بقلم المناضل الأستاذ: أحمد أبو سعدة

ولد المناضل القائد صالح أحمد أياي في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي وتوفي في أواخر

عام 2004 والقائد أبو أياي من مدينة كرن ومن قبيلة البلين، سجن في سجن التعذيب والألم ذو السمعة والصيت السيئ جدا (ألم بقا) الاثيوبي، بعد خروجه من السجن ذهب إلى مدينة بورتسودان وعمل فيها في مهنة (الحدادة)، انتسب المناضل أبو أياي إلى الحزب الشيوعي السوداني وتابع نضاله مع أصدقائه حيث شكلو حركة تحرير إرتريا، وكان أول لقاء بيني وبين الأرض الإرترية في عام 1969 وهذا يعني أني سلخت من عمري سبعة وأربعين عاما وأنا أعيش قضية الشعب الارتري بحلوها ومرها... أيام، وشهور، وسنوات... عشتها في الماضي، وربما أعيشها غدا والغد هو المستقبل وهو الأمل الذي يجعل لحياتنا طعما ومعنى.

كنت على موعد للقاء هام ولم أكن أدري أن لقائي هذا سوف يغير مجرى حياتي ولكن هذا هو ماحدث، جلسنا معا في إحدى مقاهي مدينة دمشق، طلب لنفسه شايا وطلب لي فنجان قهوة بالحليب، إنه صالح أحمد أياي... شاب أسمر بلون القهوة الفاتحة التي كنت أشربها، يلبس قميصا (خاكي) اللون، هرب منه زران وندبة طويلة ظاهرة على الكم الأيسر، وبنطال أسود اللون دون حزام... ينتعل صندلا من (الكاوتشوك)... بدأ لي هادئا، تلمح في عينيه حزنا أبديا، الأمر الذي شجعني لأن أطرح عليه السؤال التالي:

صالح... ثماني سنوات طويلة مرت دون أن يعرف أبناء الوطن العربي والعالم إلا النذر اليسير عن قضيتكم.. لمن تعود أرضكم يا صالح وماعلاقة أثيوبيا بكم...؟؟

كان صالح سعيدا وهو يسمع سؤالي وبدا لي وكأنه يكلم نفسه وهو يقول:

إن إرتريا تعاني الكثير... ومن الأفضل لو حصلت على الأجوبة بنفسك من النبع، من الداخل، من إرتريين الموجودين داخل الأرض... من الثوار الذين نذروا أنفسهم لقضية شعبهم عند ذلك تعرف ماهي إرتريا ولمن تنتمي أرضها ومن هم أصحاب هذه الأرض... خاصة وأنك الآن في الطريق إلى أرض الثورة... إرتريا...

كانت تلك بداية إيماني وانتمائي للثورة المباركة، ثورة الشعب الارتري العظيم، لكن دعوني هنا أقف لأقدم لكم لمحة موجزة عن إرتريا الأرض والتاريخ والإنسان. لأعود بعدها لمتابعة ذكرياتي مع الأخ والصديق المناضل القائد المرحوم صالح أحمد أياي.

تقع إرتريا في منطقة القرن الافريقي،يحدها من الشرق البحر الأحمر ومن الشمال الغربي السودان، ومن الجنوب الغربي جيبوتي ومن الغرب إثيوبيا.

مساحة إرتريا تبلغ (123,000) كم مربعا وطول شاطئها (1226) كم عاصمتها أسمرا التي ترتفع عن مستوى البحر الأحمر (8000) قدم تقريبا.

الموانئ: ميناء مصوع، وميناء عصب وتطل إرتريا على باب المندب المعبر الرئيسي من الخليج الى قناة السويس.

أما عدد سكانها عندما زرتها للمرة الأولى عام 1969 فكان ثلاثة ملايين نسمة أما الأن ونحن في عام 2017 فلا أدري
ولها جزر على البحر الأحمر تبلغ (124) جزيرة أهمها جزيرة دهلك.

تضاريسها منوعة، حسب تعدد واختلاف المناطق الرئيسية الثلاث وهي: منطقة السهول الغربية - والمنطقة الشمالية - والمنطقة الشرقية.

فالسهول تعتبر امتدادا للهضبة الإثيوبية وسهول دنكاليا تتميز بالطابع البركاني.

الثروات الطبيعية في إرتريا أهمها: البترول الذي يوجد على طول امتداد الشاطئ الارتري والذي سبق أن أكتشفته شركة (موبيل أويل) عام 1973 والذي تدفق بكميات تجارية هائلة وتمكنت الثورة في تلك الفترة من تعطيل استثماره حتى لا يستفيد منه النظام الإثيوبي.

والثروات الطبيعية الكامنة في إرتريا هي الذهب - النحاس - الحديد - المنغنيز وهذه الثروات كانت تستخرج في عهد الحكم الايطالي والذي تعطل استخراجها خلال الحرب العالمية الثانية.

هذا بالإضافة إلى ما تتمتع به الحياة النباتية المختلفة في ارتريا بجانب امتلاكها للثروة الحيوانية الهائلة وما تتميز به الهضاب والغابات والسهول والوديان والمنابع الطبيعية والانهار والجبال الشاهقة الخضراء والجدير بالذكر أن فتح قناة السويس عام 1869 كان خطوة خطيرة أقدم عليها المستعمرون لكونها تمثل نفقا غربيا يشق صدر الأرض العربية ويذيب الهوية الجغرافية للشرق ويجرها باتجاه الغرب.

ظل البحر الأحمر بمدخله الشمالي في مصر ومدخله الجنوبي عند باب المندب محور صراع الامبراطوريات الاستعمارية الكبرى في القرن التاسع عشر خاصة بريطانية - فرنسا - ايطاليا.

فبينما احتلت بريطانيا عدن على الشاطئ الآسيوي الشرقي لباب البحر الأحمر عندى مدخله الجنوبي، احتلت فرنسا جيبوتي ما سمي بالصومال الفرنسي في القرن الافريقي على الساحل الافريقي الغربي لباب المندب نفسه لتقف في مواجهة التوسع والتحكم البريطاني.
وفي هذه الاثناء كانت ايطاليا تتطلع صوب البحر الاحمر تفتش لنفسها عن موطئ قدم على شاطئه.

وفي عام 1838 وصل إلى ارتريا القس الإيطالي (جيزبي سابيتو) على رأس بعثة من المبشرين من جماعة (سان لازار) وقد عمل هذا القس باسم شركة (روباتينو) الايطالية للملاحة على استئجار مساحات واسعة من أراضي خليج عصب سنة 1869 ورفع عليها العلم الايطالي. كانت هذه الخطوة ايذانا ببدء الحقبة الايطالية التي أخذت تزاحم الحكم المصري هناك وفق مخطط انتهج طريقة (الخطوة خطوة) وانتهى الحلم المصري عام 1885م.

عندما احتلت ايطاليا مصوع بتشجيع من...

الى اللقاء فى الحلقة القادمة...

• السابق
• التالي