ملفات تسافانكئيل جورجو وحقيقة سلفي بارنت - الجزء الأول
بقلم الأستاذ: محمد علي حركة - كاتب وبـاحث ارتري
وما تقدم مقيد بالمحضر الجنائى تحت رقم 557/62 فى الصفحة رقم 61 بعنوان شهادة دفاع مقدمة
من الدجزماتش/تسفا يوهنس برهى نائب الحاكم (ممثل الامبراطور).
واللجنة كالمعتاد قدمت تقريرها الشامل للحكومة. ولكن يصعب الحفاظ على سرية اللقاءات حسب طلبهم (الانفصاليون) لان المعلومات المقدمة بكل سرية وجدت طريقها الى الامبريكان حيث كانت لهم عندئذ اتفاقية (تبادل المعلومات السرية) نافذة مع الحكومة.
وبدأ الامريكان بعدئذ السباق مع الزمن منفردين للقاء بـمجموعة إسياس المعروفة ب (سلف ناظنت) حزب الاستقلال عليه تم اول لقاء امريكى مع المدعو هبتى سلاسى جبرى مدهن (اول؟) عنصر من قيادة (سلف ناظنت) الانفصالية وكنت قد حضرت شخصيا هذا اللقاء والذى تم فى داخل اسوار القاعدة الامريكية مع ريتشارد كوبلند. وكان كوبلاند يستخدم مشروع زرع البزور (البستنة) كستار لاعمال تجسس واسع النطاق مما سهل له اللقاءات مع مختلف العناصر.
ومن نقاشه مع هبتى سلاسى ادرك كوبلاند مدى عداء الانفصاليين لامريكا. وبين له هبتى سلاسى حجم الامتعاض من دعم امريكا لحكومة هيلى سلاسى الرجعية التى تضطهد الشعب الاثيوبى عموما وشعب الاقليم الارترى بصفة خاصة. وقد استوعب كوبلاند بأ ن تداعيات الموقف قد ينتج عنه ما كانوا يخشونه من تكبدهم خسائر جسيمة جراء استهداف قواعدهم ومصالحهم الاستراتيجية فى القرن الافريقى والبحر الاحمر.
لذا طلب من هبتى سلاسى ان يسهل له التعرف بقيادات رئيسية فى المجموعات الانفصالية بهدف التوصل الى توافق معهم.
وبعد هذا اللقاء عاد هبتى سلاسى من قاعدة كانيوا الى موقع تواجد اصدقائه فى ريف علا.
وبعد ان ناقش هبتى سلاسى الموضوع مع من كانوا على رأس قيادة المجوعة (سلف ناظنت) وهم ابرها تولدى واسياس افورقى وجهه الاخيران بالعودة الى دقمحرى واعداد اجندة لقاء القيادات الرئيسية للمجموعة مع الامريكيين. فقام بترتيب موعد اللقاء مع الامريكان. ووفقا للموعد جاء ريتشارد كوبلند برفقة صديقه ريتشارد سيول و احضر معه كتلوج اسلحة ضخم.
وفى تلك المفاوضات كان اهتمام الامريكان منصب بشكل رئيسى الى معرفة مصادر التسليح والجهات الداعمة للحركات الارترية. وان اول سؤال وجه الى هبتى سلاسى كان عن نوع الاسلحة التى معهم. هذا ولقد استعاروا منه كلاشنكوفا جاء به من الميدان الى دقمحرى واخذوا الكلاشن معهم الى قاعدة قانيوا وهناك تم تصويره فوتوغرافيا وفحصه قبل اعادته اليه. ايضا طلب الامريكان من هبتى سلاسى العمل على استصدار خطاب رسمى من العناصر القيادية فى المجموعة الانفصالية يبين برنامجها العام وعناصر خلافها مع الجبهة وبان الدول الاشتراكية تدعم الجبهة بصورة غير مباشرة عن طريق منظمة التحرير الفلسطينية وتصورها لنوع العلاقة المزمع اقامتها مع امريكا على ان يتم توجيه الخطاب لقائد قاعدة قانيوا عندئذ الكولونيل ماموا زر. وعلى هذا الاساس تم صياغة الخطاب من قبل القيادة ومن ثم تم ارساله بالبريد.
من اهم النقاط التى تضمنها الخطاب:-
اولا: حيث ان المناضلون الموجودون فى ريف "علا" من المسيحيين فانهم يتعرضون يوميا للقتل والزبح من قبل فريق الجبهة الذى يتمتع بدعم سياسى قوى ويحصل على امدادات سلاح من الدول العربية وكذلك بصورة غير مباشرة من الدول الاشتراكية.
ثانيا: يوضح بان سياسة الجبهة هى سياسة طائفية مطلقة مرتبطة بالدول العربية المعادية لاسرائيل واميركا عداءا نوعيا. وان الهدف الرئيسى لمجموعة سلف ناظت هو القيام بـ "حركة تقدمية ديموقراطية" كما تضمن الخطاب مناشدة امريكا على تقديم المساعدات المطلوبة.
كان الخطاب مؤرخا فى 62/9/21–1970/6/28م ورقم 1039/18/31 مدون بالسجل رقم هـ/1/19/س 2 باللغة الانجليزية.
فى تلك الفترة ايضا كتبت المجموعية الانشقاقية خطابا الى القنصلية الايطالية واهم ما ورد فيه بصورة مختصرة كان "وبما ان الشيوعيون يدعمون المسلمين يتعين عليكم انتم الغربيون دعمنا" وبما ان الخطاب كان مؤرخا فى 1970/4/5م الا ان القنصلية سلمت الخطاب الى نائب حاكم اقليم ارتريا آنذاك الدقزماتش/ تسفا يوهنس برهى فى ميازيا 1/62(1970/5/9م) هذه الوقائع مقيدة فى السجل رقم هـ/1/1042 خطاب رقم 1091/18/31 وتاريخ سنى 1962/4-(1970/7/7م). اضافة الى ذالك ذكر هبتى سلاسى قبرى مدهن بعد اسره بانه كان قد تم الترتيب مع قوى خارجية مجهولة دعم مماثل بامداد سلاح لمجموعة ابرهام تولدى واسياس افورقى وبانه قد سبق ومكنهم هو من اللقاء بعناصر القوى الخارجية المذكورة.
وهذه الواقعة مقيدة فى السجل رقم هـ/1/1042 خطاب رقم 1091/18/31 اسمرا فى سنى 4/69 وتقبل الامريكان الخطاب المرسل لهم بكل سرور. ومن ثم تم ربط موعد يحضر فيه قائد المجموعة اسياس افورقى بشخصه للتحدث مع الامريكان. وفى التأريخ المحدد قمت بقيادة عربة لاندروفر حكومية من دقمحرى الى ريف "علا" واتيت معى من هناك باسياس الى اسمرا. وحتى اقتراب الموعد المحدد تجولنا بالسيارة حوالى ساعتين فى شوارع اسمرا وفى الموعد ذهبت به الى قاعدة قانيوا.
ولتفادى تداعيات امنية رأى الامريكان ان يتم الاجتماع فى منزل السيد بولينج عضو ادارة المخابرات المركزية والمجاور لكاتدرائية سان فرانسسكوا وكذلك حضر من الطرف الامريكى بجانب كوبلاند ثلاثة من كبار المسؤوليين.
ومن النقاط التى اثارها اسياس فى الاجتماع:-
1) تآمر حكومة الولايات المتحدة مع الحكومة الاثيوبية بشأن تقرير مصير ارتريا وسماحها بنظام الفدرالية الذى لا يلبى رغبات عامة الشعب الارترى.
2) وبعد اقامة الحكم الفدرالي قدمت الحكومة الامريكية عتاد وافراد بلا حدود الى اثيوبيا لابادة الشعب الارترى وسحق حركة (المقاومة) وهذا عمل مشين ومرفوض.
3) تقوم الدول العربية بدعم الجبهة لانها قررت ان تجعل من البحر الاحمر مستعمرة عربية ومع ذلك فيهم من يطلب كامل المساندة لتصحيح وتعديل مواقفه السابقة وذلك بتاييد مجموعتنا دعما للنضال القائم من اجل ارساء دعائم "حركة تقدمية وحكومة ديمقراطية". و اكد الامريكيين بمعرفتهم التامة بالمفاوضات التى تمت مع الحكومة الاثيوبية فى ريف علا وما هية احوال الجبهة فقالوا" اننا على علم تام بانكم الشجعان قد تعذبتم وقتلتم وان انشقاقكم منهم يستحق التأييد" وبما ان منظمة "ايلول الاسود" التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية تهاجم سفاراتنا فى كل مكان باستخدام مرتزفة من الاهالى وحيث انكم سوف لن تصبحوا ادات فى عملهم هذا ولن تتسببوا فى ايقاع الاذى بممتلكاتنا وعاملينا وانه اذا ما تعهدتم بصد مثل هذه الاعمال فاننا فى المقابل سنقدم بعض المساعدات المادية ولهذا قمنا بدعوتكم. وقال اسياس ان موضوع المساعدات يحظى بالقبول لدى مجموعة "علا" اما بالنسبة لصد اعتداءات ايلول الاسود فقد بين بان الامر يفوق مقدرات المجموعة (الإنشقاقية).
وتابع الامريكيون حديثهم قائلين تاريخيا لم تنفصل ارتريا عن اثيوبيا من ناحية الثقافة واللغة والدين وروابط الدم. وعندما حصلت خلافات فى داخل وخارج إرتريا تدخلنا فى الامر يهدف حل المشكلة واتخذنا موقف الفيدرالية فى ارتريا. ولكن الآن النظام الاثيوبى يزداد ضعفا ومع عدم وجود حزب بديل منظم فاننا نخشى ان يحصل انقلابا عسكرىا مثل بقية الدول الافريقة ونحن لسنا مطمئنون لذلك.
عليه:-
أ) لمن يتعاون فى الحفاظ على وجود قاعدة قانيوا وانشاء قواعد مشابهة فى البحر الاحمر.
ب) من له مبدأ معادى للاشتراكية ومقاوم لانتشارها.
ت) نحن على استعداد للتعامل مع مجموعة تناضل من اجل حكومة ارترية ديمقراطية واحدة سبق وان اعطى حاكم اقليم ارتريا فى تلك الفترة ثلاث خيارات لمجموعة (سلف ناظنت).
وهى:-
أولا: ان يستسلم الجميع وينخرطوا فى التعليم او العمل.
ثانيا: ان يتم الاعلان وتأكيد انشقاقهم من الجبهة بالدخول معها فى معارك وبإيفائهم بما تقدم يمكن مساعدتهم بتزويدهم بالعتاد.
ثالثا: على ان يستسلم الجميع وينخرط فى تدريبات عسكرية والثأر من الجبهة بالتعاون مع الطور (الجيش).
والامر كذلك قدم الامريكان نصائحهم لاسياس:-
اولا: شرحوا له بالتفصيل عدم مقدرته فتح جبهتين ضد كل من الجبهة واثيوبيا , عليه يتعين مواصلة المفاوضات مع اثيوبيا حتى بصورة جزئية. والاسلوب الافضل هو ان يستسلم نفر قليل من اعضاء قيادية فى المجموعة ويستمر البقية فى الميدان بقيادة اسياس لمواصلة نضالاتهم ضد الجبهة. واذا نفذ ذلك فان الامريكان بالاتفاق مع اسرات كاسا (حاكم اقليم ارتريا) سوف ننشأ قوة كوماندوا قوية مكونة فقط من مواليد اقليم ارتريا وارسالها اليه بعد تدريبها كما تعهدو بصد الجبهة عنه بقوة اضافية.
ولتسهيل الامر واضعاف الجبهة بصورة عاجلة وايقاف المساعدات عنها سوف يتم العمل على استمرار الحرب فى الشرق الاوسط بين العرب والاسرائيليين وسيتم فتح معارك آنية ليصبح اهتمام العرب مقصورا على ظروفهم.وتحت هذه الظروف سوف يعترف ا النظام الاثيوبى الانقلابى البديل بالحكومة الارترية الفيدرالية.
كما ستتعاون امريكا مع هذة الحكومة المسيحية وذلك ليس لان العرب الذين فقدوا السيطرة على البحر الاحمر سوف يقومون بمساعدة الجبهة التى تم اضعافها فحسب بل سوف لن يتوانوا من المحاولة بالتدخل العسكرى. كما ان (سلف ناظنت) لن تستطيع المقاومة بمفردها. ولكن كان رد اسياس لا بديل عن استقلال ارتريا ولن ارضى بالفدرالية.
ورد الامريكان قائلين ربما توجد بعض النقاط التى تؤكد ان القضية الارترية هى شأن خارجى وليست شأنا داخليا واذا ما وافقتم على تنفيذ النقاط الثلاثة فاننا نفيدكم بدعمنا لاستقلالكم التام واذا تم اضعاف الجبهة بكم وبقوة الكوماندوا التى سوف نرسلها لكم سيعترف النظام الجديد فى اثيوبيا بفدرالية ارتريا.
عندئذ عليكم عدم قبول ذلك ومن ثم سوف تنزح اليكم باعداد كبيرة تلك القوى التى سبق وان استسلمت من عضويتكم بمعرفتكم والتى يتم تدريبها وتسليحها من قبلنا.
ايضا وبنزولكم من المرتفعات الى المنخفضات وسيطرتكم على السواحل سوف نورد لكم عن طريق المراكب كافة ما غنمناه من العتاد الروسى من الفيتكونج فى حرب فيتنام ولكننا سوف لن نزودكم بسلاح وآليات صنعت فى امريكا حيث ان ذلك قد يضعف من سياساتنا الخاصة بالعالم الثالث. ولتسهيل الموضوع سوف نمسك نسبيا عن الحكومة المقبلة الجديدة فى اثيوبيا مساعداتنا المادية والمعونات الاخرى للضغط عليها حتى تعترف بالحكومة التى ستعلنونها رسميا.
بعد ان استمع اسياس الى ما تقدم على المستوى النظرى سأل عن ما هية الضمانات لتطبيق ذلك على ارض الواقع؟
ورد الامريكان "السياسة هى مغامرة فعليك المغامرة. انتم تتطلعون الى الاستقلال ونحن نرغب فى دعم موقفنا (تواجدنا) فى البحر الاحمر وتلك هى ضمانتنا".
بعد اجرائهم هذه النقاشات العامة عبّر اسياس عن اعجابه لعمق قرائتهم المستقبلية لارتريا واثيوبيا واخراجهم هذا النوع من السياسة المتقنة. اما بالنسبة للاراء المتبادله فى الاجتماع اكد لهم بانه سوف يناقشها مع زملائه فى الميدان بصورة اوسع وافادتهم بأرساله الرد النهائى تباعا. هكذا انتهى الاجتماع.
ونحن ذهبنا للعشاء والمبيت فى القاعدة الامريكية (قانيوا) وبالذات الى منزل السيد/كوبلاند الذى كان مجهزا لاستقبالنا. وفى اليوم التالى تطلب من الامريكان تجهيزا كبيرا لاعادة اسياس الى الميدان. لان فى تلك الفترة كانت كافة المخارج فى اسمرا وهذا مقيد فى سجل الجنايات رقم 557/62 تحت شاهد دفاع قن ازماتش كاساهون الصفحة 28.
عليه تم استدعائي على وجه السرعة وتم استجوابى ولقد حاول اسرات كاسا ان يحملنى مسؤولية ترتيب لقاء اسياس وصحبه بالامريكان ولكننى بينت بان الامريكان مصرح لهم من الحكومة زيارة اي بقعة فى الارياف مما مكنهم اقامت علاقات واسعة وباننى لست مسئوولا عن ذلك اضافة على ذلك بينت باننى لست مدير مديرية فحسب بل كونى ممثل لجنة مؤتمر السلام التى انشأتها الحكومة كنت مسؤولا مسؤولية مباشرة عن متابعة التحركات فى ريف علا. وبعد تبريرى للموقف امرنى اسرات كاسا ان اتابع الموقف سرا وموافاته بتقرير يومى عن التطورات. ولكن لاحقا حيث شاع خبر خطط اسرات كاسا المستقبلية ولتهدأت التداعيات فقد تقرر اتهامى جنائيا وحبسى.
وحفاظا على سمعته امر ان يتم وبالقوة العسكرية استعادة الذين كان يفاوضهم سرا من عضوية الانشقاقيين فى ريف (علا).
نواصل... في الجزء القادم