناس غير مسئولين، وعملوها بالحقد والوشاية لا تبنوا ما كتبته من بيانات ورسائلك حول هذا الموضوع.
وقال لي أنت قلت في قطر إلى رئيس تحرير الشرق ناصر عثمان أمام الصحفيين السودانيين صديق المحيسي ويحي العوضي ما قلت أمامهم لأن في إرتريا لا توجد دولة إلا مسيحية والمسلمين مهمشين لم يكن لهم أي دور على كافة المستويات التعليمية والوظيفية والمتوفرة هي فقط للمسيحيين.

قلت له يا أخي علي: كم عدد الموظفين الذين استوعبتهم الحكومة ؟ رد علي قائلاً (7.500) قلت له لا يوجد منهم في الوظائف من المسلمين سوى 1% من 750 فقط المسلمين أقل من 500، سألته هل هذا عدلاً الواقع يؤكد ذلك لكنني لم أكتب أو أشير إلى أنكم تبنون دولة مسيحية. والآن أنا قررت أن أبتعد عن السياسة سأعمل في المجال التجاري، لي مجموعة من المستثمرين سأحضرهم معي للعمل للاستثمار في البلاد وكنت قد أتيت بمشروع قدمته إلى مكتب الاستثمار بهدف توسيع ميناء مصوع ويتحول الميناء حر في مصوع وهذه الشركة تتبنى أعمال التوسيع وبناء مخازن إلى منطقة قحتيلاي. وتتضمن وصول 100 سفينة ـ لميناء مصوع ومن خلال هذه المخازن يصدر بضائعهم إلى أفريقيا، وتحول ميناء مصوع إلى ميناء جدة ومثل دبي ومنه تتحول إرتريا الى سنغافورة القرن الأفريقي، كان المشروع كبيراً والشركة كانت فرنسية - خليجية. وسألت وزير الداخلية بأن يطلب لي الأذن بالاستثمار وتنفيذ المشروع عبر قوانين استثماري مشجع، ورفع علي سيد السماعة وتحدث مع رئيس مفوضية الاستثمار وعقد لي موعداً معه.

وأخبرني قائلاً طالما أنت اتجهت إلى الاستثمار نحن سنتعاون معك شريطة أن لا تتدخل في الشئون السياسية للبلاد، وأخبرني بأنني استطيع أن أسافر وترفع منك الحظر، وأبلغ بذلك إسياس على كل حال دعاء الوالدين هو الذي عمل، وكان طبعاً حسن كيكيا اتصل بالرئيس وعلى سيد وتوسط لي عندهم وأن يبطلوا حركاتهم، واخبرهم بأن محمد عثمان أبوبكر بعيد عن السياسة ويمكنهم الاستفادة منه في الاستثمار وعقد لي موعداً مع وزير الداخلية.

وطلب مني علي سيد خلال المقابلة بالسفر بعد أن زال الحظر من المطار وكنت قد أبلغت حسن بأنني لن أعود لأن هؤلاء الناس انحرفوا من الثوابت الوطنية وأهداف الثورة ومتجهين إلى إقامة تنظيم ديكتاتوري فردي ولم يبقى لهم إلا تأليه إسياس وتحويله إلى فرعون لأنهم لم يقولوا له أنت مخطئ لما تفعله ولا شك أن السحر سيتغلب على الساحر وودعت حسن كيكيا، وسافرت إلى أديس أبابا ومنها إلى القاهرة، كإن هذا أواخر عام 1995 وتفرغت الدراسة وحصلت على دبلوم عالى من معهد الدراسات الأفريقية ومن ثم سجلت لرسالة الماجستير بعنوان (الثورة الإرترية في ظل حكم هيلي سلاسي 1961 – 1971.

وبعد عامين حصلت على رسالة الماجستير بتقدير الامتياز، استمريت في التفرغ للاهتمام بنشاطات من مركز الدراسات الذي أقمته ولم أتمكن من الحصول على مليم واحد ليساعد استمرار نشأته، وأيضاً تفرغت لأعداد عدة أبحاث وكتب ألفتها في هذا المركز منها الحركة الطلابية والثورة الإرترية، المثلث العفري في القرن الأفريقي، التعددية السياسية في إرتريا مترجم إلى الإنجليزية، وكتاب جذور الثقافة العربية في إرتريا.

في عام 1998 شعرت بآلام القلب، سافرت إلى السودان بدعوة من كوادر القوات والتنظيم الموحد بعد أن عادت إرتريا وأنا في طريقي إلى أمريكا، وقبلتُ هذه الدعوة، وأسسنا الجبهة الوطنية الديمقراطية الإرترية، وكان نائبي أبوبكر أقدوباي وأوكلت لنائبي كل الصلاحيات للرئيس بسبب سفري إلى أمريكا لإجراء عملية في القلب، كان اعتماد الجبهة المعارضة على النفس ولم تكن هناك أي مساعدات خارجية.

ومن ثم عدت للقاهرة في طريق إلى أمريكا وأجريت عملية قسطرة ووجدوا بأن خمسة من شرايين القلب مغلقة وكان حالتي في خطر، وأخبرني الطبيب بأن على الإسراع بإجراء العملية اليوم قبل الغد، ومكثتُ سنتين في أمريكا، وقدمتُ لجوء سياسي، فقُبلتُ في نفس العام، ومنها انفجر الصراع بين إرتريا وإثيوبيا وأنا في واشنطن.

جمعتُ مناضلين قدامي حضره عمر سليمان، أدم ملكي، وعمر جابر، وصالح حيوتي من السويد للتفاكر فيما يمكن فعله إزاء هذه التطورات، وكان عبد الرحمن العمودي لعب دورا كبيرا في دعمنا ومساندتنا في ترتيب اللقاء، وبعد نقاش مستفيض ومشاورات استغرقت ثلاثة أيام وجهنا نداء باسم المجتمعين، نناشد بتأسيس كيان موحد للمعارضة باسم التجمع الديمقراطي الإرتري الذي تأسس عام 1999، ومن ثم عدتُ إلى القاهرة ومنها إلى السودان، وباشرتُ نشاطي في المعارضة.

عام 1999 عدت إلى القاهرة من أمريكا، حيث كملت هناك عامين، ومن ثم ذهبت إلى السودان، واجتمعت باللجنة التنفيذية للجبهة الوطنية الديمقراطية، وهنا حدثت تطورات لأن الأستاذ محمد سعيد برحتو، قام بتأسيس التنظيم الموحد في السودان وبعض الأفراد من أعضاء الجبهة الوطنية التزموا مع محمد سعيد برحتو في التنظيم الموحد على رأسهم إبراهيم عثمان معلم وعبد الرحمن محمد علي وغيرهم، لكنهم كانوا أفراداً.

• السابق
• التالي