أدوبحا النكسة - الجزء الثاني والأخير
بقلم الأستاذ: محمد علي حركة - كاتب وبـاحث ارتري
يقول المناضل إدريس بريراي في سياق سرد شهادته عن أحداث الميدان المثيرة للجدل..
باعتباره (شاهد ملك) كما يُقال لأنه عاشر تلك التطورات بنفسه ميدانيا ولم يجمعها عن طريق (العنعنة) غير موثوقة المصادر، يقول بصدد ما يُشاع عن مجموعة اشتهرت (بسرية أدّيس)، إنها ليست (سرية).. إنما هي عبارة عن مجموعة لا يتجاوز عددها خمسين فرداً جاءت الي الجبهة.. ربما لغرض التجسس والاختراق.. وعندما انكشف أمرها اعتقل معظم أفرادها.. وقبل ان ينكشف أمرها هاجمت مجموعة الحراسة التي كانت تقوم بواجب ألحراسة عليها فقتل منها من قتل وهرب الباقي رجوعاً الي إثيوبيا، ويقول: الغريب في الامر وظّف اسياس هذه الحادثة لصالحه حيث سجل في مدوٌنته بأنّ من تم تصفيتهم من قبل الجبهة من أبناء النصاري هو 300 فرد!
وكان يبتز به ابناء المسلمين في الجبهة، وأنا شخصيا أدعم شهادة المناضل (بريراي) بحادثة قرأتُ عنها في احدي أدبيات قوات التحرير الشعبية يُقال أن انفجر اسياس مهددا ومتوعدا أبناء المسلمين بأنهم - آي المسلمين - مدينون لأبناء كبسا دماً ما يفوق (بوط مليان)!.. قال هذا الكلام ربما عندما طلب بعض المناضلين من قوات التحرير الشعبية بمحاكمته لانه أعدم أربعة من جنود الجبهة بدم بارد في أرض منسع.
عودة الي (أدوبحا) والفتن العجاف التي تمخّضت عن هذا المؤتمر والتي أحرقت جميع خضرة ومروج الوحدة الثلاثية الي أن زبلت زهورها التي كان يفوح منها عطر الانتصارات المؤزّرة، المشهد العام باختصار: إبادة قوة معتبرة من جيش التحرير في موقعة (حلحل) بما فيها قائد المنطقة الثانية المرحوم المناضل عمر إزاز بعد دخول هذه المجموعة في معركة غير متكافئة من حيث العدد والعُدَّة.. بدأ خلط القوات بعد المتؤتمر مع ما شابه من توتٌر يكاد يكتم الانفاس!.
لجنتي: تقصي الحقائق والتحضيرية مقيدتين خلف ال(حطور) لتهمة غير مبررة و غير مقنعة البتة، إسياس يعلن بحسم أمره بإعلان مجموعته في ضواحي اسمرا رافعاً شعار (نحنان علامانان).. وبدأ ينشر سمومه لزرع الكراهية والارهاب في المنطقة بين أفراد الشعب العُزٌل بحيث بدأ يعترض في منطقة سهل (عالا) مواطنين بسطاء وهم في طريقهم الي السوق لابتياع بعض حوائجهم وبدأ يبتر بصورة (درامية) أيديهم ويبتِّك آذانهم بحجة أنهم أوردوا مادة (الفحم) إلي السوق من غير إذن!!
وهؤلاء المساكين هم أبناء المسلمين من نفس المنطقة، وزاد افتراء مجوعة (نحنان علامانان) وبدأت تتحين اصطياد مناضلين سواء كانوا علي شكل أطواف أو علي شكل أفراد وهم في طريقهم إما للإجازة أو لمهمة خاصة، حيث أوقعت ذات مرة أربعة جنود أبرياء غير مُسلَّحين في كمين في المنطقة القريبة من منطقة (قلبْ) في أرض منسع فقضت هذه العصابة المجرمة تعلي ثلاثة منهم وينجو رابعهم بأعجوبة من المذبحة الرهيبة.. وأثناء ما هو يهيم علي وجهه يجد قوة من قوات التحرير الشعبية ويقص عليهم الحكاية، غلبوا منه أن يقودهم الي مكنا الجريمة فقادهم فللأسف لم يجدوا مجموعة ابن (مدهن) ولكن وُجِدوا جثث المناضلين الابرياء الذين غُدر بهم في العراء غير مسجية.. فواريٰ الشباب سوؤات رفاقهم وودّعوا الذي نجي من المكيدة بعد أن أوصلوه مأمنه.
كلّ هذه المآسي تجري لمقاتلين شرفاء من الجبهة من قبل مجموعة حاقدة وقيادة مؤتمر أدوبحا لا تحرك ساكنا تجاه هذه المجموعة بل وصفها بأنها مجموعة وطنية يجب التفاوض معها! في الوقت الذي تكيد قيادة (أدوبحا) ما استطاعت من المكائد التي تزول منها الجبال ضد مناضلين شرفاء سواء من قوات التحرير أو عوبل ولا تلتمس لهم عذرا بمثل ما التمست للمجموعة المجرمة التي أرعبت المواطنين الابرياء و اصطادت جنود الجبهة وهم في غفلة من أمرهم، ماذا يمكن أن تقول لهذا المشهد الدرامي العبثي ما لم يكن هناك نقاط التقاء مقصود أو بالمصادفة لما تقوم به مجموعة (نحنان علامانان) نهارا جهارا وما تقوم به قيادة أدوبحا من فساد وإفساد في الساحة الوطنية! حقاً إنه أمر مريب أن تحمي قيادة (أدوبحا) وفيما بعد من أطلق عليهم قيادة المؤتمر الوطني الاول للقيادة العامة سنة ١٩٧١م.. أن تحمي مجموعة ابن (مدهن) وتدافع عنها رغم الجرائم الواضحة التي كانت تنفذها ضد الابرياء من أفراد شعبنا.. حقاً إنه أمر محيّر!! وبعث أحد الاخوان فيديو تم فيه لقاء مع المناضل عبدالله سليمان مسؤول العلاقات الخارجية لجبهة التحرير الارترية في أكثر مرحلة حساسية وتعقيدا يقول.. قررنا بعد مؤتمر (عواتي العسكري) تصفية قوات التحرير الشعبية.
وقال: كانت قوته هي التي أول مرة مع القوات في منطقة (رالي) في شمال دنكاليا - و (رالي) هو الشريط الضيق المحصور بين جبل (يعلوا) الشهير جنوب شرق بلدة إرافلي ورأس خليج (زولا) حيث يمتد هذا الشريط دائريا نحو الشرق ويغير اسمه الي (كسرالي).. وديمو و.. علُّما.. وعبدر... الخ - ويقول عبدالله سليمان كان من الخطأ اتخاذ ذلك القرار المآساوي.. انتهت مداخلة عبدالله سليمان.. فلهذا السبب يتساءل أحدنا.. وحقّ لنا أن نتساءل..
• متي تم اختراق الجبهة من قبل العدو؟
• هل اول قطرة غيث العمالة بدأت بابن (مدهن) - الذي لا يشك في عمالته إلاّ غبي أو عميل مكابر - أم هناك من سبقه الي الميدان ومهّد له؟
لأنٌ الذي جعلني أتساءل هو فضيحة العميل المزدوج المدعو (لاينو) حيث أوهم قيادة المناطق في تلك الفترة بأنه ملتزم بخط النضال الوطني وأنه سيزودهم بمعلومات أخطر أفراد الذين يهددون الخط الوطني.. بحكم مكانته الإدارية في الجهاز الحكومي.. وأظنه كانت درجته الإدارية درجة (ديؤو) وهي درجة ربما توازي نائب محافظ أو أقل.. فبلع أصحابنا السذج من قياداتنا الطعم فبدؤوا يعدمون خيرة أبناء شعبناء.. فقط لأن حظهم التعيس كان تشملهم قائمة (لا ينو) اللعين.
وتبين لقيادتنا الغبية فيما بعد الخطيئة التي أوقعها فيها هذا العميل.. ولحسن حظ الابرياء كشف (لاينو) عن حقيقته في الاعلام الرسمي طمعاً للترقية.. وفعلا كوفئ من قبل السلطات الاثيوبية بأن رُقّي الي مكانة أعلي ونُقل فورا من منطقة (عدّقيّح) الي عمق إثيوبيا لضمان سلامته، فكانت فضيحة مجلجلة، فَلَو لا أن كشف عن نفسه بسرعة لاستمرت المآساة. كان هذا ايام المناطق أو مع بداية الوحدة الثلاثية.
• فالسؤال الذي يطرح نفسه مَنْ من عملاء إثيوبيا لم يطالهم سوط فضيحة العمالة وظلّوا متدثّرين بثوب النضال الشريف وتوارو عن هذه الحياة؟
• إذا كان ابن (مدهن) هو شيخ العملاء المزدوجين الذي لا زال مُعمّرا.. ماذا ياتري نستطيع أن نكتشف من حواريّيه في خندق الجبهة أوخندق قوات التحرير الشعبية؟
فلنواصل التنقيب عن آثار ثورتنا المليئة بالمتناقضات.. بأنفسنا دون أن يأتينا عالم آثار من الخواجات ويقول لنا هاكم اقرؤوا كتاب ثورتكم!
تيار ثورتنا الجارف الذي تفجّر بعد وضوح نوايا إثيوبيا العدوانية بأنها عازمة لا محالة لإنهاء سيقة الفيدرالية المجحفة التي ربطت إرتريا الحديثة - في جميع مجلات الحياة المدنية - بالكيان الكهنوتي المتخلف في غندر وأكسوم، ونحال معرفة المنعطف الذي انحرفت منه ثورتنا بفعل فاعل وآيادي خفية الي انحراف من المسار الصحيح دفعنا الكثير نتيجة لذلك ثمنا له ولا زلنا نعيش مآسيه.
وعليه أحب أن أنوّه بأن هذه الحلقات أقرب الي تقصّي الحقائق منها الي السرد التاريخي المفصل، فهو ليس سرداً تاريخياً بمعناه المتعارف عليه، واترك السرد المفصل لتاريخ ثورتنا لمن عايشه عن كثب وما أكثرهم ومازالوا في ظهرانيينا متعهم اللهم بالصحة، ولقد أدلي بعضهم بماهو مفيد كما الحال علي سبيل المثال المناضل الاخ إدريس (بريراي) ولا زال بعضهم يتحين الفرصة المواتية ليميط اللثام عما في جعبته، مع رجاء المتابع للتاريخ ألّا يبدّلوا تبديلاً.
توقفنا في الحلقة الثالثة عند ذكر شهادة المناضل عبد الله سليمان في منطقة (رالي) جنوب شرق بلدة إرافلي، وإضيف هنا أيضاً شهادة الاخ (بريراي) لنفس المشهد وفي نفس المنطقة ونفس التاريخ، حيث يقول: كانت القيادة العامة قد أحكمت كمينها في المنطقة جنوب بلدة (إرافلي) بقيادة المناضل عبدالله إدريس، لمنع تقدم قوات التحرير الشعبية التي خرجت من مؤتمرها التأسيسي للتنظيم وبدأت تزحف الي العمق الارتري، فكان تحركها علي محورين محور (سدوحا عيلا) ومحور (عقيق) بقيادة المرحوم محمد عمر أبو طيارة، ويقول بريراي قبل أن تتحرك القوة الاساسية من قوات التحرير الشعبية محور (سدوحا عيلا).. كانت قد تقدمتهم مجموعتين محسوبة نظرياً علي (سدوحا عيلا) لكن عمليا غير ملتزمة بتعليمات قيادة المؤتمر وتوقلت الي اتجاه العمق الارتري.
وهذه المجموعتين هي:-
مجموعة تتكون كلها من نصاري كبسا ومجموعة محسوبة علي أبوطيارة، أما هذه المجموعة فقد وقعت في كمين القيادة العامة واجبرت علي الاستسلام، أما المجموعة التي تتكون من المسيحيين انحرفت من كمين القيادة العامة المحكم انحراف أبي سفيان بعيره من الوقوع بأيدي الصحابة بالقرب من موقعة (بدر الكبري) ونجاته بحمولة العير الآتية من الشام، فآثرت هذه المجموعة الاستسلام لاثيوبيا منها للقيادة العامة، فسلمت نفسها الي إثيوبيا بكامل عتادها في بلدة (صنعفي).
يقول المناضل (بريراي) عندما اقتربنا من منطقة (بوري) - دنكاليا الشمالية - انضم إلينا آسياس مع نَفَر من مجموعته التي كانت في منطقة (عالا)، بعدها اصطدمنا بكمين القيادة العامة، فصدر الامر الي قوات القيادة العامة بتصفية من يأبيٰ الاستسلام للقيادة العامة، ويقول بريراي لقد سجل المنقاتل الارتري الذي كان تحت قيادة القيادة العامة حيث رفض تنفيذ أوامر قيادته العسكرية وأثروا أن ينؤوا بأنفسهم من التورط في جريمة سفك دماء اخوة لهم مناضلين مثلهم حيث كان بالامس القريب في خندق واحد يواجهون المحرقة الاثيوبية.
ويذكر من القيادات الوطنية التي وقفت هذا الموقف المشرف كل من المناضلين: الراحل عمر سوبا، والراحل آدم صالح المشهور ب (قيّح شمْبِل) والمناضل علي محمود ولعل الأخير لازال علي قيد الحياة، فتجرعت القيادة علقم رفض جنوده الوطنيين لتصفية إخوانهم والذين أصروا علي الحوار والمفاهمة معهم بدل تصفيتهم جسدياً.. فبيّتتْ القيادة العامة سوء لهزيمتها المعنوية في شمال دنكاليا فدبرت مكيدة قرار التصفية باسم قرار تصفية (المضادة) في مؤتمرها التنظيمي الاول في (R) في نوڤمبر سنة ١٩٧١م.