أيام لاتنسى من ذكريات المناضل محمد علي إدريس ابو رجيلا - الحلقة الواحدة والعشرون
إعداد: جبهة التحرير الإرترية
العلاقة ثم الخلاف مع وياني تجراي وما بعدها: درست جبهة التحرير الارترية واقع وطبيعة القضية الارترية والطريق الذي يمكننا
من الانتصار ومن بين الوسائل تثوير الشعوب الأثيوبية ومساعدتها للقيام بثوراتها القومية ضد النظم الاثيوبية التي أبقتها في قيود التخلف وسامتها العذاب ومن المعروف أن أثيوبيا الغنية جداً بالموارد الضخمة في الزراعة والمعادن والطبيعة الخلابة كانت في خدمة حفنة من الأباطرة المحلين وفي المركز أديس وكان الأمبراطور بمثابة شخص مقدس يساند إستمرار نظامه الأمبراطوري ثلة من أمراء القوميات والأقاليم والجيوش وقساوسة الكنائيس وبعض الأغنياء الذين يحقق النظام مصالحهم، وكان الظلم والتمييز بين الشعوب واضحاً لاتخطؤه العين لهذا كان قرارنا يتكئ على هذه الأرضية وحاولنا مساعدة الشباب الإثيوبي من مختلف القوميات والثورات القومية، ولكن الثورات عدا الأوغادين كانت ضعيفة ونحن في جبهة التحرير الارترية ركزنا على الثورات في تخوم إرتريا وعلى رأسها التجراي بحكم الجيرة والروابط المعلومة ودربنا لهم الألوف من المقاتلين كما ساعدناهم في التسليح وفي تمويل حركتهم الخارجية وتعريفهم للعديد من الأحزاب والدول التي كانت تربطنا بها علاقات نضالية، كما كانت تربطنا علاقات بالأحزاب والتيارات الأثيوبية الأخرى مثل الأوغادين والأورمو والبني شنقول والوالقيت و الحزب الثوري لشعوب إثيوبيا، رغم أن موقفه من القضية الوطنية الارترية ومسألة حق تقرير المصير للشعب الارتري كان ضعيفاً ودون الاستقلال لشعبنا، إلا أن تلك العلاقات كانت مهمة من زاوية إضعاف نظام الدرق (الخصم الرئيس والعدو المشترك للجميع) وبنتيجة معارك الحقوق القومية والديمقراطية في إثيوبيا وبكفاحنا المستمرمن أجل الحرية يمكننا أن نفرض واقعاً على الأرض الارترية، وبعد سقوط النظام الأمبراطوري صنم اديس المعبود قويت شوكت المعارضة الأثيوبية وتزايدت فصائلها القومية بإنضمام أمراء تلك الحقبة (الإمبراطورية) الذين نزع منهم نظام الدرق إقطاعياتهم وإمتيازاتهم للمعارضة غرضهم في ذلك إسترداد نفوذهم المفقود ومكاسبهم المنتزعة، وأما بالنسبة لنا فكانت قوة معادية لنظام الإثيوبي وستقضم وستخصم من فاعلية عدونا الرئيس، خاصة وأننا لم نكن في يوم من الأيام في خصومة أو عداوة أو معركة مع الشعوب الأثيوبية المغلوب على أمرها، بل كنا في حالة عداء شامل مع النظم الاستعمارية التي كانت سائدة والتي كانت تصر على إلحاق شعبنا بالإمبراطورية الأثيوبية خدمة لأجندة الإستعمار العالمي، وهذا ما توافقنا عليه نحن في الجبهة بعد مناقشات عميقة وأخطرنا به نحن في إطار القيادات ووافقنا عليه ولهذا كنا نقتطع من لحمنا ومما يقدم لنا من مساعدات كما يقال ونقدم المساعدات لتلك الحركات القومية والثورية في إثيوبيا وكانت بيننا وبعضها علاقات تضامنية ونضالية عميقة جداً، على هذا الأساس كانت علاقات مع حركة تحرير شعب التقراي وغيرها من الحركات وبحكم أنها الحركة الأقرب إلينا ولتداخل الشعبين ولوحدة المصالح ولنخلق معاً واقعاً من التعاون والتكامل بديلاً للعلاقات الاستعمارية للنظام الرسمي الأثيوبي، بل ولوحدة الثقافة واللسان والحدود المشتركة وللعوائل الممتدة مع الناطقين بالتجرنية في إرتريا بل وللجذور المشتركة مع قبائل بركة في إرتريا والوالقيت في التجراي لهذا كانت لتلك العلاقة خصوصيتها، ولكن هذه الخصوصية لم تمنع وقوع عديد المشكلات أو إختلاف النظرات في هذه المسألة أو تلك في التقراي وإرتريا، وفي حدود ما أذكر أن الخلاف نشأ بين الجبهة وحركة الوياني في مسألة غاية في البساطة كانت على ما أعتقد مسألة تحصيل الرسوم والاشتراكات والضرائب من المواطنين في المناطق الحدودية وأخذت تتسرب إدعاءات بأن بادمي وحتى تخوم القاش وواجهة مدينة تكمبيا هي لهم ( التجراي ) وفي هذا الخضم نسي الادعاء أن الحدود رسمها الاستعمار الأوروبي وهو لم يراع مصالح أو إمتدادت السكان المحليين هنا أو هناك ولهذا فإن المسألة في نظرنا كانت وستبقى محلولة بالعودة للخارطة الاستعمارية التي توافقت عليها دول أفريقيا وعموم العالم الثالث ولاتستدعي خلافاً أو شقاقاً أو إراقة للدماء، على كل حال كادت المسألة أن تحل بين الطرفين إلا أن الجبهة الشعبية الارترية دخلت على الخط ودعمت جبهة الوياني تجراي في موقفها وفي معركتها لاحقاً وإمتد هذا التحالف لسنوات لاحقة حتى فرط عقده بشلالات من الدماء والكراهية غير المؤسس على كل حال إندلعت معارك ضارية في المنطقة في العام 1979م وهي تلك المعارك الشهيرة في منطقة قمهلو التي كانت من معاقل جيش التحرير الارتري، بدلاً من الحلول المقترحة بين الطرفين على الأقل في المسألة العلنية للخلاف والذي تمثل في أن تتحصل جبهة التحرير الارترية الرسوم والضرائب والتبرعات والاشتراكات من السكان المتواجدين في الواجهة الارترية من خور شيرارو الفاصل بين مدينتي شيرارو وبادمي و بصرف النظرعن أصولهم بينما تتحصل الجبهة الشعبية لتحريرشعب التقراي ممن هم في الواجهة الأخرى وبصرف النظر عن أصولهم وتبقى الأمور قضايا ألولة هذا المنطقة، لهذا أو ذاك عندما نكسر العدو ونسيطر مع على البلدين وحتى هذه تحل بطرق سلمية وبالقانون ودون اللجوء الى القوة المسلحة أي تبقى المواقع على ما هي عليه وينظر فيها بين الطرفين عندما يتمكنا من إجتثاث نظام الدرق الديكتاتوري الاستعماري وهذا الأمر كان يعني بقاء جيش التحرير الارتري على الحدود التي كنا نؤمن نحن في جبهة التحرير الارترية أنها جزء من ترابنا الوطني بموجب الاتفاقات الحدودية الدولية التي أبرمتها إيطاليا بالنيابة عن إرتريا بإعتبارها الدولة المستعمرة والإمبراطورية الاثيوبية وفي أوتشيالي كان حلمنا أن ندخر قوتنا ضد نظام الدرق الاستعماري وألا نستخمها في مواجهة مع قوى الثورة في تجراي لأي سبب من الأسباب لأن هذا ليس لمصلحة الثورتين وهو يصب في نهاية المطاف في خانة ومصلحة نظام الدرق الاستعماري أو قد يؤخر حسم معركتنا الأساسية ويخلق إشكالات مستقبلية لامبرر لها مادامت تتعلق بقضايا حدودية، إلا أن الأمر تغيير بفعل تدخل الجبهة الشعبية الارترية وإنسحبنا نحن من ذلك الموقع إثر حرب ضروس راح فيها عشرات المناضلين من الطرفين، ومنذ ذلك التاريخ أي في العام 1979م بقت تلك المنطقة تحت إدارة جبهة التجراي بمباركة وموافقة ومساندت الجبهة الشعبية الارترية ولأسباب لازلت أجهلها حتى اليوم بل لاأجد لها تبريراً وحتى تاريخ مشكلة الحدود الارترية الأثيوبية في العام 1997م وأكدت محكمة العدل الدولية حق إرتريا في بادمي ورسمت الحدود بين البلدين بشكل قانوني إلا أن المشكلة والمآلات الوخيمة مازالت قائمة وما زلت أضع يدي على قلبي من ضياع الوطن وتمزقه وتشتت أبنائه وللأسف فإن كل العوامل متوفرة بسبب الحكومة في أسمراالتي بذرت الشقاق وأضحى القهر والاستبداد قاعدة تعاطيها مع الشعب الارتري والتسامح والحفاظ على أسس العيش المشترك بين مكونات الشعب الارتري التي ضحت بالغالي والنفيس من إجل إستقلال إرتريا أمنية بعيدة المنال وجعلت الكثيرين من أبناء شعبنا يتحسرون على هذه النهاية المؤلمة لثورة شعبنا التي إنتهت سلطة في أبشع قوة لم يشهد لها التاريخ في بلادنا مثيل سلطة إذاما إستمرت ستدفع شعبنا وبلادنا الى خيارات خطيرة قد تنسف كل ما حلمنا لتجسيده وطن إرتري لكل أبنائه.
تـابـعـونـا... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة