أيام لاتنسى من ذكريات المناضل محمد علي إدريس ابو رجيلا - الحلقة الرابعة
إعداد: جبهة التحرير الإرترية
بعد الانتهاء من التدريبات وإطمئنان حامد على النواحي العملية في التجربة التي خضناها معه وعلى معرفتنا لقواعد وأساليب العصابات
وطرق العمل والمداخل الأساسية لمنطقة الانطلاقة والشعب الارتري ومكوناته المختلفة وأساليب التعامل معه ورسالتنا النضالية التي تفرض علينا سلوكا وتعاطيا وطنيا مختلفا لايتناقض مع قيم الشعب الجوهرية وبعد إنتهاء معركة بلاقندا إستمر وجودنا معه سواء في أبيلناي أوغيرها 45 يوماً قام بعدها بتوجيه المجموعات التي قسمنا اليها وكانت ثلاث مجموعات واحدة كبيرة وإثنتيين شكلتا من ثلاثة أشخاص لكل مجموعة وحدد لكل مجموعة ساحة عملها ومهمتها وحقها في الإجتهاد والمبادرة الذاتية في العمل والتعامل، كانت المجموعة الأولى بقيادته وتعمل في منطقة صعيد القاش وتسعى لتأمين إيجاد قاعدة آمنة وبعيدة عن مراكز العدو وعيون عملائه وغير مطروقة من الرعاة والمزارعين تتوفر فيها شروط البعد والوعورة ومحدودية المداخل وإمكان الدفاع عنها والاختفاء فيها والانسحاب منها واليه وكانت تلك القاعدة المقترحة تبدأ من قاعدة مركزها أبيلناي وتخومها شنشلياي وأنتورى حتى سلسلة جبل مهكلاي بالقرب من أم حجر.
أما المجموعة الثانية فكانت ساحة عملها من ضواحي تسني الوجه القبلي لنهر القاش وحتى بارنتو و أغردات وكانت مكونة من ثلاثة زملاء وهم ابوشنب وقندفل وجمع آدم و المجموعة الثالثة فكانت ساحة عملها مديرية كرن والمهمة تحسس مناطق العمل والتعرف عليها وتقطيع أسلاك الاتصالات التلفونيةالتي حدد لها تاريخ متفق عليه بين الجميع وكان هذا التاريخ محدد مع الزمن المتوقع لوصول المجموعة الثالثة لمنطقة عملها على أن تعود المجموعتين الثانية والثالثة بعد إنتهاء مهمتهما الى مدينة كسلا ويتم لقاء كل المجموعات ومن يجند مع بدايات فصل الخريف ومع أول أيام هطول الأمطار في ذات موقع الانطلاق (أبيلناي وما حوله).
لنقوم بعمل مكثف في فصل ملائم لطبيعة حربنا، إنطلقت المجموعات وكانت المجموعة التي كنت أنا بينها مشكلة من شخصي والمناضلين محمد إدريس حاج وعمر حامد إزاز وكان محمد ادريس قائدنا وكان أكثرنا معرفة بجانب معرفة مقبولة للأخ عمر أما أنا فكانت معرفتي تنتهي عند تخوم حقات، تحركنا الى منطقة عملنا وكنا ندعي عندما نقابل مواطنيين بأننا من حرس الغابات تارة وتارة أخري من التجار القادمين لمعرفة احتياجات المنطقة لجلب البضائع المناسبة وثالثة بأننا من البوليس المنطقة لم تكن غريبة بالنسبة للأخ محمد ادريس حاج الذي كان فيها قبل إعلان تأسيس الجبهة بل و اندلاع الكفاح المسلح في المرحلة التمهيدية ويعرف رؤساء بعض خلاياها الملتزمة والتي أنشأت في فترات سابقة وكان هو والأخوين محمد سعد آدم والطاهر سالم بجانب آخرين من أسهم في تأسيسها دخلنا مدينة كرن ونزلنا عند أحد أعضاء خلايانا في المدينة وكان يعمل في مهنة صياغة الذهب ويدعى محمود حباباي او علي كرار على ما أعتقد إن لم تخني الذاكرة قمنا بجولة إستطلاعية في المدينة قررنا أثنائها شن عملية خاطفة على مركز البوليس للظروف الملائمة التي بدت لنا من خلال اللامبالاة والإهمال والاسترخاء الذي كان عليه أفراد المركزوبالفعل نفذنا الهجوم بسرعة خاطفة وأسفر عن جرح أحد الحراس وفرار بقية الأفراد فقمنا بتعليق العلم ووزعنا منشورات كانت معنا عن طريق تشتيتها داخل المركز وحوله انسحبنا لى جناح السرعة الى جبل لالومبا وهناك غيرنا الملابس وأخفينا أسلحتنا وبقيت أنا وأخي عمر لبعض الوقت بينما نزل محمد ادريس لاستطلاع نتائج وأثر ما قمنا به وقبل نزوله إتفقنا أن نلتقي في منطقة عريب سرا وبعد أن أخذنا راحة كافية إنطلقنا وبعد يوميين من وصولنا لحق بنا محمد ادريس حاج وأخبرنا بان الحكومة القت القبض على إمرأة مختلة عقليا وألصقت عليها التهمة والغريب أنها أقرت بذلك لواقع المرض والتعذيب، اتجهنا من عريب سرا الى منطقة قبشي وهناك دخلنا قرية لأهلنا البيت جوك التي أكرمنا أهلها بالاستقبال وهم مندهشين من أشكال ملابسنا التي لم يألفوها من قبشي إنطلقنا لتنفيذ مهمتنا الأساسية وهي تقطيع أسلاك التلفونات وباشرنا العمل حتى منطقة حبوب وهناك وعلى ربوة صغيرة وضعنا رسالة وعليها عدد من الرصاصات موجهة لآمر البوليس أمباي الذي أخذ يطاردنا ويرهب المواطنيين فتوعدناه بالويل اذا لم يتراجع عن مواقفه واجراءاته في مطاردتنا وضد الشعب وبينا له من نحن وماذا نريد وأخطرنا المواطنيين بمكان الرسالة وبضرورة أن يعلموا أمباي وبوليسه بمكانها، تابعنا سيرنا حتى وصلنا منطقة باب جنقرين وهناك وفي قرية نائية وجدنا الاخ صالح همدحامد عبيلا الذي كنت أعرفه والذي تأمل أوضاعنا وغادر ثم عاد ومعه ربعين من الدقيق وكمية من الشطة والملح ولكنه لم يجدنا فأخذ يبحث عنا ثم أعطانا ماكان معه وكانت هدية عالية القيمة في تلك الفترة فقد جنبتنا الاحتكاك بالمواطنيين وتمكنا من استكمال مهمتنا ولكن جاء نا هنا خبر وصول أموال تبرع من عمالنا في السعودية وأضافت اليها وحدات كرن وأسمرا من أجل شراء سلاح وفي إثيوبيا كان شراء السلاح شيئ عادي فقرر الأخ محمد إدريس الدخول مجددا لوضع خطة لشراء السلاح وإيصاله بأمان وكان حلقة الاتصال الأخ آدم ملكين في كرن والأخ محمد عمر في أسمرا وكان يعمل في شركة صيانة الطرق (الهاي وي) وبعد الوصول الى أسمرا تقرر أن يذهب الأخ آدم ملكين الى أديس لشراء الأسلحة وعندما يتمكن من ذلك يكتب رسالة يقول فيها الترزي جهز كل الملابس للعرس عليكم تحديد موعد العرس ويقوم محمد عمر بالرد عليه وتحديد الموعد وقد ساهم أخ من أبناء اسمرا وكان مقيما في اديس وهو مواطن ارتري مسيحي من أهل كبسا في ثمن تلك الأسلحة عاد الينا محمد ادريس ومع عودته بدأت أطواف البوليس تفتش عنا فغادرنا (إستلم الأسلحة فيما بعد الأخ بهدوراي وكانت عبارة عن بندقية ابو ثمانية ورشاش كاربين و24 قنبلة يدوية قرنيت 2 جوال أحذية وكمية من القاش ـ نطاق) الى بركة وفي ضواحي أغردات بقينا انا ومحمد إدريس في ساقية الأخ محمد عثمان أما عمر فقد دخل مدينة أغردات واتصل بالفرع الذي تبرع لنا بمصاريف ورافقه في الخروج الأخ أحمد عوض وقبل وصولها جاء الينا الإخوة بهدوراي وابو طيارة وعمر دامر وكانت معهم منشورات مكلفين بتوصيلها للفرع لايصالها الى الفروع الأخرى فعاد بها أحمد عوض أما نحن وبقية الإخوة فقد عدنا الى كسلا في أواخر مايو 1962م.
في مدينة كسلا قابلنا الزملاء في القيادة وكانت مكونة من الإخوة محمد سعد آدم، جعفر محمد طاهر سالم،صالح حدوق، احمد محمد علي عيسى، ابوبكر إدريس قدمنا تقريرنا وملاحظاتنا ومشاهداتنا، بعد فترة إتجهت الى القضارف وهناك وصلتنا أسلحة جاء بها إدريس محمد آدم عن طريق مطار الخرطوم ومرت بسبب الترتيبات المسبقة ولتعاون بعض الأشقاء من السودان وعلى رأسهم الاستاذ الرشيد الطاهر بكر وكانت عبارة عن 5 بنادق ماركة 4 و7 مسدسات جاء بها للقضارف الأخ عمر أسناي وسلمها للأخ طاهر سالم وقام بتكليفي والأخوين عمر دامر ويوسف مسوكر فاوصلناها الى كسلا بأمان.
قررت القيادة خروجنا حسب الموعد المتفق عليه مع القائد حامد عواتي ومعنا الاسلحة فخرجنا وكان فوج الذاهبين للميدان مشكل من الإخوة التالية أسماؤهم : محمد ادريس حاج،محمد ابراهيم بهدوراي، عمر حامد إزاز، عثمان صالح علي، سعيد حسين، ادم قندفل، محمد ابراهيم محمد، عثمان ابوشنب، عمر دامر، محمد عمر عبدالله ابوطيارة، محمود ماي بتوت كرار النور، حامد عثمان طمبار، وشخصي وكل الزملاء المذكورين أعلاه استشهدوا في الميدان أو أثناء آداء الواجب ولم يبقى عل قيد الحياة إلا شخصي وأبو طيارة وبهدوراي وماي بتوت.
جئنا الى الموقع الذي كنا قد إتفقنا أن نلتقي فيه مع حامد عواتي مسبقا وللأسف لم ينتظرنا أحد وأخذنا نفتش عنهم أخيرا عثرنا عليهم ولم نجد بينهم القائد حامد فأخذ القلق منا مأخذه وعندما لاحظ زملائنا رفاق حامد ذلك أخطرنا أحد الزملاء لايحضرني إسمه الآن والعبرة تخنق صوته بأن القائد قد استشهد بعد فترة من الصمت تكلم محمد إدريس حاج وترحم على القائد ثم التفت يتطلع الينا وهو يقول إخواني عن استشهاد حامد في هذا الوقت ونحن في البدايات يفرض علينا أن نبقى الأمر سرا لمكانة حامد بين أبناء الشعب واقسمنا جميعا أن نبقي الأمر سرا حتى يقوى ساعد الثورة وأن نواصل طريق عواتي حتى النصر أو الشهادة واللحاق به وبالفعل تذكر الأجيال القصص التي كانت تنسج حول بانه في المكان كذا وأنه في الخارج يعمل على جلب السلاح وغيرها من القصص وبر مناضلونا بقسمهم ذاك حتى أميط اللثام عن إستشهاد القائد حامد ادريس عواتي بعد أربعة أوخمس سنوات من التاريخ الحقيقي للاستشهاد وتولى الأخ محمد إدريس حاج القيادة بحكم موقعه كنائب وأقر الجميع قيادته فكلفني والأخ سعيد حسين بترتيب شروط العمل الفدائي داخل المدن وخاصة بارنتو وأغردات فاتجهنا على الفورالى بارنتو التي بقيت فيها بينما إتجه الأخ سعيد الى أغردات وبعد فترة لحقت أنا به وهناك أنشأنا منزلا سريا آمنا يشرف عليه المناضل ابوبكر عثمان علي شيخ وألحق به منزلاً آخرا لاحقا تحت إشراف المناضل حسين سمر العول وزوجته المناضلة سعدية وكان المسؤول الأول في المدينة الاستاذ المناضل الشهيد محمود محمد صالح وكان الفرع من أنشط فروع الجبهة وقتها قمنا بترتيب شعبة للاستعلامات بقيادة المناضل الشهيد صالح محمد سعيد عدوي وكانت شعبة الفدائين بقيادة الأخ الشهيد سعيد حسين.
قبل المتابعة في الحلقة الخامسة أود أن الفت نظر الأبناء الباحثين في تاريخ الثورة والوطن الارتري لبعض ما عاصرته عله يربط الكثير من الوقائع اولا نحن الذين قاتلنا في صفوف الانجليزثم قوة دفاع السودان بدأنا ترتيب أنفسنا مع أول يوم لاستقلال السودان ومشروع السودنة الذي رافقه وكانت هناك هيئة قيادية مشكلة وقامت بزيارات متعددة لارتريا وترتيب تشكيلات جماهيرية سرية وأبرز الذين ترددوا على إرتريا الأخوة محمد سعد وطاهر سالم ومحمد إدريس حاج وفقد محمد سعد ابنه البكر عبد الرحيم في إحدى تلك الزيارات وكان الحادث إنقلاب السيارة التي كانت تقله بالقرب من قالاي على طريق بارنتو أغردات يوم 1958/10/17م وقد فوجئنا بإعلان تأسيس حركة التحرير وإعتقد البعض إنها نفس مشروعنا وإنضم اليها ومن بينهم أنا وكنا نعتقد بأنها سوف تطلق العمل الذي يناسب العدوان الاستعماري ويلائم رغبتنا وقناعتنا بالعمل المسلح بأنه الطريق الصحيح.
كما أذكر أن هؤلاء الزملاء الذين ذكرتهم أعلاه أجروا الاتصالات منذ مطلع عام 1957م بالبعض من أعضاء البرلمان وكان الغرض التفاكر في ما العمل ثم بعد موافقة إدريس على اللجؤ السياسي قاموا بمناقشة الشيخ ابراهيم سلطان الذي وافق أيضا وطلب بعض الوقت كل من عمر أكيتو وعثمان هندي ورغم ترددهم لأكثر من مرة لم يوفقوا في مقابلة ابرها تسمى ثم قاموا بتوفير المرافقة وتأمين الطريق لعملية خروج الشيخيين إبراهيم وإدريس والتي كلف بها الأخ حاج موسى علي وكان الفصل فصل خريف وأعاقت السيول حركتهم بل وأوشكت أن تقضي عليهم وإستشهد أثناء الرحلة غرقا الأخ الشهيد حسين إدريس، كما أسهم في دفع الثورة وتوفير الارضية لها الشيخيين محمد داؤد آل سيدنا مصطفى والشيخ سليمان محمد الأمين والشيخ حامد همد وكان دور الشيخ محمد داؤد هو الأكبر إذ قام بالطواف لتهيئة الشعب وتبرع بالكثير من البهائم من حرماله لدفع الثورة عندما إنطلقت فعلياً.
تـابـعـونـا... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة