أيام لاتنسى من ذكريات المناضل محمد علي إدريس ابو رجيلا - الحلقة التاسعة عشر
إعداد: جبهة التحرير الإرترية
معارك تحرير المدن 1977 ــ 1978: كما ذكرت في الحلقة السابقة ضربنا الجيوش الاثيوبية التي دخلت في مرحلة إنعدام
وزن لعوامل متعددة أهمهاأثر القضاء على نظام الإمبراطور وإعتماد النظام الجديد الدرق على القوة في قمع الشعوب الاثيوبية وقيام ثوراتها، التي وجدت من ثورة شعبنا الارتري بشكل عام ومن جبهة التحرير الارترية بشكل خاص الدعم والمساندة والتأييد لحسابات مبدئية دعم الشعوب المقهورة والمضطهدة وحسابات إستراتيجية منها إنهاك السلطة وتشتيت قدراتهاوتقويض أركانها تمهيداً لهزيمتها على كل الجبهات، وكانت لتلك الفصائل مواقف متباينة من القضية الارترية وكانت مواقفها تتدرج من الاعتراف الجزئي بوجود مشكلة وقضية، ولكن أن تحل سلمياً في إطار الدولة الاثيوبية كقضية قومية داخلية الى التأييد المطلق لحق الشعب الارتري في تقرير المصير حتى الانفصال وكانت أهم تلك المواقف من ثورة الأوغادين وثورة التجراي كما قمنا في هذه المرحلة بضربات مستمرة ومتصاعدة في كافة أرجاء الوطن مما أنهك الجيوش الاثيوبية وأدى الى إنهيار منعوياتها وإفلات قبضتها وتسرب الشك الى نفوس المقاتلين المستقدمين من تلك القوميات الاثيوبية المقهورة والمضطهدة، وكنا قد قمنا بتنظيف شامل للريف الارتري وإجتثاث وجودالجيوش الاثيوبية حتى من البلدات الصغيرة وإستمرت غاراتنا الليلية وقصفنا النهاري عامل إزعاج ومنع لعدم إعادة تعزيز تلك المواقع خاصة وأن سلطة نظام الدرق لم تكن تعوذها الامكانات البشرية والتسليحية وتعزز أمله منذ أن صار الدرق جزءاً من حلف الدول الشرقية (وارسو أو المعسكر الاشتراكي) وقمنا ومنذ العام 1976م بشن غارات واسعة خاصة وأن عتادنا وأعداد مقاتلينا وتدريبهم قد تطور لمستويات رائعة كما كان شعبنا الارتري العظيم في الداخل والخارج يقتسم اللقمة مع أبنائه وإخوانه المناضلين البواسل في العام 1977م بلغ إنهيار معنويات الجيوش الاثيوبية مداه فقمنا بخوض معارك ضارية إستهدفت المدن الرئيسية وقد بدأت المعارك من مدينة تسني التي شاءت الأقدار أن أكون من بين المشاركين في معركة تحريرها، جمعنا قواتنا حول مدينة تسني وكان العدو يقوي من دفاعاته وإستحكاماته، والاثيوبيون مشهود لهم بالشجاعة والاقدام وإحتقار الموت والقتال بأسلوب الموجات البشرية والاستفادة لأقصى مدي من كثرتهم العددية وتعظيم الموت في ساحات القتال ولهم في هذا المجال أغاني وأهازيج شعبية ضاربة في التاريخ ولكن مشكلتهم الكبرى أنهم كانوا يموتون ويقتلون ظلماً وعدواناً يدافعون عن بقاء إستعمار غاشم أورثتهم إياه علائق الإمبراطور المقبور مع الدول الكبرى وطموحاته التوسعية وتشبث أباطرة إثيوبيا بتلك العلاقة التي قامت بليل دون رغبة وقناعة الشعب الارتري وعاثت جيوشهم ومنذ أياهمها الأولى فساداً في الارض الارترية وتحيزت وبشكل خاص ضد الشعب الارتري عامة وضد الملسمين خاصة، أما المقاتل الارتري فهو عنوان للصبر والشجاعة والبسالة والاقدام والثبات والايمان بعدالة القضية التي يدافع عنها وقدسيتها وقوى من عزيمة مقاتلينا أنهم كانوا يدافعون عن أرضهم وشعبهم وعن حقهم في الحرية والعدل والانصاف وكانت قيادته العسكرية وفي أعلى هرمها العسكري كانت معه كتفاً بكتف في الخنادق الأمامية، جمعنا مقاتلينا وخاصة من أبناء مدينة تسني ومن الذين يعرفونها وبدأنا في إعداد منضدة رملية كان عليها مجسم عليه كافة معالم المدينة الأحياء الشوارع الأزقة الأماكن الرئيسية التلال الخيران مواقع العدو ومراكزه المختلفة كانت صورة مصغرة لمدينة تسني وبدأنا تلك المنضدة من مدخل كبري تسني وحتى المحلج ومن معسكر الجيش وحتى ترعة على قدر وأخذنا ندرب عليها المقاتلين وحدة وحدة حتى تكون مواقع المدينة مألوفة لحد ما أخيراً جمعنا قادة الوحدات المقاتلة وأعددنا خطة الهجوم ثم أخذنا نشرح مراحله ومهام كل وحدة ومنطقة هجومها وحدودها في العمق والعرض.
كلفنا نحن في الكتيبة 977 التي كانت بقيادتي ونيابة الشهيد داؤود عثمان إدريس ببدء الهجوم بالإستيلاء على كبرى تسني إنطلقنا في صباح يوم 4/4 /1977م وسرنا بمحاذات نهر القاش وعندما إقتربنا من الموقع سرنا داخل النهر وبشكل هادئ ودون أن نطلق رصاصة واحدة وصلنا الى المواقع المحددة على الكبرى وقمنا بشن هجوم مفاجئي وكاسح أجهز على القوة الصغيرة التي كانت متواجدة في الموقع وتمددت سيطرتنا الى العمق بإتجاه المدينة وإستولينا على موقع صغير آخرفي تلك الناحية ثم مركز دقانا وبدأنا ذلك الهجوم في تمام الساعة الرابعة صباحاً 4/4 وكان إيذاناً ببدء معركة تحرير مدينة تسني، كما إستولت وحدات أخرى من جيش التحرير الارتري على أحياء حلة سيدي وعلى التل الصغير المشرف على المدينة وأحيائها الداخلية وعلى ذلك التل جرت معارك شرسة وطاحنة أسفرت في نهاية المطاف عن هزيمة الجيش الاستعماري الاثيوبي وإجلائه عن ذلك الموقع، بهذا الانتصار أصبحنا نحن المشرفين على المدينة وزاد من قوة سيطرتنا تسرب وحدات من جيش التحرير لأحياء المدينة الداخلية وشن غارات ليلية على العدو وتطورت سيطرتنا بالإستيلاء على الأحياء من جهة بلدة على قدر وعلى الترعة المتجهة إليها وكانت وحداتنا داخل المدينة تمنع العدو من بناء تحصينات وكانت تلك الوحدات بقيادة الشهيد فكاك عبد الله حليباي كان معه مقاتلين مشهود بالشجاعة والصبر وقوة الإحتمال وبالبأس الشديد كانوا نخبة منتقاة بعناية لخطورة المهمة وكان جلهم يحفظ المدينة وشوارعها عن ظهر قلب كانوا مرتبطين مباشرة بغرفة عمليات المعركة، بعد أيام من القتال الضاري حصرنا العدو في معسكره الرئيسى ولكن داخل السوق وجوار بنك المدينة أتعبتنا دبابة كانت رابضة في تلك الناحية وحصدت العديد من مناضلينا فزحف عليها أحد مناضلينا الابطال ولما إقترب منها قفز الى البرج وفتحه والقى قنبلة يدوية بداخلها ثم إنتظر بعض الوقت وقبل أن يتمكن من الابتعاد إنفجرت الدبابة بمن فيها وإستشهد ذلك البطل وللأسف الشديد ولطول المدة لم أعد أذكر إسمه على وجه اليقين ولكنني أعتقد بشكل كبيرأنه الشهيد البطل الأمين حجاج من قرية هبردا بهذا الفعل البطولي إنفتح الأمر أمامنا وإنتهت آخر المعارك في ساحة مدينة تسني ولم يعد يقف في وجهنا شيئ سوى معسكر العدو الرئيس وبقت المعركة مستعرة حول المعسكر الذي صمد بعض الوقت وأتعبنا كثيراً وكان المعسكر محصناً ودفاعاته قوية وكانت فيه سارية لتوجيه الطيران وتعريف الطيارين بإتجاه الريح وكانوا يلقون بمظلات الطعام والعتاد بناء على هذا وحتى لايعرف الطيارون إتجاه الريح عملنا على قمنا بتمزيق تلك السارية وكانت مظلات العتاد والطعام تلقى عليهم لتقوية صمودهم اليائس وكنا نطلق عليها النار لنجعلها تهبط بالقرب منا أو بيننا في الارض الحرام وكنا في الغالب نستولي عليها في هذه المرحلة من الهجوم جرحت أنا بشظية في فخذي بالإتجاه الأمامي ولكنه كان جرحاً خفيفاً عطلني لبعض الوقت وأبى المناضلين متابعتي معهم في المعركة وتعطلت بالفعل لبعض الوقت أخيراً حسمت المعركة بإقتحام المعسكر من كل الاتجاهات وفرت جموع العدو في كل الاتجاهات وخاصة بإتجاه بارنتو ونجح البعض في دخولها بينما سقط غالب الجنود والقادة أسرى وقتلى وجرحى وكان تعليمات جيش التحرير الارتري حاسمة جداً في أمر إحترام جلال الموت وحماية الجرحى والأسرى وضمان معاملتهم بكرامة وإعتبار ومعاملة الضباط والرتب بما يليق ومكانتهم وبموجب مقتضيات الأعراف والتقاليد العسكرية، ولهذا كانت سمعة مقاتلينا وأخلاقهم وسط العدو نفسه عالية جداً أما منطقة على قدر فقد فشلت خطة هجومنا الأولي فيهالتسرع القادة العاملين في ساحة تلك المعركة إلا أن العدو ولهول الهزيمة الداوية في تسني نفذ خطة هروب شامل نحو الأراضي السودانية القريبة من تلك المنطقة تدفق المئات من المناضلين والمواطنين واللاجئين من السودان ومن القرى والبلدات المجاورة ووقفت كل تلك الجموع وفي ملحمة حماسية منقطعة النظير خلف جيش التحرير الارتري الباسل كانت آمال الحرية والاستقلال ودنو أجل الاستعمار تدقدق قلوبهم كان الجميع يساهم في المعركة سواء بدفن الشهداء أو تنظيف المدينة او تضميد الجرحى والشد على أيديهم تدفق المئات الى ساحات التدريب والالتحاق بجيش التحرير الارتري كانت في هذا الاثناء تدور رحى معارك أخرى في بارنتو التي سقطت في أيدي مقاتلينا ولتأخر تعزيز القوات إستعاد العدو زمام المبادر وأعاد ترتيب قواته وشن هجوماً مضاداً وإستعاد ما فقده بسرعة وبعد معركة حامية الوطيس ومنذ ذلك التاريخ بقت المدينة في يده وبقت معقلاً عصياً على الانكسار، حتى حررها أبناء شعبنا في الجيش الشعبى في مطلع التسعينات إبان التحرير النهائي للبلاد كما سقط بأيدينا مدن أم حجروقلوج وهيكوتا وقونيا وأوقارو وتكمبيا وشمبقووشيلالو وبادمي وملقي وماي مني وعرزا ومندفرا و أغردات وحقات ومنصورا وعدي خالا وعيلا برعد وعد تكليزان وقرورة وعدي وبيلول وطيعو وبدا وبيد الجبهة الشعبية كرن وأفعبت ونقفة، كما خضنا نحن في جيش التحرير الارتري معارك طاحنة بالتنسيق مع المعارضة الاثيوبية وخضنا معارك شرسة إبتداء من منطقة سانجا على تخوم غندر ودانشا ورواسا وماي خضرا والرويان والحمرا وعيدباي وهليقين وحررنا تلك المناطق وسلمناها للمعرضة الاثيوبية وحتى يومنا هذا فإن شواهد تلك الملاحم البطولية لجيش التحرير الارتري لازالت ماثلة للعيان في تلك المناطق الإثيوبية فلا تزال أشلاء الدروع وبقاياالطائرات والحوامات دليلاً على هول ما خضنا من معارك في ذلك الزمان من تاريخ نضال شعبنا وكفاح جيش التحرير الارتري الباسل وستظل تلك المآثر خالدة في التاريخ البطولي لشعبنا الارتري البطل.
تـابـعـونـا... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة