المغيب الأستاذ/ إبراهيم جمع حامد
بقلم الأستاذة: زهور إبراهيم جمع حامد - النرويج
كان ضمن الأساتذة النموذجيين في أسلوب حياته وهندامه وحركة جسده، يسير مستقيما بقوام ممشوق
وحركة ثابتة لا تتغير ويساعده في ذلك جسده النحيل.
حسب المفهوم المتعارف عليه لدى أهالي مدينتنا الصغيرة كان يرمز الى الأستاذ النموذجي بنقاء بياض هندامه المرتب ترتيبا عاليا، ولا تجده يجلس في الأسواق كبقية اهل المدينة مثلنا، اللهم إلا الوقفات النادرة لدى دكان العم إدريس نور مدحن حيث يتواجد غالبا القاضي أبوبكر المرح دائما.
كان للأستاذ إبراهيم جمع دور رائد في المعهد الديني الإسلامي أو ما سمي بمعهد جامع في عرف أهالي مدينة كرن، هذا قبل ان ينتقل إلى معهد أصحاب اليمين حيث أكرمني الله بمعرفته عن قرب.
أعرفه بحصته خفيفة الظل، كلماته التي تحمل المزاح والود والرسالة الصريحة. يدخل الفصل مبتسما ويبدأ ممازحا، وكذلك تسير حصته حتى نهايتها - التفاعل الأقوى وانتظار الجديد باستمرار، هذا بالرغم من أنّ معظم المواد التي كان يدرسها لا تستهوي الطلاب باعتبارها تدخل في تعقيدات اللغة العربية (النحو والصرف والبلاغة).
يذكر له جميع تلامذته ضمن حصة النحو حين يأتيك بجملة طالبا الإعراب فيرفع يده من يهوى المجازفة والمشاركة، أو يكون مطمئنا على صحة إجابته، ويبقى الذين يخافون أن لا يخطئوا صامتين حتى لا يضحك الآخرين عليهم فيبادر بقوله (والبقية مالكم) مبتسماً وكأنّه يقول لك أنّك تعرف الإجابة ولكنك تدفن رأسك في الرمال. ثم يقوم متوجها نحو منتصف الفصل فيختارك أو أي أحد غيرك ثم يدعوك أن تحاول الإجابة بعيدا عن ضغط الآخرين فتجيبه دون أن يسمع أحد ثم يخبر الجميع بإجابتك الصحيحة وقد بدت على وجهه السعادة الغامرة بأن اعتقاده كان صحيحا. يضرب بك المثل في يومه بأنّك متميز ولكنك لا تجرؤ على المشاركة فيمتلئ قلبك بالطمأنينة والثقة بالنفس ثم لن تتردد بعدها عن المشاركة. وهكذا حتى يضمن مشاركة الجميع وتفاعلهم.
حصته لم تكن يوماً مملة ولا أعرفه يوما يعاقب طالبا بالعقاب المتعارف عليه بقدر ما كان يضعك في قليل من الحرج من حسن معاملته فتنضبط كما لم تكن مشاغبا أو متجاوزاً.
جانب آخر عرفته فيه حين فتح الله لي باب أن أكون بين المدرسين ولو لفترة وجيزة، حيث شاهدته همزة وصل في غاية الأهمية بين شباب المدرسين والشيوخ الكبار. يربط الرؤى والمواقف في حديثة وكأنّه يقول لك أنكما في ذات المركب وذات السياق.
بعض المواقف تحكى وبعضها لا مكان لها بيننا الآن وسياتي يوم نسهب في الحديث فيه ونرفع القناع حتى يعلم الجميع كيف كانت أيامهم وماذا كانت تحمل تفاصيله وماذا كان جوهر تلك الرسائل التي حملوا دوماً، مخلصين لأمتهم ومجتمعهم.
اللهم اجمعنا بهم في الدارين.
الإختفاء القسري في إرتريا
تنسيقية يوم المعتقل الأرتري