يوميات من الثورة الإرترية - الحلقة الثالثة
بقلم المناضل الإعلامي: أحمد عبدالفتاح أبو سعدة
تساءل الكثير من أهلي الارتريين عن سبب انهيار جبهة تحرير ارتريا رمز النضال الوطني الارتري الحق.
هذا الأمر مس فؤادنا وجرح قلبنا وأنا أقدم لكم اليوم مثالا واحدا عن التآمر والتجسس الداخلي والخارجي الذي أدى إلى انهيار جبهة تحرير ارتريا وسأعقبه بأمثلة:
في الساعة الواحدة في الليل دق جرس الهاتف في منزلي بدمشق وجاء صوت يصرخ ويولول ويقول الكثير من الكلام ومن هذا الكلام الجملة التالية التي رددها صوت الولاويل والعويل كثيرا ولم أكن أعي مضمونها لشدة البكاء والصراخ إلا أن الصوت والذي كنت أسمعه صوت نسائي هذه الجملة هي (والله سوف أسحق رأسه بجزمتي) رددها الصوت عدة مرات يتخللها الصراخ والعويل الذي كاد أن يمزق طبلة أذني وأبعدت سماعة الهاتف عن أذني خوفا من تمزيق غشاء الطبل ولأتبين من هو صاحب الصوت وماذا يقول، والذي كان يقوله صاحب الصوت النسائي (والله لأسحقه بجزمتي) ردد هذا الصوت النسائي هذه الجملة عشرات المرات وتبينت من خلالها إنه صوت رئيسة الاتحاد النسائي للمرأة الارترية في جبهة التحرير الارترية (زهرة جابر) التي تابعت عويلها وشتمها وولاويلها ،الحقيقة خفت وخفت عليها كثيرا أن يكون قد حصل لها أو لزوجها المناضل محمد نور أحمد أو لابنتها الطفلة هيام شيئا لاسمح الله أن يكونوا قد قتلوا أو ماتوا وقلت لها اهدأي يا زهرة لأفهم منك وترجيتها عدة مرات فقالت لي: ألم تدري بماذا صرح هذا الكلب الأجرب أسياس أفورقي وعادت إلى الصراخ والبكاء والولاويل أجبتها :حسنا يازهرة اهدأي وأنا قادم إليك.
وفي طريقي مررت على بيت المناضل حامد طمبار وأخبرته أن زهرة ربما مسها شيئا من الجنون وعلينا أن نذهب لنرى ما بها.
دخلنا منزل زهرة جابر فصدمت :يالله هل زهرة جابر جنت، يالله ماهذا...شعرها منكوش مقطع... خصلات بعضا من شعرها على الأرض،لم أتبين أرض الغرفة من خلال الصحون والكاسات وأدوات المطبخ المكسورة والمبعثرة هنا وهناك والكراسي ملقاة على الأرض بطريقة غريبة وطاولة الطعام على الأرض وبعض البراويز المعلقة مكسورة وملقاة على الأرض وزجاجها متطاير واستغفرت ربي عدة مرات وقلت في داخلي: يا حوينتك يازهرة جنيتي رددتها عدة مرات وأنا انظر إلى وجه زهرة ثم أحوله إلى وجه طمبار الذي كان مذهولا ورافعا يديه لا يستطيع الكلام..
ياربي ياربي... ماذا حصل لهذه المناضلة الجسورة ونظرت على الغرفة الثانية فوجدتها ابنتها هيام مختبئة خلف السرير تبكي...اقتربت منها فصرخت البنت وكانت تعرفني وكنت ألاعبها وآتي بها إلى منزلي لكن من شدة ما قامت به المناضلة زهرة أرعبت ابنتها أيضا.
اقتربت من زهرة ومسكتها وهززتها وصرخت بوجها مناديا زهرة زهرة وأنا مندهش، ليش جنت زهرة شو حصل.. هل حصل شيئا لأهلها ومسكتها وهززتها مرات عديدة ثم ضممتها وأنا أربت على كتيفيها وأمسح رأسها وألملم شعرها المنكوش بيدي وربطته وكنت قد وجدت سلكا صغيرا على الطاولة فربطت شعرها بهـ ثم طلبت من حامد طمبار أن يأتيني بكأس ماء وأسقيتها للمناضلة زهرة بالقوة... يازهرة يا بنتي يا حبيبتي يا أختي شو حصل شو حصل لك ورفعت يدي إلى السماء وأنا أقول يارب احفظ هذه المناضلة التي نفتخر بها إكراما للرسل يارب.
اقتربت زهرة من طاولة الطعام الواقعة على الأرض وتناولت منها مجلة وقدمتها لي وقالت: اقرأ يا أبو سعدة.. أقرأ.
تناولت المجلة وكانت مجلة الصياد اللبنانية وقد كتب على غلافها بالخط العريض (أسياس أفورقي يقول: سنعترف بدولة اسرائيل)
لم أهتم كثيرا فقد كان اهتمامي على زهرة وشكلها وأدوات بيتها المحطمة على الأرض والزجاج المبعثر هنا وهناك وخوفي على ابنتها.
تابعت زهرة شتائمها ونعتها وقد خرج البصاق من فمها وهي تقول لي بعصبية وهي تبصق على المجلة: انظر انظر ماذا يقول هذا الكلب العفن جرذ المراحيض انظر يا أبو سعدة.
وبدأت تلطم على رأسها فما كان مني إلا أن مسكتها وضغطت على يديها بقوة وقلت لها يا زهرة أنا أخشى عليك من الجنان ألا تخافين على نفسك ألا تخافين على زوجك وعلى ابنتك اذا حصل لك شيئا ماذا سيكون مصير ابنتك الطفلة التي لم يتجاوز عمرها الثلاث سنوات وحامد طمبار واقف مشدوها مذهولا مصعوقا ملجوم اللسان.
أنت إمرأة رئيسة الاتحاد النسائي الارتري عضو جبهة تحرير ارتريا أخويك شهيدين وأخوك المناضل الكبير عمر جابر ألا تخافين عليه ألا تعرفين أن أفورقي يتعامل مع اسرائيل منذ زمن طويل ألم تخبريني في بيت طه يا سين في الخرطوم عندما كنا في طريقنا إلى إرتريا وكنت تنامين فيه ألم تقولي لي بأن أسياس جاسوس... بالله عليك يا زهرة اصمتي خوفا على نفسك وعلى بنتك وعلى زوجك وعلينا نحن الذي نحبك ونقدرك ونعتبرك رمزا..
لكنها عادت وصرخت وقالت(سأسحق رقبة ورأس هذا العميل الجاسوس هو وقيادة الجبهة الشعبية بجزمتي وكانت تضرب بقدمها الأرض وكانت حافية من غير حذاء) خفت عليها من أن تؤذي نفسها.. يا بابا يا زهرة اهدأي بالله عليك كلنا نعرف بأن أفورقي وبطانته جواسيس للأمريكان ولجبهة تحرير تجراي واسرائيل.
كلنا نعلم هذا.
وبقيت عندها بعض الوقت وأنا أحاول تهدئتها بينما قام المناضل حامد طمبار بترتيب الكراسي والطاولات ولملمة ما تبقى من الصحون ثم قام بتكنيس الأرض من الزجاج المحطم خوفا على زهرة جابر أن تؤذي نفسها ثم قام يإعداد الشاي فمسكت الكأس وقدمتها والتي شربتها كلها وقلت لها إن كان لي كرامة عندك اشرأبي واهدأي وهكذا حصل.
وبكلمات بسيطة لا تتعبي نفسك يازهرة وتضيعي جهدك العظيم، شعبك يريدك وقالت لي بصوت هادئ و طبيعي جدا وكأنه لم يحدث شيئا ولم تنكش شعرها ولم تمزق ملابسها وكانت قد انتعلت جزمتها... وهنا قدرت نفسي باأي استطعت تهدئة المناضلة رئيسة الاتحاد النسائي زهرة جابر(بهذه الجزمة سأسحق رأس أفورقي وبطانته هؤلاء الجواسيس) وبكل هدوء وتروي قالتها وكأنها ليست زهرة جابر التي كانت قبل قليل.
نظرت إليها ومسحت على رأسها وقلت لها: هذه هي زهرة جابر المناضلة الجسورة التي نعرفها والتي أوفدتها جبهة تحرير ارتريا إلى الجزائر بمنحة دراسة ودرست فيها، وكانت الساعة تشير إلى الرابعة فجرا ومسحت على رأسها وقلت لها: أنت علمتينا النضال عليك أن تحافظي على نفسك فأنا وأمثالي نستمد منك العزيمة وعلى متابعة النضال وتعرية الجواسيس وأنا أشد على يديك وأكبر فيك روحك النضالية هذه وأرجو أن تستدعيني في يوم من الأيام إلى أسمرا وتريني بأن جزمتك...قاطعتني وضربت الأرض بجومتها وقالت: نعم ساسحق رأسه بجزمتي هذه... ورددت الجملة عدة مرات.
ابتسمت أنا وقلت لها: بارك الله بك يا زهرة أنت شقيقة خولة بنت الازور وإن شاء الله نتغدى غدا في منزلي كالعادة.
ونظرت إلى حامد طمبار فوجدته قد غفي وهو جالس على الكرسي وللعلم إن حامد طمبار كان قد أمضى اثنا عشر عاما في سجون الاحتلال الاثيوبي وقد حرره الشهيدان البطل عبد القادر رمضان والبطل وسعيد صالح أيقظته وذهبنا سوية وغادرنا منزل شقيقة خولة بنت الازور زهرة جابر...
بالله عليكم يا أهلي الارتريين أليست رئيسة الاتحاد النسائي الارتري وعضوة جبهة التحرير الارترية تستحقق أن يقال لها شقيقة خولة بنت الازور التي حررت أخيها من آسريه الكفار...
غادرت منزلها وأوصلت حامد طمبار (الذي لم يعلق شيئا عما صل) إلى منزله واتخذت طريقي إلى منزلي وجلست أمام الهاتف أتلفن لزهرة وأسألها عن صحتها وبعد المكالمة الثانية لم ترد علي لانها كانت تغط في نوم عميق قلت في نفسي والله حرام أنا مزعج وبعد كل تعبها وألمها وزعلها يجب أن ترتاح.
وبعد فترة وجيزة وجدت زهرة جابرفي أسمرا تحت رعاية قيادة الجبهة الشعبية ورئيسها أفورقي الذي خصها بمنصب رفيع في حكومته.. والذي مدحها في أحد تصريحاته إذ قال: إن زهرة جابر كانت وعملت لصالح الجبهة الشعبية أكثر مما فعله بعض قياداتنا وهي عضوة قديمة جدا في الجبهة الشعبية... ولا أعلم من الذي سحق رأس الآخر (زهرة أم أسياس).
ما رأيكم يا أخواني إذا كانت رئيسة الاتحاد النسائي في جبهة التحرير جاسوسة وعميلة فما بالكم بابراهيم توتيل رئيس المكتب السياسي في جبهة تحرير ارتريا الذي نام تحت أقدام اسياس ـفورقي، ثم سحقه نعال أفورقي... هنا أستذكر أحد العملاء الصغار أمثال محمد علي الهاسري الذي كان يشتم الجبهة الشعبية ورئيسها أسياس أفورقي ليلا نهارا ويصفه بالخيانة والعمالة للغرب ولاسرائيل والذي احضرته جبهة تحرير بمنحة دراسية الى سوريا وتخرج منها والان يشتم سوريا بالله عليكم اليس هذا عميلا وجاسوسا ولاغريب بذلك فسيده قد علمه ذلك و الذي أيضا يتبجح الان بأن زوجته وزيرة وبأن سيده أسياس أفورقي وأنا أخشى أن تكون زوجته تعتبر أفورقي سيدها ورئيسها لا السيد الرئيس عمر البشير الذي يغيش قي كنف حكومة السودان ويأكل من خيرات الشعب السوداني الطيب... الخائن خائن مهما بلغ والأمثلة كثيرة سأذكرها إن شاء الله في المستقبل آسف لقد أطلت عليكم.
وهنا أقول كيف لا تنهار جبهة التحرير وكل هذا العفن قد لحق فيها.
نحن العرب رحماء كريمين.
ملاحظة: وأرادت السيدة زهرة إمعانا في خدمة قيادة الجبهة الشعبية ورئيسها أفورقي بأن أرسلت ابنتها الصبية للتدريب العسكري وهناك كافئتها الشعبية كعادتها بأن ماتت ابنتها هيام في معسكر الجبهة الشعبية وأعيدت من المعسكر جثة هامدة إلى أمها رحم الله هيام التي ولدت في دمشق و نشأت وترعرعت ودرست مجانا في مدارس مدينة دمشق.
التتمة في الحلقة القادمة