أيام لاتنسى من ذكريات المناضل محمد علي إدريس ابو رجيلا - الحلقة الخامسة عشر
إعداد: جبهة التحرير الإرترية
عام الشدة والإجراءات التحوطية: في سنة 1970م بدأت سلسلة من التناقضات بين أبناء الثورة وسرت شائعات كثيرة على خلفية
هذه التناقضات في هذا العام السيئ حدث الإنشقاق وبدأت موجة من الدعايات التي تطال هذا أو ذلك من فرقاء القيادة العامة وبقية قيادات الثورة ومن بينها القيادة التاريخية وقد إنحاز المناضل سبي في البدء للقيادة العامة وقدم شيئ من الدعم إلا أنه ولأسباب أجهلها تراجع وإنتقل للموقع المضاد لها تماما وأعتقد أن دعايات بعض أقطاب المجلس الأعلى كانت السبب المباشر الدافع لهذا الموقف وكذلك دور المناضل عمرو ورمضان محمد نور، وإزداد الطين بلة وتعززت شكوك عثمان عندما إعتقلت القيادة مجموعة من أعضائها (ستة) كما جرى لقط من الحديث حول بعض الأعضاء الآخرين (الأربعة ـ عوبل) وكان إنسحاب أسياس وإعتصامه بمنطقة مرارة (عالا) وأصدر بلاغه الشهير نحن وأهدافنا في هذه الأجواء المسمومة جرت سلسلة من التجاوزات الخطيرة طالت أفراد وواجهات إجتماعية وأدت لتصفيتهم جسدياً تحت دعاوى العمالة للعدو وغيرها من التلفيقات وجرت تلك العمليات دون مصادقة الهرم القيادي على الخطوات وجرت تلك الخطوات على خلفية تشويه سمعة وتحميل مسؤوليات عن أفعال لم يقترفها المعنيون وكان يبدو أن تلك الدعايات والأكاذيب هدفها تهيئة النفوس لاتخاذ الإجراءات اللاحقة أو هكذا بدت لي وللأسف فقد طالت تلك العمليات أعضاء عاملين في الجبهة يؤدون واجبهم في أماكن حساسة في الداخل، كما جرت في هذه المرحلة والتي تلتها سلسلة من العمليات الفدائية العادلة التي طالت العديد من قادة العدو وقادة أجهزته الاستخبارية، كما صدر تعميم شديد اللهجة للمواطنين وأعضاء الجبهة يقضي بعدم تناول قضايا الثورة وأخبارها خارج الاجتماعات والمقرات الرسمية وإن تداول أخبار الثورة في الأماكن العامة يقع تحت طائلة المسؤولية لأنه سيسهل من حيث أراد الناس أو لم يريدوا مهام العدو في تقصي أخبار الثورة وحركة أفرادها مما سيكو ن له أثراً وخيماً على أمن الثورة والمجتمع الإرتري وقد سرى هذا التعميم كسريان النار في الهشيم وإلتزم الجميع بفحواه وهذا الأمر أفقد العدو فرصة إستغلال تناقضات الثورة والثوار لضربها من الداخل كما قلت جرت سلسلة من العمليات الفدائية التي إتسمت بالجرأة وكان لجرأة المناضلين المنفذين ولحسن التخطيط والقيادة ولتعاون أبناء شعبنا وخلايا الجبهة في داخل المدن القدح المعلى في نجاحها.
من بينها عمليات في أسمرا وعمليات في مدن المديرية الغربية وكرن ونظراً لاشتداد أزمة التنظيم ضغط المناضلين على القيادة فعجلت بعقد مؤتمر تداولي في منطقة كرديبا معسكر عواتي وضع ذلك المؤتمر الجميع في أجواء المخاطر المحدقة بالثورة وقرر تشكيل لجنة تحضيرية من 30 عضوا مهمتها التحضير لإنعقاد المؤتمر الوطني العام الأول خلال أربعة أشهر، كما شكل لجنة للاتصال وأخرى للمالية والمتابعة وأصدرت اللجنة التحضيرية بياناً ضافياً بهذه المناسبة دعت فيه جميع مناضلي الثورة التحلي بالمسؤولية، وكانت مهمة لجنة الاتصال التي كنتُ من بين أفرادها الاتصال بقيادة قوات التحرير الشعبية وشرح مخاطر الانقسام وإمكان معالجة تناقضات الثورة في المؤتمر بمشاركة الجميع بذات النسب بالنسبة للمقاتلين والقواعد الجماهيرية وأن تشارك القيادة في المؤتمر تماماً كالقيادة الأخرى وللجميع نفس الحقوق، إنطلقنا الى مهامنا وبدأنا العمل من مدينة كسلا حيث وجدنا الأخ أبو طيارة وشرحنا له الأمر وقدمنا له الرسالة طالبين إيصالها للقيادة (قوات) أو تمكيننا من لقائهم مباشرة ففضل أخذ الرسالة كان معي في هذه المهمة الأخ عثمان محمد إدريس أبو شنب كانت آمال مشاركتهم تدغدغ عقولنا أو قل هكذا كنا نرغب إلا أن تلك الآمال ذهبت أدراج الرياح وكنت أتساءل يومها هل قيادة قوات التحرير وصلتها الرسالة وهل المقاتلين والقاعدة على علم بتلك المساعي في ذلك الزمن الذي كان فيه الانقسام طرية لم يتجزز بعد أما أن الأمر كان مجرد حلم لمناضلين من رعيل الثورة كانت رغبتهم أن يقاتل أبناءهم العدو من خندق وبرنامج واحد أم أن الأمر كان مجرد أمنية فات أوان تحققها.
على كل حال لم يتعطل المسير نحو المؤتمر رغم العراقيل ورغم ما برز من موقف القياديين الأربعة (عوبل) الذين يبدوا أنهم قرروا عدم المشاركة لهواجسهم ذاتية لعب في تعزيزها بعض سعاة السوء ولو أنهم دخلوا المؤتمر لتغيرت الكثير من الأمور نسبياً، على كل حال دخل الناس في المؤتمر الوطني وكانت مجمل العضوية العاملة إن لم تخن الذاكرة 561 عضوا وعلى مدى زمني يقارب من الشهر ناقش الناس جميع قضايا الثورة وقدمت في هذا وثيقتين واحدة للبرنامج السياسي وأخرى للبرنامج التنظيمي وإرتكب المؤتمر أخطاء في بعض القضايا في البرنامجين مثل اللهجات وتداخل الصلاحيات بين المجلس (القيادة) والتنفيذية ورغم ذلك خرجنا بأول وثيقة سياسية يوافق عليها ممثلين للشعب وجيش التحرير الإرتري منبثقة من مؤتمر عام علني وكان قبلها البرنامج السياسي (أهداف الثورة) من إعداد القيادة المؤسسة للثورة كما قاوم أعضاء المؤتمر ورفضوا مقترح تقدم به أحد الأعضاء النافذين يطالب بضرورة إتخاذ قرار من المؤتمر بتصفية قوات التحرير الشعبية فرض ذلك المقترح بقوة وأسقط من التداول إلا أن المؤتمر كلف القيادة لمعالجة أمر الانقسام بشكل مفتوح ودون تحديد موجهات لهذا التعامل أخيراً إنتخب المؤتمر قيادة من رأسين مجلس ثوري من 15 عضو ولجنة تنفيذية من 19 عضو وإنتخب إدريس محمد آدم رئيساً وحروي تدلا بايرو نائباً وعبدالله إدريس قائدا للجيش بعد فترة وجيزة إندفعت قوات التحرير الشعبية للميدان مندفعة عبر بواب دنكاليا وفي طريق تدفقها إجتاحت أمامها بعض الوحدات وبدأ أول صدام بين أبناء الثورة وسفك أول دم وكان دم فصيلة من جيش التحرير الإرتري كانت مرابطة في منطقة آرافلي بقيادة الشهيد ياسين عقد وأجهزت على من فيها فحسمت هذه المعركة التردد الذي ساد بين الإقدام والإحجام كما شكلت عامل تعبئة كبيرة للمقاتلين الذين إستفذهم أمر تصفية رفاقهم وبدأ حمام الدم بين أبناء الثورة والشعب الواحد وكان بالنسبة لي ولعوم الرعيل أمراً مؤلماً رأينا فيه قمة المأساة وكان يعتصرنا الألم ونحن نشاهد أبناءنا يتقاتلون والعدو يتفرج عليهم منتشياً كنت في قمة الحزن على تلك الحرب بل والحروب التي تلتها وأكرمني الله بألا أشارك فيها، تلك الحرب اللعينة هي التي ورثت الناس الكراهية والحقد الذي غلف القلوب وعم العقول بحيث إنعدم لاحقاً نفس القبول المتبادل بين أبناء الوطن وفرقاء الثورة وأنتج هذا الإبعاد والاستقواء وتوجت هذه المسيرة الدامية من الأحقاد والضغائن بما هو ماثلٌُ الآن أنتجت قادة ورجال يعيشون حاضرهم في الماضي ويستحضرونه عل الدوام فوصل الأمر لحد حجب المواطنة عن رفاقهم في أمس الثورة بل وحق الحياة نفسها فجرت موجة من الملاحقات والاغتيالات المعروفة وإمتدت للمواطنين فإستوطن الظلم والقهر والحرمان من الحقوق والاعتبارفي أرض الثورة والشهداء وهذا الأمر لن يحسم بما هو قائم الآن طال الزمان أم قصر ولكنه سينسف العلاقات والنسيج الوطني الذي بناه نضالنا الوطني وعلى مدى عقود الثورة والكفاح من أجل الحرية بل وقد يعصف بالوطن نفسه فمن المستحيل أن يتعايش من سلبت بيته ومزرعته وإعتباره مع من سلبه وإغتصب أرضه شرده وطرده وهنا سوف لن يكون هناك فرق بين الأجنبي المستعمر ومواطني ذلك الذي سلبني بيتي وقيمي وأرضي وفرض علي بقوة السلاح أن أعيش طريداً شريداً وفرض على من هو في سني في أخريات الأيام أن يعيش طريداً في المنفي أو صاغراً ذليلا في الوطن ونسي هؤلاء كما أن للباطل جولة فإن للحق جولات وإن السلاح لم يعطي حق وإلا لما نالت الشعوب المستضعفة حقوقها ولكن هذا سيضع الوطن نفسه في مهب الريح.
تـابـعـونـا... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة