الي دبر سالا - الحلقة الرابعة
بقلم المناضل الأستاذ: محمد عيسي المصدر: الرمال المتحركة
في وداع رفاق الساحل:
عند قدومنا من بركا كان معنا المناضلين الذين ألتقين بهم في الطريق وجمعتنا بهم الصدف وكثيرين منهم كانوا متجهين الي الساحل
فقدموا معنا الي دبرسالا وبعد أن يستريحوا عدة أيام ثم يواصلوا في طريقهم الي وحداتهم... وخلال الطريق حيث تقاسمنا كل شيئ وجمعنا الأحساس بوحدة المصير والهدف أشتدت العلاقات قوة ومتانة.. وصرنا كتلة واحدة يصعب فك أرتباطها وفي دبر سالا وبحكم كونه المعسكر الوحيد للجبهة وقتها كانت أغلب الكوادر تمر من هناك وهكذا طبيعيا أن يكون لك شبكة واسعة من العلاقات... مجموعة الساحل والتي كان من ضمنها المناضل أبراهم محمد موسي سوف يغادروننا اليوم وكان الله في عونهم ورعايتهم مع وعورة الطريق وبعد المسافة والعدو الذي ينتشر أحيانا خارج المدن.... لقد قضينا مع المجموعة أياما لا تنسي وتقاسمنا ذكريات لا يمكن للتاريخ محوها وطمسها...سوف أظل أذكر ذلك اليوم الجميل بنهاره الخاص حيث وصلنا الي وادي كبيربمنطقة أدريس دار ليس ببعيد من مدينة كيرو وكان وكأي مكان به ماء يعج بالحركة من الناس والدواب بكل أنواعها.. والجميل في ذلك الوادي الأحجار الملساء من كل لون وشكل وكان بذلك المكان متجرا لاحد المواطنين جعل المكان أكثر خصوصية... لقد وصلنا ذلك المكان ووجدنا فيه مجموعة أخري من المناضلين سبقونا به وعلي ما أذكر كان من ضمنهم المناضل أدم حبيب وصلنا ذلك المكان ومعنا وفد من جبهة تحرير تقراي كان قد التقي بقيادة الجبهة وعلي رأسهم أدريس محمد أدم الذي كان قد وصل لتوه الي الميدان من الخارج.... ذلك الوفد أتي به الينا الشهيد أدريس عمر بعد أن كان قد ذهب لحضور الاجتماعات التي عقدت حينها مع القيادة وكذلك لحضور خلط الوحدات الذي تم في نفس الموقع... وأذكر جيدا عندما رجع الينا من تلك الأجتماعات أبلغني بأسفه الشديد علي عدم مرافقتي له حتي أري الاعداد الغزيرة من الجيوش التي كانت هناك للخلط لكن وكما أسلفت عاد الينا بالوفد من التقراي ومهمة الوفد كانت للألتقاء بقيادة الجبهة وكذلك لطلب المساعدات من سلاح وتدريب.... قضينا ذلك النهار في الوادي الذي تظلله اشجار السدرالكثيفة من الناحيتين معطية المكان جمالا اخاذا وطبيعة ساحرة تأخذ الالباب... جلسنا نغتسل ونغسل ملابسنا وبعضنا يحيك فيما تقطع من الملابس والبعض الأخر يحلق والكل مشغول بأمره... خصوصية ذلك النهار كانت تكمن في أشياء عدة منها تبرع المواطنين ببعض الاغنام وأصرارهم علي عدم أخذ أي مقابل علي الأغنام التي أعطونا اياها وكنا أصلا بصدد شراء بعضا منها لكن كرمهم الزائد مكننا وبعد فترة ليست بالقصيرة من تزوق طعم اللحوم.. لقد كان نهارا جميلا لكن في خباياه كان يخفي شيئا ما... المواطنين في تلك المنطقة يتحدثون التقرايت والحدارب وكان أحدهم يتكرر علي الشهيد أدريس عمر وكلما يأتي يأخذه بعيدا عنا ويتحدثون طويلا.. تكررهذا المشهد عدة مرات.. أحسست بأن هناك شيئا ما في طور الأعداد ثم أختفي ليأتي قبل غروب الشمس وعندها ذكر لنا الشهيد أدريس بأننا سوف ندخل مدينة كيرو التي كان بها معسكر للجيش الاثيوبي وكانت بها مدرسة أبتدائية... كان هناك أحد القادة من مجموعة الساحل أسمه داوود تحدث الينا عن كيفية الانتشار وعن المسافة التي يلزم أن تكون بين كل فرد وأخر وعن أشياء كثيرة أخري.... انطلقنا ومعنا المواطن الذي هو دليلنا وكذلك معنا وفد جبهة تحرير تقراي.. أسئلة زاحمت مخيلتي لكن الان ليس وقت السؤال... الان وقت السماع والتنفيذ... كنت أتساءل كيف يكون معنا وفد التقراي ونحن ذاهبون لاقتحام المدينة... والجاهزية كانت عالية حيث كل فرد علي زناده والمسافات متباعدة والظلام حالك والحركة في خفة شديدة فلا يصدر منا أي صوت ونسير بثبات حتي صرنا علي حافة التل الذي هو معسكر الجيش الاثيوبي وعلي طرفه وادي صغير أنتشرنا به ونحن في أشد حالات الأستعداد لكل طارئ... رأيت المواطن يغادرنا في أتجاه المنازل في المدينة في تخفي كي لا يلحظه أحد من أفراد الجيش الاثيوبي..وكان ملما بالطرق والمداخل لكنها أيضا الجرأة ونكران الذات التي تجعل الفرد يغامر بحياته ولا يبالي بالصعاب وكان ذلك يشكل جزء من ملاحم شعبنا الكثيرة التي تتجلي وتظهر ماثلة في كل المواقف والاماكن التي يتطلب فيها ذلك.. أختفي لفترة غير قليلة ثم هاهو قد عاد المواطن وعلي ما اذكر كان اسمه محمد عثمان عاد وخلفه شخص اخر متخفيان ولا يصدر منهم أي صوت لكن رغم ذلك تم ايقافهم بهدوء حتي قال كلمة السر ومروا من خلف دفاعي اي المكان الذي كنت مرابطا فيه حتي وصلوا الي المكان الذي كان فيه وفد التقراي... تركوا محمد عثمان هناك وابتعدوا عنا كثيرا حتي صرت لا اراهم جلسو حيثما جلسو لمدة طويلة جدا ونحن في كل ذلك الوقت كنا في اقصي حالات الاستعداد لانه وفي اي لحظة من الممكن ان تندلع معركة مع قوات العدو الذي كان في التبة او التل الصغير علي فوقنا مباشرة... كنت لا ادري تفاصيل العملية كما اسلفت ذكرا لكن علي ما يبدو انه اجتماع مطول بين احد قيادات التقراي مع شخص اخر لا ادري من هو... عادا الاثنين من مخبأهم وتعانقا طويلا فبل أن يعود الذي اتي من وسط المدينة اليها مرة أخري مع محمد عثمان الموطن.. وكل هذا يتم في غاية من الهدوء وخفة الحركة... تواري الاثنين عن انظارنا عائدين ادراجهم وعندها طلب منا بالانسحاب علي نفس الشاكلة والطريقة التي بها اتينا.. الاستعداد ثم الارتكاز ثم الانطلاق واحدا خلف الاخر بمسافات متباعدة وبهدوء تام حتي ابتعدنا كثيرا من مدينة كيرو التي وقتها كانت ذات تجمع سكاني كبير وما وجود المدرسة الا دليل علي ذلك.. عدنا ادرجنا الي نفس الوادي الذي انطلقنا منه... كانت العملية بتنسيق تام بين الجبهة وقيادة التقراي وذلك حتي يتمكن قادة التقراي من الالتقاء والتشاور... مخاطر ارادت قيادتنا اخذها في سبيل تمكين التقراي... لقد علمت لاحقا من التحدث مع الشهيد ادريس عمر بان الشخص الذي اتي من مدينة كيرو هو أحد موسسي جبهة تحرير التقراي وهو مدير مدرسة كيرو لذا كان علي الشخص الذي معنا ان يقابله ويرفع له التقرير عن لقائه بقيادة الجبهة ويضعوا سويا خطط عملهم المستقبلي قبل ان يعود هو كذلك الي موقع عمله... كان هذا الشخص ذو ثقافة عالية واضطلاع مثير للاهتمام وكان هو والشهيد ادريس عمرلا يتفارقان خلال تواجده معنا... كان الشهيد يحكي التقرنيا بطلاقة وكان يعجبني الاستماع اليهم وهم يتحدثون في مواضيع شتي تهم الشعبين والمنطقة بأسرها... كان مستوي الحديث رفيع للغاية ينم عن القدرات القيادية الهائلة لدي الرجلين.. رافقنا الرجل لمشوار يومين مبتعدين كثيرا عن طريقنا الاصلي حتي نسلمه مجموعة اخري توصله مكانه الذي قدم منه...ولقد تم لنا ذلك وعدنا الي طريقنا الأصلي المؤدي الي دبر سالا وجهتنا الأساسية من ألأول...
وعودة لذي بدأ الي مجموعة الساحل التي كانت معنا في كل هذه المواقف وغيرها من التي لم ياتي ذكرها جعلت الروابط تذداد متانة والعلاقاة اكثر قوة وخصوصية لهذا لم يكن علينا سهلا ان يغادروننا لقد كان الجو ملبدا بالحزن لانك لا تدري ان كنت سوف تلتقي بهم مرة اخري فالاقدار في كل ركن ومكان ووقت وزمان... سرنا معهم مشوارا من المسافة وهم يصرون علينا بأن نرجع ونحن نصر عليهم بأن نذهب معهم لأطول مسافة... كان الشهيد ادريس في معظم ذلك الوقت برفقة ابراهيم محمد موسي الذي كان حينها المسؤل الصحي للساحل فهناك الكثير من الوصايا والنصائح التي تمر بين الرجلين.. ومن يرانا يدرك تماما باننا نسينا الغاية من السير معهم وأسترسلنا في المسير حتي افاقوا هم لذلك وأصروا علينا بان لا يتحركو حتي نعود دربنا... وبعد فترة عناق شديد انطلقوا ونحن نلوح علي ان تصحبهم السلامة ويكون الله في رعايتهم... ثم طفقنا الي دربنا عائدين الي العيادة المركزية بدبر سالا.
ونواصل في الحلقة القادمة...
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تجربة طالب أرتري ترك مقاعد الدراسة والتحق بالثورة الأرترية وهي في أوج تألقها وصعودها نحو انتصارات عظيمة.