الطفل المعتقل يوم المعتقل الأريتري
بقلم الأستاذ: موسى إدريس حامد - كاتب ارتري
«كان إبني في التاسعة، عندما أتوا بنا إلى هذا المكان المظلم، وهو الأن شابا في الـ 19 من العمر».
بهذه الكلمات تحدث المعتقل «المجهول» وهو مطاطئ الرأس، مشيراً إلى شاب نحيل الجسد منزوي في زاوية الزنزانة الضيقة والمزدحمة بالبشر من كل الأعمار.
ويضيف الرجل: «افتقد أبني الصغير في بداية عهده بالمعتقل حنان الأم وصحبة بعيره الذي كان يرعاه ويهتم لأمره»!!
مستدركا: "أدرك ابني الصغير، مع مرور الوقت أن دموعه المتدفقة بغزارة سوف لن تعيد مما مضى، فتبلدت مشاعره وبات الصمت والخضوع سمة من سماته».
هذه واحدة من عشرات القصص المؤثرة والعالقة في ذهني منذ أن علمت بوقائعها منذ أكثر من ربع قرن ونيف، من موقع إليكتروني باللغة يأتي على ذكر اسم الطفل الذي سيق مع والده من ضواحي إحدى القرى النائية في منطقة بركة لعلاي، إلى المعتقل في مدينة أسمرا، حيث اعتقد الطفل حينها لعدم ادراكه بحجم الفاجعة، أن المعتقل الذي نقل إليه هو منزله الجديد الذي سيؤويه مع والده إلى حين!!.
لقد تأثرت كثيرا بالقصة المحزنة أو قل العمل البربري الذي يغتصب براءة الطفولة، ولم يبارح الكابوس المخيف حيث قمت بنشر القصة «المأساة» في عدد من المواقع الإلكترونية حينها، وها أنا أعيد نشرها في كل عام تزامنا مع يوم المعتقل، علها تسهم في كشف وفضح الممارسات البشعة للنظام القمعي، الذي أستولى مطلع التسعينيات من القرن الماضي على مقاليد الحكم في البلاد، وشرع بتصفية عدد كبير من المواطنين الأبرياء بذريعة محاربة الإسلام المتشدد أو ظاهرة «المجاهدين» المزعومة، في تمثيلية مفضوحة كشف زيفها فيما بعد عدد من المنشقين عن النظام في مناسبات مختلفة.
تاريخ اعتقال الطفل ووالده وفق الرواية كان ما بين عامي 1993ـ1994، أما سبب الاعتقال غير معروف، الشيء المؤكد أن الواقعة حدثت في صبيحة إحدى الأيام أثناء قيام الأب وأبنه الصغير برعي قطيع صغير من الإبل خارج قريتهم الريفية الأمنة في منطقة بركة لعلاي، فأتى جنود مدججون بالسلاح ووضعوا الأب وإبنه داخل شاحنة نقلتهم إلى المعتقل في العاصمة أسمرا.
أكتفي بهذا القدر!!.
هذه قصة ليست من وحي الخيال، بل تأتي ضمن عشرات القصص التي تعكس مدى وحشية النظام وممارساته القمعية تجاه الأبرياء العزل، (مشائخ ومعلمين وأصحاب الرأي والأقلام الحرة ومناضلين وساسة وعامة الشعب) حيث لا فرق بين قاصر وراشد، ولك ايها ألقارئ الكريم أن تتصور ما هية ونوعية هؤلاء البشر الذين يجسدون معنى السادية بكافة أشكالها، وإلا كيف تفسر رمي شخصا ما في غياهب السجون لسنوات دون توجيه تهم أو وسيلة تكفل له حق الدفاع الشرعي؟
أنه حقا الحقد الأسود والتعصب الأعمى، وعقيدة الانتقام الممنهح ليس إلا،
أعود واتساءل .. انتقام ممن؟، ما سبب هذا الحقد وما الهدف.. هل بين النظام وبين الشعب ثأر قديم لا نعلمه.. هل انتفض هذا الشعب يوما ورفع السلاح في وجه الطاغية، أو أعلن العصيان المدني حتى؟!!، مع أنه حق مشروع، الم يكن هذا الشعب نفسه الذي خاض النظام نضالا طويلا لتحريره من نير الاستعمار ولو ظاهلريا؟!!.
أم هي تصفية حسابات قديمة لأسباب سياسية.. وإذا كان الأمر كذلك فرضا فمن يحاسب من؟ .. وما هي معايير المحاسبة أصلا!!!؟.
كما أتساءل هل يا تري بطل قصتنا ووالده لا زالا على قيد الحياة أم فاضت روحهما إلى بارئها داخل زنازين وأقبية النظام كعشرات المعتقلين الأبرياء..
أم كتب لهما الله النجاة وعادا إلى قريتهم، هذا بالطبع أمر مستبعد كليا.. وإذا كان كذلك .. هل القرية نفسها لا زالت محتفظة بتركيبتها السكانية وموقعها الجغرافي، أم استولي عليها الغرباء ضمن مشروع التهجير الديموغرافي الممنهج، وفي حالة الاحتمال الأخير.. ما هي كمية الحقد والبغضاء التي يختزنها هذا الشاب داخله، أعتقدها جازما والذي نفسي بيده أنها ثورة براكين عارمة أو قل "سونامي" جامح سيجرف الأخضر واليابس.
وأختتم حديثي بالقول، من زرع الشوك لا يحصد ثمار العنب.. ومن زرع الحقد والكرهية اليوم لا شك سيجني ثماره غداً، وأنني على يقين بأن المستضعف لن يبقى هكذا للابد.