أوراق مطويّة عن الثّورة الإرترية - الحلقة السادسة
حوار مع المناضل: سليمان أحمد هندي - قائد سلاح الهندسة السابق في الجبهة الشعبية حاوره الأستاذ: عبدالقادر بكري حمدان - صوت إرتريا
توقفنا في الحلقة الخامسة عند عملية الاختراق للتنظيم الموحد عبر المدعو (قرقيس) والملقب بشيخ زايد
في الجبهة الشعبية... ذلك الجندي المتقلب في تصرفاته.. كان في فترة تواجده في السودان يتظاهر بأنه فصل من جهاز المواصلات وأصبح جندي عادي لكثرة انتقاداته للقيادة.. وكان يحاول الالتصاق في السودان بجنود قوات التحرير الشعبية سابقا التي اصبحت في منتصف الثمانينات التنظيم الموحد.. وهنا استطاع قرقيس أن يبني صداقات مع بعض جنود التنظيم الموحد واصبح يتنقل بين بورسودان وكسلا.. وعرف في الوسط الاريتري هناك بأنه بقى على اتصال مع جهاز المخابرات التابع للجبهة الشعبية والذي كان يصدر عليه التعليمات من خلال عميل خاص ويعمل على تدريبه في عملية اختراق التنظيم...
هنا لا يسعنا في هذه الحلقة كشف كل الاوراق بذكر أسماء كل المتورطين في تلك المؤامرة.. نظراً لاختلاق الاوراق السياسية حتى يومنا هذا.. ولكن سنكتفي بالاشارات على من قاد هذه المؤامرة لضرب التنظيم الموحد من الداخل.. فأول محطة لقرقيس كانت الوصول على تسفاي تخلى الذي جند في وقت مبكر من قبل جهاز المخابرات للجبهة الشعبية في السودان... وطلب منه انتظار إشارة من الجهاز... كانت مهمة قرقيس مراقبة تسفاي تخلي، خوفا من أن لا يكون يمارس لعبة عسكرية مع الجبهة الشعبية عن تركيبة التنظيم الموحد واسرار عسكرية دقيقة عن سير معسكر التدريب في منطقة (ساسريب) عن طريق استدراج تسفاي تخليى للتأكد من جديته في التعامل مع جهاز الأمن.. ولكن فاجأ تسفاي تخلي قرقيس قائلاً أنه لا يريد أن يكون مخبراً لجهاز مخابرات الجبهة الشعبية بل يريد الاتصال المباشر مع قيادة الجبهة الشعبية لبحث خطوات العملية حول كيفية التنسيق والتعاون.. واعتقد قرقيس أن هذه المهمة ستكون أكبر من حجمه.. لذلك كلفت الجبهة الشعبية شخصا آخر من القيادة العسكرية في الجبهة الشعبية.. وطلب من قرقيس اخطار تسفاي تخلي للقاء معه في كسلا... هذا القائد العسكري كانت له علاقات طيبة مع معظم كوادر التنظيم الموحد اليساريين... وهذ الشخص تقلد منصبا عسكريا كبيراً بعد الاستقلال وأقصي من هذا المنصب بطريقة غير شريفة وأبعد بعد ذلك في دورة دراسية استمرت ثمانية أشهر وعاد بها في البلاد ويعيش اليوم مزويا في أحد المدن الاريترية بعد ان اشيع عن نيته في قلب النظام.. نظراً لهذا الموقف الحساس سنعطي هذا الشخص اسم ا مستعاراً (برهاني) حتى لا نتسبب في مضاعفة مشاكله مع الحزب الحاكم في اريتريا..
التقي برهاني بتسفاي كحساي للاستفسار عما يريده من قيادة الجبهة الشعبية.. ولكن بعد الجلوس معه في كسلا اتضح لبرهاني ان تسفاس كسحاي لم يكن وحده الراغب عرقلة بناء قوات التنظيم الموحد، بل هناك أكثر من شخص يعملون من داخل التنظيم لإفشال محاولة اعادة بناء قوة يرأسها الشهيد عثمان سبى.. وخشية من أن تشكل تلك الخطوة عقبة جديدة في تنفيذ الجبهة الشعبية خططها الاستراتيجية الرامية إلى تحرير اريتريا دون منافس من الفصائل الاريترية الأخرى.. ونظراً لكبر حجم القضية وعلاقتها بالسياسة العامة للجبهة الشعبية عاد برهاني الى الميدان ليرفع تقريره إلى الأمين العام للجبهة الشعبية أسياس افورقي... واجتمعت قيادة الجبهة الشعبية للنظر في هذا الأمر.. ورسمت خطة طلب من القيادة أن تقوم بتنفيذها على مراحل...
تم تكليف تسفاي تخلي أن يشكل خلية داخل التنظيم الموحد بحيث تكون موجودة داخل كل جهاز.. وتم تكليف شخص آخر من التنظيم الموحد كانت له علاقة مباشرة مع جهاز أمن الجبهة الشعبية عسكري معروف بانتهازيته.. وهو اليوم يتقلد منصب هامشي في اريتريا مكافأة له على ماقدم من معلومات ساعدت في تعجيل ضرب التنظيم الموحد من الداخل وقام بكل هذه الخيانات مقابل تعهد اسياس افورقي أن يصدر له أمراً يلغي قرار الجبهة الشعبية باعدامه.. أما المجموعة اليسارية كان دورها فقط بث الاشاعات داخل التنظيم الموحد للحيلولة دون توحيد الفصائل المتعددة الانتماءات الفكرية والقبلية... كما كلف المسؤول عن جهاز أمن الجبهة الشعبية في كسلا المناضل احمد شنيتي بملاطفة العاملين في مكاتب التنظيم الموحد واشاعة روح التفاؤل حول رغبة الجبهة الشعبية في إجراء حوار مع التنظيم الموحد استعداداً لحشد الطاقات لمواجهة العدو وخوض المعركة الحاسمة معه .. قرقيس انتهى دوره بعد هذه المرحلة واصبح المسؤول عن قيادة هذه العملية مكتب الأمين العام باشراف اسياس افورقي مباشرة.. فكان يتم الاتصال بالتنظيم الموحد بواسطة عناصر مزروعة داخل التنظيم الموحد في وقت مبكر من تأسيسه.. ودقة العملية المخابراتية للجبهة الشعبية كانت تمكن في عدم معرفة المتعاونين مع الجبهة الشعبية بعضهم البعض.. وهكذا كان من السهل معرفة العناصر المتشددة والمعادية لتوجيهات الجبهة الشعبية في داخل التنظيم وخارجه... وعناصر متوسطة الكراهية.. والعناصر الهامشية.. فكانت الخظة أولا أن تبدأ العناصر العادية التابعة لمخابرات الشعبية داخل التنظيم الشعبية بإشاعة روح اليأس داخل المعسكر.. و مجموعة أخرى من كانت في صفوف القيادة.. تقوم بالتوعية للضغط على قيادة التنظيم للتعجيل بدخول القوات إلى اريتريا... وتسفاي تخلي في القمة... دون أن يعرف عملاء الجبهة الشعبية في تنظيمه..
اختبار تسفاي تخلي:
طلب منه أحد جنود التنظيم الموحد أن يسمح له بالالتحاق بالجبهة الشعبية بحجة انه لا يطيق الانتظار في ساسريب أكثر من ذلك.. وكان رد تسفاي تخلي حسب رواية الجندي الذي سلم نفسه في وقت لاحق للجبهة الشعبية... أنا اقدر موقفك وموقف كل جندي مخلص لقضيته.. وحتى أنا لم أكن راضي ا عن موقف قيادة التنظيم الموحد... وكما تعلم أن الجنود في هذا المعسكر كلهم يريدون الالتحاق بالجبهة الشعبية عاجلاً أم آجلاً... وسأل الجندي باستغراب... وأنت والقيادة ستذهبون بعد ذلك... بطبيعة الحال سنذهب أينما ذهب جنودنا...
الخطوة الثانية: طلب جهاز الأمن التابع للشعبية من تسفاي تخلي أن ينتهز فرصة من الفرص للدخول الى اريتريا لمقابلة قائد اللواء المرابط في المناطق الحدودية مع السودان.. ولبى تسفاي تخلي الطلب باسرع مما كانت تتوقع الجبهة الشعبية... فأتى إلى مكان اللقاء بعد ان اقنع القيادة بأنه سيذهب إلى المناطق الحدودية للاستطلاع...
الخطوة الثالثة: طلبت الشعيبة من تسفاي تخلي أن يدعم خطة تهريب مجموعة من التنظيم الموحد سيتصل أحد أفرادها به في الوقت المناسب وطلبت منها أن يسهل لها الوصول إلى مخازن الأسلحة الثقيلة للتنظيم... ولبى تسفاي الطلب بحكم رتبته العسكرية نائب رئيس مكتب الأركان في الجبهة الشعبية... وهكذا تواصلت الاتصالات وتهريب الجنود والعتاد حتى تمكنت الجبهة الشعبية من غزو التنظيم الموحد من الداخل لدرجة تهريب الأسلحة والمعدات الثقيلة كان يتم بالطلب...
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم أين كان جهاز مخابرات التنظيم الموحد...؟
الحصول على الاجابة ستكون صعبة لأن استقلال اريتريا اسقط الاقنعة المزيفة التي كان يتقلدها رموز هذا التنظيم.. ولم تحد منهم اليوم سوى القلة القليلة الشريفة الصامدة ظلت تقدس مبادئها ورفضت الاستسلام للجبهة الشعبية... وهذه العناصر هي القادرة في كشف المزيد من أسرار انتكاسة التنظيم الموحد وربما الثورة.. وأنا واثق من أنها ستفعل ذلك في الوقت المناسب.. كما فعلت.. وهذا التاريخ مع مرارته ليس ملكا لأحد، بل يجب تمليكه للشعب حتى تقرأ الاجيال القادمة ما ابتليت به اريتريا من جراء ممارسات خاطئة لعناصر تعمل فقط بحسابات الخسارة والمكسب ولا تهمها مصلحة الوطن.
في الحلقة القادمة... يروي سليمان هندي قصة اغتيال المناضل عثمان عجيب في السودان بواسطة عناصر الجبهة الشعبية.. ترقبوا صدور الحلقة القادمة التي تحمل أسرار خطيرة عن عمليات الاغتيالات في داخل اريتريا وخارجها.