معلم ذهب الى الدوام ولم يعد حتى اللحظة

بقلم الأستاذ: محمد أمان أنجبا - سويسرا

الأستاذ محمد طاهر ادريس من مواليد 1964م درس الابتدائية بود الحليو والقضارف،

والمتوسطة بمدينة كسلا، ثم الثانوية بالمركز الافريقي بالخرطوم، حاصل على درجة البكالوريوس من جامعة إفريقيا العالمية تخصص تربية، متزوج وأب لطلفين (بنت وولد)، وبعيد التحرير وقبل إعلان الاستقلال عاد مباشرة الى أرض الوطن ليقوم بدوره التعليمي والتربوي، ويساهم في انقاذ أجيال من مستنفع الجهل والأمية.

تحرك ضمن أول قافلة طلابية سيرها الاتحاد العام للطلاب الإرتريين بالسودان من الخرطوم الى اسمرا، وبعد ان اكمل مهمته مع وفد القافلة، قال هامسا لأحد أصدقائه أنه سيتخلف من القافلة ولن يعود برفقتهم، معللا أن الوطن في حاجة لجميع الخريجين الإرتريين ويجب المساهمة في مسيرة البناء والتعمير، الا أن صديقه حاول اقناعه للعودة الى السودان بصحبتهم وطلب منه التمهل حتى تتضح معالم النظام الجديد وخارطته السياسية، ولاسيما أن تنظيم الجبهة الشعبية عٌرف عنه الاقصاء والتصفية الجسدية للمخالفين إبان فترة الكفاح المسلح، لكن صاحبنا كان قد حدث نفسه التي بين جنبيه، والتي كانت تتماهى في حب الوطن وبني الوطن، فاتخذ القرار دون رجعة وهو يعلم أن مهمته لن تكون سهلة، ومهما كلفه الأمر سيبقى داخل الوطن ويكمل الرسالة التي قدم من أجلها.

تم تعيين الأستاذ محمد طاهر مدرسا بمدرسة الجالية العربية بالعاصمة أسمرا، فأحبها وأحب طلابها كعادته وبادله الحب كل من تخرج على يده من طلاب تلك المدرسة التي سميت بمدرسة الأمل، ولم تمض بضع سنوات حتى تم تعينه أستاذا في معهد تدريب المعلمين في أسمرا وتدرب على يده عدد من دفعات المعلمين.

لكن هل بادله الوطن نفس القدر من الحب أم ماذا؟ ومن يحق له أن يتحدث باسم الوطن ويعبر عن دفء الوطن، حتى وإن تملك أمر البلاد والعباد من لا يملك مثقال ذرة من الوطنية بل والإنسانية، فبينما الأستاذ محمد طاهر في الطريق يسرع الخطى الى المعهد لممارسة مهنته السامية، تم اختطافه من قبل الأجهزة الأمنية بعنف وقسوة لا تشبهان حنان الوطن بأبنائه البررة، وكان ذلك في العام 1994م حيث تم اقتياده إلى مكان غير معلوم.

انتهى الدوام الدراسي ولم يعد الأستاذ محمد طاهر الى المنزل، زوجته القلقة كانت تنتظر قدومه حتى غربت الشمس ودخل الظلام يرفع من وتيرة القلق، واستمر الحال العصيب على تلك المسكينة الى وقت متأخر من الليل، كم كان طويلا ذلك الليل الذي ملأته مناجاة وصلاة حتى شروق الشمس، لتحمل نفسها الحيرى وتتبع خطوات بنفس الطريق نحو مكان عمل زوجها لكى تسأل عنه، ولكن من تسأل.. ومن يجب؟ فما المسؤول بأعلم من السائل.. فالمُلام واللائم كليهما سواء، فالزوجة المسكينة حدثت نفسها سرا ثم جهرا ثم سرا لتخرج من حيرتها، حيث علمت من تلقاء نفسها عن سرغيابه تلك الليلة الطويلة جدا، إنما هو اختفاءه قسري طالما سمعت بشخصيات ذات وزن في المجتمع كان هذا مصيرها، ويسميه المجتمع اعتقالا لفلان وعلان بينما الأمر لا يعدو عن كونه اعتقال للمجتمع بأسره.

أما والدة الأستاذ محمد طاهر التي كانت تقيم بالسودان، عندما سمعت خبر اختفاءه قامت بالسفر فورا الى إرتريا لتبحث عنه، ليس لها أثر تقتفيه إلا ريح الابن واحساس الأمومة عسى أن تكتحل عينها برؤيته، ولجأت لكل الجهات الأمنية والمؤسسات الحكومية المدنية ولم تجد عنه أي خبر.. وظلت تتردد على السجون في كل زيارة لها، بل على الوطن السجين بين الفينة والأخرى حتى انتقلت الى جوار ربها قهرا وكمدا على ابنها.

هكذا اختفى الاستاذ محمد طاهر ولم يعد الى منزله حتى اللحظة، ليخفي الحزن طعم الحياة على والده، ويفقد نعمة البصر حيث لا يتمكن من رؤية حفيدته يوم زواجها، المهم أنه يشتم منها رائحته ابيها المختطف من قبل حكومة قطاع الطرق، فما زال الوالد ينتظر طيلة هذه السنين حتى يسمع مجرد خبر عن مكان اعتقال ابنه المعلم، وماهي التهمة الموجهة اليه وهو الذي كان ينشر نور العلم والمعرفة، أو ما هي مدة محكوميته إن كان الأجل سيمهل الوالد أم لا، كل هذا في علم الله العليم القدير.

Top
X

Right Click

No Right Click