الفنان التشكيلي الارتري محمود دبروم
بقلم الأستاذ: ود عد - كاتب وناشط سياسي إرتري
محمود ديبروم فنان تشكيلي من إريتريا ولد في عام 1938 في مدينة جندع حيث كانت المدينة تحضن دائما
مهرجان النمر للغناء والشعر حيث ترعرت موهبته ومهاراته الفنية.
ومدينة جندع مدينة صغيرة حيث لايتجاوز عدد سكانها عن 30,000 نسمة بحيث أن الفنان محمود ديبروم كان يجد صعوبة في العثور على الألوان الزيتية أو الألوان المائية أوألوان الباستيل لكن كان يسهل الحصول نسبيا على الأقلام الرصاص والفحم. وعندما كان الفنان محمود ديبروم طفلا كان يجيد رسم الوجوه والأشكال والأوضاع الجسمانية والطيوروالحيوانات بكفائة تامة.
وبذكر الفنان محمود ديبروم أنه كان يشتهر ب "الرسام" بين زملائه في المدرسة أثناء المرحلة الإبتدائية. في سن السابعة كان الفنان محمود ديبروم مثله مثل أي طفل في سنه يستخدم القلم الرصاص لرسم الأشكال وكالعادة وكعادة الأطفال في عمره تكون الرسومات ذات بعدين دائما. ولكنه تابع التدريب والتمرين وتعلمكيف يجيد التظليل وإعطاء أعماله البعد الثالث. كان الفنان محمود ديبروم يرسم دائما بالقلم الرصاص نظرا لعدم إمتلاكه للألوان.
ولقد تغلب الفنان محمود ديبروم وهو صغيرعلى إفتقاره للألوان بأن يسحق أوراق الأشجار وتلوين بها الأماكن الخضراء من أعمالهلكي يعطيها لونها الحقيقي. كان أول إتصاله بالألوان المائية والباستيل في عالم الإبداع عندما كان في الصف الرابع عندما كانت زميلته في الدراسة والتي تدعى منىتحضر تلك الألوان من صديقاتها الأمريكيات بنات السيد داف.
لاحقا أصبح بيت الزميلة منى ركن الإبداع الملائكي والذي كان متاخما لبيت السيد داف الأمريكي والقاطن بإريتريا. لاحقا أنتقل الفنان محمود ديبروم إلى أسمرة عندما توفت والدته ثم توفى والده لاحقا كان الفنان في الثالث عشر من عمره عندما ألتحق بالمردسة الإسلامية الخيرية في أسمرة وهناك شاهد أعمال الفنانين الإيطاليين العالميين معروضة في أحدمحلات الهدايا. في ذلك الوقت لم يكن الفنان محود ديبروم يتحمل تكاليف شراء الألوانلكي يستطيع إشباع رغبته في الإبداع بالشكل المشابه لأعمال هؤلاء الفنانين العالميين.
في عام 1957 ذهب إلى المملكة العربية السعودية للحاق بأخيه هناك والتحق بمحاضرات ليلية لتعلم اللغة الإنجليزية وكان حينها في السابعة عشر من عمره. مابين عامي 1957 و1976 لم يكن الفنان محمود ديبروم قادرا على متابعة إبداعه ولذلك قام في المقابل بالتركيزه في القراءة لتنمية ذاته وشخصيته بعد ذلك حصل على عمل قيادي وإداري بدل ان كان يعمل في وظيفة كتابية والتي كان يعمل بها بالفعل. موهبته التيكانت نائمة بسبب وجوده في وظيفته الكتابية مايقارب العشرين عاما أستيقظت عندما عاد ليرسم من جديد في عام 1977 بينما كان يعمل لشركة لوكهيد للطيران.
أحد السيدات الأمريكيات التي تعمل مع الفنان محمود ديبروم في هذه الشركة شاهدت أحد رسوماته علىبعض أوراقه، ثم قالت له أتستطيع أن ترسم تلك الرسومات وتجلس هنا على كرسي تعمل لمدة ثمان ساعات في هذه الوظيفة الروتينية. هذه السيدة الأمريكية ذكرت الفنان محمود ديبروم أنه فنان وبناءا على ذلك قرر أن يعيد تفعيل موهبته من جديد وبالفعل ذهب الفنان محمود ديبروم فورا إلى إحدى المحلات لشراء خامات ومستلزمات التصوير وبدأ يمارس إبداعه فورا. بعد فترة قليلة ألتحق الفنان الإريتري بجماعة الفن التشكيلي بجدة والتي كانت أسست بواسطة فنانين مغتربين من الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا وعرب يعملون في جدة، وأخذ الفنان محمود ديبروم نصيبا في معظم المعارض التي كانت تقام بواسطة تلك الجماعة.
وبدأ في قرأة مجلات فنية ربع سنوية مثل المجلة الأمريكية "الفنان الأمريكي" والمجلة البريطانية "الفنان" وبدأ يدرس أساليب مختلفة وتقنيات جديدة. مع العلم أن الفنان الإريتري محمود ديبروم لم يتعلم الفن التشكيلي أبدا على يد أي مدرس أو في مدرسة لتعليم الفنون بل هو فنان علم نفسه بنفسه على حد قوله وهو دائم زيارة المتاحف والجاليريات في إيطاليا وألمانيا ومصر والولايات المتحدة وهذا مما مكنه من الإطلاع على الفنانين المعاصرين وأعظم الفنانين العالميين. قام الفنان الإريتري محمود ديبروم اكثر من واحد وعشرين معرضا جماعية وفردية في جدة كما حصل الفنان محمود ديبروم على جائزة الخطوط الجوية السعودية الأولى للفن التشكيلي في عام 1993.
في عام 1994 لوحاته تم عرضها في الأجندات السعودية وتم إختيار إثنى عشر عملا من بين ثلاثمائة وخمسون عملا تم التقدم بها مائتين وأربعون فنانا متنافسا من جنسيات مختلفة. يوجد أكثر من مائة عمل من أعمال الفنان محمود ديبروم في أشهر المتاحف والجاليريات في السعودية وأريتريا والشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية منذ الثمانينات.
مر الفنان محمود ديبروم بعدة أساليب منها السيرياليزم والتكعيبية وأعتاد ان يرسم البيوت والمباني بالطرق التقليدية القديمة. ودائما الفنان محمود ديبروم يرى أن الفنانين التشكيليين يتمتعون بحس إنساني اكثر ممن حولهم من الناس. بالنسبة للفنان محمود ديبروم الناس والبشر يعنون له الكثير بغض النظر عن أعراقهم أو أديانهم أو ألوانهم هذا هو جمال التنوع في كوكبنا تماما وكأنها عمل فني عظيم وإن كانت تكونت من عدة لمسات من ألوان مختلفة لم تكن لتعطي هذا الجمال الذي نشاهده في كل تفصيلة من كوكبنا الجميل.
ويرى الفنان محمود ديبروم أننا نحن البشر بكل التنوع في أشكالنا واحجامنا وألواننا وتفاصيلنا نشكل أبهى وأجمل عنصر من عناصر اللوحة العظيمة التي تكون كوكبنا الجميل إن الفنان محمود ديبروم يرى أن كوكبنا إن لم يكون لوحة جميلة وغاية في الإبداع فهي اجمل قصيدة من الممكن ان تسمع. الفنان محمود ديبروم يرى أن لوحاته عبارة عن قصائد تغزل وتبنى بالألوان والأشكال والتكوينات ويرى الفنان أن الفن هو الألوان والأشكال والتكوينات على القماش والقصائد على الورق والدراما على المسارح والكتب على الأرفف والنغمات والألات الموسيقية على خشبة المسرح.
الفن هو خليط من المشاعر والأحاسيس التي تنبت داخل كل فنان وداخل كل شخص فينا كبشر. بالنسبة لشخص ترك إريتريا منذ عقود يظل تعبيره عن أريتريا والشعب والثقافة الإريترية ظاهرة مدهشة بكل المقاييس تتمتع بكم هائل من التأثير في كل تفاصيلها كيف لفنان أن يكون بكل هذا الكم من الإبداع ؟ فبالرغم من بعد المسافات وطول السنوات بعيدا عن أرض الوطن وعن الوجوه البريئة للشعب الإريتري يجد الفنان محمود ديبروم متعته وسعادته وهنائه عندما يقوم نقش الحياة اليومية الإرترية في لوحاته. وجوه الشعب الإريتري هي جواهر لوحات الفنان محمود ديبروم كما دائما يقول. الثقافة ووجوه الشعب الإريتري محفورة وكأنها أيقونة مقدسة على جدران قلب الفنان الإريتري محمود ديبروم.