وقفات مع عبير "أنفاس البنفسج" للشاعر الكبير الفحل المقيم فينا أبدا كجراي
بقلم الأستاذ: مصطفى محمد كردي - كاتب أديب وقاص
الشاعر الكبير محمد عثمان كجراي شاعر مجيد ومتفرد، وإذا صنّفناه وأنصفناه فهو أحد أعمدة الشعر الحديث،
ويعتبر أحد رموز مدرسة التجديد الشعري، وربما بزّت تجربته رواد هذه المدرسه، من حيث الأسبقيه الزمانيه،
المؤرخين للشعر الحديث الذي سمّاه بعض أنصار المدرسة التقليدية بالنثر المشعور أو الشعر المنثور، يعتبرون الشاعرة نازك الملائكة هي الرائدة، وقد نشرت أولى قصائدها "قصيدة الكوليرا" في عام 1947 من القرن الماضي،
شاعرنا الكبير كجراي كما حدثني في لقاءات كثيرة جمعتني به أنه إنتقل من القضارف مسقط رأسه ودائرة طفولته وصباه الاوّلي إلى كسلا في عام 1940، ليعمل في حقل التدريس ناشرا للمعرفة والأمل والجمال، وقد كان يكتب الشعر ويمارس الكتابة السياسية والشعر قبلاً،
وبذلك يكون كجراي من أوائل من كتبوا الشعر الحديث في عموم المنطقة العربية، رغم عدم ذيوع صيته في البلدان العربية،
وموضوع اشتهار بعض الشعراء، وعدم اشتهار البعض الآخر منهم، موضوع مثير، يستحق الدراسة والتمحيص، ولا يسعني إلاّ أن أقول ازاءه: إن بعض الشعراء تسبقهم الشهرة وتظل ملازمة لهم، والبعض الآخر تأتي شهرتهم متأخرة، وهذه الشهرة - المتأخرة - أبقى وأدوم، على مر الزمان،
وحسبي أن شاعرنا الكبير كجراي من هذه الفئة، فرغم شاعريته وريادته، لم ينل من الشهرة، ما ناله غيره من الشعراء ممن هم أقل منه عطاء وتحصيلا، وهو ما احاول أن اجندله من خلال هذه الحلقات الراتبه، وبخاصة للجيل الجديد من شبابنا،
والأمل والرجاء أن تكون مسيرة الشاعر الكبير وتجربته مادة خصبة لطلاب الدراسات العليا، فإلى ثاني قصائد "عبير البنفسج" الذي يحتوي كما تقدم 29 قصيدة. "يا عنب الدوالي" شاغلتي غانية تعرفُ كيف تحسن السلوك... تعرف كيف تسحر الملوك فتارةً غانيةً مضطربة... وتارةً قديسةً مهذبة... تسخر من رعونةِ النحو ومن مسالك الصرف... إذا تعقد الكلام... تفضل الدخول في مجاهل الأحلام... تحتقرُ المنطقَ والجدل... يطربها الشعر إذا تسلل الكلام في أودية الغزل... تهفو إلى حرارة العناق والقُبل... تهزها القصيدة النارية الجديدة.
والرغبة الوالهة الفريدة... وحينما تزورني تنداحُ من جوانحي غمائم الأرق... يصطبغ الوجه بكل ما يخضرُ في مواسم الألق... أيتها المرأة... يا نضارة الفتنة والجسارة... ياغادة غنية بكل ما يمتُ للرغبة والإثارة... أعرفُ ما تبثه العيون في شرودها من قبل أن تلبس ثوب عرسها العبارة.
أيتها الرائعة التكوين... يا نارية العشق ويا ماتعة الإلفة... صدرك هذا قدري فلترفعي أقنعة الكلفة... ما أن تراني واقفا أظهر في مرآتها... حتى تطل قامة فارهة وفارعة... يعرّشُ البنفسجُ الوضيئُ فوق الشرفات الرائعة... وهأنا مضيّعُُ ألقت به الأقدارُ في طريق أنثى ضائعة.
سيدتي قولي لهذا الليل أن يمتد... لموسم الشتاء أن يشتد... لعاصفة الرغبة أن تحتد... تقدمي وإقتربي... تأوهي وإضطربي... لا بأس لو أحسست في تطلعي أنا هنا مسمّر في موضعي... توسّدي ذراعي... ونهداك ياويحي إذا تبادلا شهية الرغبة في حرارة الطباع... وإستيقظا ينتهكان خضرة المراعي... يقتحمان ساحة المعبد في تداخل الإيقاع... لا تجزعي إذا رأيت أنني أطرح بعض الأسئلة... أنت هنا رائعة ومٌترفة.
تجردي من كل مايمت للأقنعة المزيّفة... انت هنا غانية رقيقة مهفهفة... يا عنب الدوالي... ردي على سؤالي... هل نحن منذوران للبهجة في نضارة الزمان... أم نحن في دوامة الرغبةِ طائران توأمان... تخاطبا بلغة قديمة... ما خضعت يوما لترجمان.
التعليقات
حياك الله استاذ مصطفى كردي
خيرا فعلت بتسليط الضؤء على هذا الشاعر القامة الاستاذ/ محمد عثمان كجراي،
والامر كما ذكرت ليس بامكانيات الموهبة الشعرية ولا بالكمية الانتاجية ولكن الشهرة لها متطلباتها التي لا تخفى عليك وفي الوطن العربي المحسوبيات والصداقات هي التي تضاعف من حظك في الشهرة،
وانت بهذه الاطلالة الكريمة اتنمنا ان تكون ساهمت في نفض شىء من غبار العتمة.