أوراق مطويّة عن الثّورة الإرترية - الحلقة الخامسة
حوار مع المناضل: سليمان أحمد هندي - قائد سلاح الهندسة السابق في الجبهة الشعبية حاوره الأستاذ: عبدالقادر بكري حمدان - صوت إرتريا
في زحمة تلك المشاكل التي كانت تعيشها قوات التحرير الشعبية... بدأت الحرب الأهلية
بين الفصائل التابعة للقيادة العامة وقوات التحرير الشعبية.. وان كانت تلك المعارك لم تفاجئ أحد الطرفين... إذا كان الجميع يتوقع حدوثها نتيجة لتمسك القيادة العامة بتنفيذ قرارات المؤتمر الوطني الذي نص بتصفية قوات التحرير وقوات عوبل.. وكانت الخسائر ترتفع كل يوم من الجانبين مما اضطر القوتين من نقل جرحاها إلى الخارج.. وفي النصف الأول من عام 1972 اشتدت المعارك ومعها اختفت الخلافات الداخلية بين مجموعة اسياس افورقي والمجموعة المعارضة له...
بحيث اصبحت الظروف تستدعي التلاحم للحفاظ على البقية الباقية من الجنود قوات التحرير الشعبية.. وبعد معارك (عراته) و (هلع) وهي المعركة العشرين في سلسة المعارك التي بدأتها قوات القيادة العامة بلغ جملة القتلى 123 مناضلا والجرحى 92 ذلك من كلا الطرفين في المعركتين.. ولم تنجح محاولات الوساطة من الجماهير الاريترية لإيقاف الحرب وهكذا بلغت جملة الخسائر في الشهور الأولى من الاقتتال الأهلي 700 مقاتل بين قتيل وجريح.. والجميع كان يعلم بأن ذلك القتال لا يشكل انتصاراً لأحد بقدر ما كان يضعف قوة الثورة ويعمل على تشتيت قدرتها وقتل خيرة شبابها.. ان هذه الجريمة تحتملها قيادات الثورة في الداخل والخارج وقد استشهد في تلك المعارك عدد من القادة البارزين في الثورة الاريترية ومن الشباب المثقفين الذين كانوا يحملون مؤهلات عالية خبرة قتالية.. أمثال ابابكر محمد حسن وعلي عثمان معشوا امباى وعامر طاهر شهابي وولد آب هبتيسين وغيرهم من المناضلين الشرفاء في الجانب الآخر... في تلك المرحلة دفع اليأس أكثر من 200 ثائر إلى تسليم أنفسهم للعدو... هكذا اغتنمت السلطات الاثيوبية انشغال الثورة بالحرب الاهلية فأعادت عدداً من مراكزاها في الريف المحرر وبينت بعض المطارات الجديدة في اريتريا... كما تحركت في نفس الوقت قيادة التنظيم الطائفي في الخارج والداخل بخطط مدروسة تستهدف تجنيد عناصر من قوات الكمندوس الاريترية للالتحاق بالثورة الاريترية..
كما قامت بتحرك سياسي واسع عن طريق عملائها داخل اثيوبيا للترويج بانتهاء عهد سيطرة المسلمين في الثورة الاريترية واقتراب ظهور تنظيم مسيحي قوي في الساحة الاريترية.. لم يبقى داخل قوات التحرير الشعبية من يقاوم عملية التجنيد من منظقة المرتفعات الاريترية.. حيث كانت الأمور تسير بسرعة تحت غطاء حشد الطاقات من أجل مقاومة الهجوم لقوات القيادة العامة. وفي تلك المرحلة الحرجة لم يفكر أحد بقضية توازن القوة بين المسلمين والمسيحيين.. بعد أن اصبح الشغل الشاغل لجنود قوات التحرير الشعبية مقاومة الزحف لجيش الجبهة والدفاع عن مواقفهم.. وكان البعض يسمي تلك الحرب بحرب الفناء.. لأن الاسلحة التي استخدمت فيها والتكتيك العسكري كان يفوق بكثير عن تلك التي استخدمت ضد قوات العدو الاثيوبي.
وكان من البديهي أن تقوم مجموعة اسياس افورقى بحشد كل مايمكن حشده من رجال ونساء من المرتفعات فى تلك المرحلة الحرجة للالتحاق بقوات التحرير الشعبية.. بعد أن اعلنت قيادة قوات التحرير حالة الاستنفار في المناطق التي كانت تسيطر عليها.. وهنا لابد من ذكر الحقائق بأن عملية التجنيد لم تكن قاصرة مجموعة اسياس افورقي فالقيادة العامة كانت أيضا تقوم بحملة التجنيد الاجباري في المنطقة الغربية وبعض أجزاء منطقة أكلى قوزاي... ولكن الشئ الذي لم يفوق له أحد في تلك المرحلة الخطيرة من تاريخ الثورة الاريترية.. بأن العناصر الطائفية في الداخل والخارج والمعروفة آنذاك بتنظيم حزب (طحيشا) و(سنطق) والذي اشرت إليهما في الحلقات السابقة كانا يعملان بتنسيق مع عناصرهم داخل صفوف جبهة التحرير الاريترية وقوات التحرير الشعبية، وكانوا يحرصون في ان يكون تواجدهم داخل الجبهة وقوات التحرير.. حتى يتمكنوا من توجيه عناصرهم حسب الحاجة لتسهيل ضرب الثورة من الداخل.. وكان كل شخص ملتزم بهذا التنظيم توكل إليه مهمة معينة.. برغم من تظاهر الجميع بوجود خلافات بينهم وعدم رضاهم بقيادة اسياس افورقي الذي ظل يماطل بخلط مجموعته مع بقية الفصائل التابعة لقوات التحرير الشعبية... وبعد أن اصبح الميزان في صالح مجموعته دعا إلى اجتماع عاجل لقوات التحرير الشعبية معلنا استعداده للخلط وذلك خوفا من أن تسبقه قوات عوبل بالاندماج إلى قوات التحرير الشعبية ويختل بعد ذلك ميزان توازن القوة لصالح المسلمين..
حتى ذلك الوقت ومع نهاية عام 1972 كان ذلك الامر ممكنا من الناحية النظرية... ولكن من الناحية العملية كان يعد مستحيلاً لعدم تجانس الأفكار بين قيادة قوات التحرير الشعبية التي كانت تحمل افكاراً يسارية وقيادة عوبل على نقيض ذلك الفكر...
لم تكن حجم القوات التي كان يعمتد عليها اسياس افورقي داخل قوات التحرير الشعبية بعد الخلط تجعله يحقق السيطرة الكاملة على قوات التحرير ليرى تنظيمه السري (الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا) النور. كما أن تدفق المسيحيين الى الساحة لم يكن كما كان متوقعه.. لذلك ظل يعتمد على المجموعة اليسارية أمثال رمضان محمد نور و احمد بادوري واحمد القيسي و على السيد عبدالله وغيرهم من الكوادر التي تم اعدادها في تلك المرحلة في مدرسة الكادر، ولكن تلك المجموعة لا تملك القوة الذي كان يحلم بها اسياس.. سوى الولاء لبرنامج افورقي السياسي والذي تم رسمه في جبل قدم في بداية السبعينات والعهد الذي قطعه افورقي مع المجموعة اليسارية للعمل سويا حتى يتم تصفية العناصر المتخلفة أو الرجعية والتي تساوي في قاموس الجبهة الشعبية (المسلمون) وبالرغم من دخول افورقي مع هذ الحلف مع المجموعة اليسارية الا انه كان يتطلع الى توسيع رقعة تحالفاته مع من كان يطلق عليهم مجموعة المرتفعات... ابناء منطقة منسع و ماريا وعد احى حيث فصلهم من ابناء سمهر وضمهم الى القوات الذي كان يعدها لاعلان تنظيمه الخاص... واستمر في برنامج تفتيت وحدة قوات التحرير محاولا كسب المناضل عثمان قفيلا لاستعطاف ابناء منقطة عفر.. وكان يقول لهم انه يعرف قاتل محمد عثمان في مدينة شعب، ومن اجل كشف المعلومات وتقديم الجاني للعدالة كان يطلب مساعدتهم والوقوف معه.
هكذا كان يقوم اسياس افورقي بتفتيت وحدة المقاتلين داخل قوات التحرير الشعبية استعداداً للدخول في مؤتمر التنظيم في المنطقة الساحل ذلك المؤتمر الذي حضرته قوات التحرير الشعبية ومجموعة اسياس افورقي الذي تم خلطها صوري ا وقوات عوبل.. انبثقت منه اللجنة الادارية... لم يكن افورقي مقتنعا بانضمام قوات عوبل الى قوات لتحرير الشعبية... ولكن ظروف الحرب الاهلية اجبرته لقبول ذلك الحل لمواجهة قوات القيادة العامة.. ولم تكن تلك الوحدة ايضا برغبة صادقة من الاطراف المؤتلفة إلا ان ظروف المواجهة الصعبة والضغط الخارجي فرضها فرضا على المقاتلين الذي كانوا يعانون الأمرين.. الانسحاب من الساحة وترك السلاح لمجموعة اسياس افورقي الذي بدأت تتوافد الى الميدان من مختلف قرى ومدن المرتفعات في الوقت الذي انكفأ فيها الجنود من المناطق الاخرى لرفضهم الحرب بين الاخوين.
بعد أن تم انتخاب اسياس افورقي في قيادة اللجنة الادارية وقيامه بجولة في الخارج التقى خلالها بالشهيد عثمان صالح سبى والعناصر المناصرة له في اوروبا عاد كما يبدو ببرنامج مدروس... وبعدها شعرنا بأن مجموعة اسياس وحلفائها الجدد يحصلون على الاولوية في كل شئ في التسليح في الملابس وفي الطعام... وتراجعت مع هذا التطور الاهتمام بجنود قوات التحرير الشعبية القدماء... تم خلط القوات وبعد فترة وجيزة ظهرت داخل قوات التحرير الشعبية مجموعة من المسيحيين حركة تطلق على نفسها (منقع) كان ذلك في عام 1973 من بين افراد هذه الحركة برزت اسماء مثل موسى ويهناس وافروقي امحارى وسيدة اسمها ورقوا.. هؤلاء جميعا تم محاكمتهم بحجة تخابرهم مع العدو. وتم كسب او تجنيد بعضهم مثل تولدى ايوب وسبحت افريم وبطرس سلمون والذين كانوا من بين افراد حركة مقنع.. كان سكان المرتفعات وقتها يؤيدون حركة مقنع مما جعل افورقي يقف وحيداً وهذا ما جعله يقبل خلط قواته مع قوات التحرير الشعبية الذي كان في السابق يماطل للدخول فيها وحاول في تلك المرحلة أن يقوى علاقته مع المسلمين لحمايته من حركة مقنع الذي روج لها افورقي داخل قوات التحرير الشعبية بأنها قوة مخربة ومتطرفة.. وطالب بتحجيمهاوتصفية قياداتها.. مما جعله يزداد احتراما وتقديراً بين جنود قوات التحرير الشعبية وكان البعض يصف موقفه هذا بالاخلاص للثورة والتفاني لمبادئها والا لما امر ونادى بقتل المسيحيين من حركة مقنع بهذا اصبح جنود قوات التحرير الشعبية يطاردون أفراد حركة المنكع الذين كان افرادها يطالبون مساواة اقليمهم داخل الثورة ببقية الاقاليم الاريترية.. وكان من بين شعاراتهم منطقة البحر الاحمر أخذت حقها وحماسين وسراى ايضا كل اقاليم اريتريا اخذت حقوقها الا منطقة اكلى قوزاي هذا الكلام بدأ يظهر في الأخير بعد أن تمكن افورقي من كسب عطف قوات التحرير الشعبية واستعداء الآخرين ضد حركة (منقع) وبعد ان تم تصفية معظم الاعضاء المنتسبين على تلك الحركة، واستمر هذا الصراع داخل قوات التحرير الشعبية حتى بداية عام 1977 كما شملت التصفيات للخريجين من مختلف المناطق... تمكن افورقي من تصفية خصومة واخضاع معظم قادة قوات التحرير الشعبية لبرنامجه وبعد ذلك دعا لعقد المؤتمر الأول في (قرقر) عام 1977 في ذلك المؤتمر تم تأسيس تنظيم الجبهة الشعبية...
لم يكن الوصول الى هذه المرحلة بسهولة الكلام أو الاقتصار الشديد الذي نتبعه في سرد هذه القضية الشائكة... هناك العديد من المشاكل والمواقف يصعب تلخيصها في الصحيفة ولكن ارجو ان تظهر في الكتاب الي أنوي إصداره قريبا إنشاء الله بعد الانتهاء من سرد الحقائق في الحلقات المتبقية...
كان الحزب (سنطق و طحيشا) يعمل في السر داخل الساحة.. وهذا الحزب لا علاقة له بالحزب الذي تأسس عام 1973 (حزب الشعب الاريتري) الذي ضم رمضان محمد نور والمجموعة اليسارية في قوات التحرير... حيث تخلى عنه اسياس افورقي بعد أن قطع بعناصره الشوط في بناء قوة ذاتية للمسيحيين في الميدان... ومن باب المجاملة اصبح اسياس افورقي يستشير المجموعة في القضايا الهامشية ويستخدم حلفاءه القدامى في تعبيد الطريق بالنسبة للقضايا التي تحتاج إلى وقوفهم معه (تهدئة الجماهير) المسلمين داخل الجبهة الشعبية وجعلهم يشعرون بالشراكة في التنظيم...
إلا ان عناصر الحزب المذكور (سنطق وطحيشا) يمسكون بزمام السلطة ويكلفون بالمهمات الصعبة مثل الاعداد للمؤتمرات وارسال رسائل للكوادر والقادة تحدد لهم اسماء الاشخاص الذين يجب انتخابهم في المؤتمر... هذا ما حدث قبل انعقاد المؤتمر الأول للجبهة الشعبية في (قرقر) كان كل كادر قبل وصوله الى مكان المؤتمر يعرف من يجب عليه انتخابهم... وهكذا تم انتخاب القيادة المختارة من الحزب.. وليس من القواعد.. هكذا بدأت الجبهة الشعبية مسيرتها بتزوير الانتخابات مدعيه بأن القواعد والكوادر ساهمت فى اختيار دستور الجبهة الشعبية وهكذا استمرت الجبهة الشعبية في انتخاباتها تتبع نفس القاعدة... والحزب المذكور يمارس ضغوطه على الكوادر لاتباع ما يملى عليهم من قيادة الجبهة الشعبية... هذا كان في بداية المسيرة ولكن تطور الأمر إلى أسوأ، ففي مؤتمر عام 1978 المؤتمر الثاني... كانت قيادة الحزب تحتد جزء من أسماء الاشخاص الذي يجب على الكوادر انتخابهم وتطلب منهم ترك الجزء الثاني للقيادة أي قيادة الحزب.
وفي الحلقة القادمة نتناول عملية اختراق التنظيم الموحد عبر احد عناصر الجبهة الشعبية (قرقيس) الملقب بشيخ زايد... هذا الجندي كانت له مشاكل مع الجبهة الشعبية حين كان يقوم برئاسة جهاز المواصلات واصبح بعد ذلك جندي عادي... وفجأة تم استقطابه في جهاز المخابرات التابع للجبهة الشعبية... وكيف كلف بتجنيد تسفاي تخلى الذي كان نائب رئيس المكتب العسكري في التنظيم الموحد...
نواصل... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة