مصوع بوابة دخول الإسلام لأفريقيا على يد عثمان والزبير
بقلم الأستاذ: سمر إبراهيم المصدر: المصرى اليوم
من العاصمة أسمرة، ذهبنا إلى مدينة مصوع الساحلية، وكانت تجربة السفر إلى مصوع،
شيقة ومثيرة للغاية، والوصول إليها يحتاج إلى حوالى 8 ساعات ذهاباً وإياباً، تتخذ فيها طريق «أسمرة - مصوع» الجبلى المتعرج، وتهبط من العاصمة أسمرة، التى تقع أعلى 2500 متر فوق الجبل إلى سطح الأرض، لكن أثناء الطريق ستضطر تنسى هذا الإرهاق، وتترك عقلك، وعيناك، وجميع حواسك، تستمتع بتلك الطبيعة الخلابة والأشجار والأعشاب تتناثر هنا وهناك، نتيجة موسم سقوط الأمطار على العاصمة.
عندما تتخذ طريق الجبل، ستشعر أنك تشاهد لوحة فنية رائعة، وتلتقط عيناك مشهد تداخل الضباب مع الجبال، وتجد الحيوانات الأليفة مثل «الجمال والبقر والماعز» تتحرك بشكل طبيعى وحر على الطريق الجبلى.
المدهش فى هذا الطريق أن على كل منحنى بين مرتفعات الجبل منازل كثيرة متعددة الأشكال الهندسية، ويسكن عدد كبير من المواطنين الإرتريين فى هذا المكان، معظمهم يعمل بمهنة الزراعة، نظراً للطبيعة الجغرافية التى يعيشون بها، وطبيعة الطقس بالمنطقة، التى تسقط عليها الأمطار سنوياً، فيزرعون ما يكفيهم من قوتهم اليومى، ويبيعون الجزء الآخر المتبقى من محاصيلهم الزراعية، بينما البعض الآخر من سكان المنطقة الجبلية، يمتهن مهنة الرعى، ويبيعون أغنامهم فى أسواق العاصمة، فضلاً عن تناثر الكنائس والأديرة والمساجد القديمة، ذات الطراز المعمارى المبهر على قمم الجبل، حيث تتعانق أيقونات مريم البتول، وهى تحمل طفلها الرضيع السيد المسيح، مع هلال المساجد فى مشهد بديع.
انتهينا من هذا الطريق الجبلى الممتع فى مدة لا تقل عن 4 ساعات، ثم اتخذنا الطريق المباشر إلى مدينة مصوع، وعقب الهبوط من فوق الجبل، ستشعر بتغيير الطقس، وستجد نفسك أمام طقس ساحلى يشبه طقس مدينة الغردقة فى محافظة البحر الأحمر.
عند الوصول إلى عمق المدينة، ستجد البحر الأحمر يحيط بالمدينة وكأنه يحتضنها من جانب، وجبال البحر الأحمر تحضتنها من الجانب الآخر، وأشهر هذه الجبال هى سلسلة جبل «قدم»، وكانت أولى محطاتنا بها «ميناء مصوع البحرى».
يعتبر ميناء مصوع من أقدم وأكبر الموانئ البحرية فى إرتريا، لكن النشاط بالميناء محدود، فيما تعمل الحكومة الإرترية على توسيع وتطوير الميناء، خاصة فيما يتعلق بأنشطة النقل البحرى بينها وبين عدد من الدول، وعلى رأسه التبادل التجارى البحرى مع مصر.
يتميز الميناء بكثرة الصيد، حيث يبدأ موسم صيد الأسماك فى شهر نوفمبر، وينتهى فى شهر مايو، وهنا يبدأ الصيادون بتكثيف نشاطهم بحثاً عن الرزق.
بجوار الميناء البحرى، ومنذ أكثر من 1400 عام ميلادى، استقبلت إرتريا أول هجرة فى تاريخ الإسلام، وتحديداً فى عام 614 ميلادياً، حيث نزل صحابة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى «أرض الحبشة» كما كانت تسمى آنذاك، وصلوا بهذا المكان عقب وصولهم، المكان نفسه، استقبل 18 صحابياً، أشهرهم الصحابى الجليل عثمان بن عفان، وزوجته رقيه، والصحابى الزبير بن العوام.
وكما ذكر لـ «المصرى اليوم»، رئيس مجلس الأوقاف بمدينة مصوع، الشيخ إبراهيم حسين، قال إن الصحابة وصلوا إلى إرتريا فى أول هجرة فى الإسلام، من مكة المكرمة، وصلوا فى هذا المكان، وذهبوا إلى الملك «اصحمه» والشهير باسم «النجاشى» ملك الحبشة، بعد أن أمرهم الرسول بالذهاب إليه، ومن هنا بدأت الدعوة الإسلامية فى الانتشار، لتكون إرتريا بوابة دخول الإسلام إلى أفريقيا.
المسجد رغم بساطته، وصغر حجمه، إلا أنه يحمل المعانى الكثيرة من الصدق والإيمان والروحانيات الدينية، حيث إنه ليس مسجد بالشكل المتعارف عليه فى مصر، فهو عبارة عن حوش كبير بدون سقف، محاط بسور صغير، تعلوه لافتة كبيرة مكتوب عليها «مسجد الصحابة.. أول المقدسات الإسلامية على مستوى العالم، أسس عام 615 بعد الميلاد».
وأضاف أن المسجد قبلته تتجه إلى المسجد الأقصى فى مدينة القدس، حيث إن الهجرة الأولى كانت قبل تغيير قبلة الصلاة تجاه البيت الحرام بمكة المكرمة، وأن المسجد لا تؤدى فيه فروض الصلاة اليومية، ولكنه يفتح أمام المصلين لتأدية صلاة عيد الفطر المبارك، وصلاة عيد الأضحى المبارك فقط، وذلك تيمناً ببركة الصلاة فيه من قبل صحابة الرسول.
اتجهنا للانطلاق داخل عمق مدينة مصوع، وتجولنا فى شوارع وأزقة المدينة الأثرية، فالمدينة برغم بساطتها، إلا أن مبانيها ومساجدها تحمل رقة الطراز المعمارى الإيطالى، وعراقة الطراز المعمارى العثمانى، وروعة الطراز المعمارى التركى.
أُثناء التجول بشوارع المدينة القريبة للغاية من الميناء، ستشعر وكأنك على أرض «المدينة الفاضلة»، وجوه البشر هناك تستقبلك بابتسامة بريئة، والأطفال يلعبون هنا وهناك، ويحيطون المكان بضحكاتهم المبهجة، الشوارع نظيفة رغم التحديات المادية التى تواجه المدينة، أصوات التراتيل القبطية والقرآن تأتيك مختلطة مع بعضها البعض، النساء هناك يتجولن فى المدينة بكامل حريتهن، بعضهن يعملن بعدد من المحلات المحيطة بمنازلهن، ومنهن من ترعى الماعز وتسير بجوارها.
المساجد الكثيرة فى المدينة، تتميز بأنها بُنيت فى عهود سابقة، أثناء الاحتلال العثمانى، والتركى، والإيطالى للمدينة، فمن أشهر المساجد بخلاف مسجد الصحابة، مسجدا الشيخ الرشيدى، والحفنى، الذى يذكر أنه بنى فى عام 800 ميلادية فى العصر العباسى، وتم تجديده أكثر من مرة على مر العصور.
وبالرغم من روعة تصميم المساجد بالمدينة، إلا أنها تعانى من آثار دمار بالغة، نتيجة زلزال شديد عصف بالمدينة فى حقبة التسعينيات، وتحتاج تلك المساجد إلى تطوير محلى، تقوم به فى الفترة الحالية الحكومة الإرترية من فترة لأخرى، كما تحتاج إلى رعاية واهتمام عالمى بتلك الآثار، لاسيما من منظمة «اليونسكو» العالمية التى ترعى، وتهتم بإحياء التراث الثقافى والأثرى فى جميع بلدان العالم.
المحطة الثالثة لنا كانت فى متحف مصوع، أو متحف إقليم شمال البحر الأحمر، كما يطلق عليه رسمياً، ويضم أكثر من قسم يعبر عن نشأة وتاريخ إرتريا القديم والمعاصر أيضاً، لتتحدث عن عهود الاحتلال التركى والعثمانى والإيطالى والإثيوبى أيضاً للبلاد، وبها صور عديدة وأيقونات من رحلة الكفاح المسلح للشعب الإرترى، وتماثيل توضح اختلاف ملابس السيدات فى القوميات التسعة الشهيرة بإرتريا، وصور تعبر عن تلاحم أطياف الشعب أثناء فترة المقاومة المسلحة، وكيف شاركت السيدات بجوار الرجال فى تلك الرحلة جنباً إلى جنب، وقسم آخر يضم أسلحة قديمة للجيش الشعبى أثناء العمليات العسكرية، وأيقونات تاريخية للمناضلين القدامى الذين بدأوا النضال ضد الاحتلال، مثل المناضل «إبراهيم سلطان»، والمناضل «عبدالقادر كبيرى»، فضلاً عن صور أخرى وتماثيل للحيوانات البرية فى البلاد.
فى اتجاه الجنوب كان طريقنا نحو معبد عدوليس الفرعونى، وبالتحديد على بعد 65 كيلومترا، جنوب مدينة مصوع، كانت المفاجأة الأخرى أن إرتريا ارتبطت مع مصر حضارياً عن طريق تاريخها الفرعونى، واستقبلت على أرضها «حتشبسوت» بل واستطاعت مد جسور علاقات جيدة مع حاكمها، والتى كانت تسمى فى ذلك الوقت «بلاد بونت».
يذكر تاريخياً أن «عدوليس» هو اسم أشهر وأقدم موانئ البحر الأحمر، والتى تم تأسيسها فى القرن الثالث قبل الميلاد، وقد لعبت دوراً كبيراً فى حركة التبادل التجارى مع القدماء المصريين، الذين كانوا يقدرون قيمة «بلاد بونت»، وعلى رأسهم الملكة المصرية حتشبسوت، ويعتبرونها مركزاً تجارياً مهماً لهم، فى منطقة جنوب البحر الأحمر، أو منطقة القرن الأفريقى حالياً، حيث كانوا يستوردون منها «البخور والعاج والصمغ والأبنوس والفرو والجلود».
وقد قامت «حتشبسوت» أثناء فترة حكمها لمصر، بإرسال بعثة تجارية على متن سفن كبيرة، قامت بالملاحة فى البحر الأحمر محملة بالهدايا والبضائع المصرية مثل «البردى والكتان» إلى «بلاد بونت» وهى الآن «إرتريا والصومال ويقال اليمن أيضاً» إلى ملك البلاد، فأسعدته تلك البعثة كثيراً، لتعود السفن المصرية محملة بمنتجات البلاد.
وفى الوقت الحالى، مع الأسف جدران المعبد غير متكملة، ولا يوجد على الأرض سوى أحجار الجرانيت المتناثره هنا وهناك، وبقايا جدران المعبد التى اندثرت منذ فترة طويلة نتيجة مرور السنوات، وعوامل التعرية فى تلك المنطقة، وبعد اكتشاف هذا المعبد تقوم حالياً الحكومة الإرترية بمحاولة إنقاذ هذا المكان التاريخى العريق، عن طريق بعض عمليات الترميم الأثرى، ولكن العقوبات الاقتصادية المفروضة على إرتريا، عطلت من إرسال البعثات الأجنبية المتخصصين فى هذا المجال.