رائد الفن التشكيلي احمد بلال ادريس - الجزء الاول

بقلم الأستاذ: عبدالقادر شيخ حسين شيخ زايد - أبو رأمي

رسوماته في مناهضة الاستعمار ادت لإعتقاله لسنوات طوال، هوالاستاذ احمد بن سيدنا بلال

صور تشكلية رائعة

عليه وعلى والده الرحمة والمغفرة.

والده سيدنا بلال الذي ختم على يديه القرآن الكثيرين والكثيرات من ابناء وبنات كرن، حيث كانت كتاتيبه من اشهرها في مقرها في حوش المراغنة بحي حلة سودان، احمد بلال قرأ القرآن مع اقرانه في خلوة والده سيدنا بلال ومنها انتقل للدراسه في المدارس الحكوميه بكرن بصحبة اشقائه والذين كانوا اربعة بنين وثلاث بنات.

اعتنا بهم والدهم ووصلو الي مراحل متقدمة في الدراسه آنذاك في وقت كان فيه الاهتمام بالتعليم قليل جدا.

عائلة اشتهرت بالعلم والثقافة، اكمل تعليمه الاكاديمي في مدرسة لؤول مكنن لغة انجليزيه بالعاصمة الارترية اسمرا في بداية الستينات من القرن الماضي، بعد تخرجه مارس مهنة التدريس وتنقل في معظم الاقاليم الارتريه كمعلم.

كان هذاالرجل عملاقا بحق حجما وعلماوفنا ورياضة وفتوة.

كان يمارس رياضة كرة القدم حيث لعب مع فريق الساحل الكرني وكان يمارس رياضة حمل الاثقال وكمال الاجسام وكان هذا ظاهرا في عضلاته المفتولة في صوره القديمه وكان انيقا لابعد الحدود.

اما فتوته فقد كان ممشوق القوام مفتول العضلاة مهاب الجانب حاد صعب المراس لايقف احد ليتحداه وكان مشهورا في كرن يهابه الناس شخصية قوية البنية وكان لايرضي الظلم بل لا يصبران رأي شيئا لايرضاه سرعان مايتدخل ويصطدم بالظالم مهما كانت العواقب.

اشتهر بممارسة هوايته المفضلة على الاطلاق وهي ممارسته للفن التشكيلي وبرع فيه واشتهر وسارت بذكره الركبان.

وجدتُ في بيتهم العامر بمدينة كرن (كزا ورقت) بعضا من صوره ايام شبابه وبعض من رسوماته التي تحكي قدرته وبراعته.

منزلهم ذلك التحفة والذي مازال يحتفظ بذكرياته وعبق اخوته واخواته عليهم الرحمة اجمعين.

ومازالت بعض من رسوماته التي مضي عليها اكثر من خمسين عاما تزين جدران بعض من ابناء كرن وعلى رأس هؤلاء العم بابكر الطاهر موسى والعم آدم سمكري وآخرون كثرلايتسع المجال لذكرهم.

دون مبالغة يعتبر احمد رائد الفن التشكيلي ليس على مستوى كرن بل على مستوي الوطن.

واقام عدة معارض بالعاصمة اسمرا عندما كان مدرسا بها هذا مايؤكد شهرته التي عمت البلاد.

الاستاذ احمد وظف موهبته في الرسم ليعبر بهاعن نضال شعبه ومقاومته للمستعمر البغيض. وكان مولعا بالسياسه حاله حال ابناء جيله الذين تصدوا للمستعمر وقاوموه بشتي الاصناف.

اشتهر احمد برسوماته الكاركاتيريه التي كانت تسخر من رأس النظام واعوانه وبكتاباته للمناشير والشعارات التي كانت
ترفض الاستعمار وتحرض الشعب على مقاومته بشتى السبل.

كانت له طابعة صغيره يدويه يطبع بها المناشير والرسومات ويوزعها علي الطلبة ليقوموا بنشرها وتوزيعها علي الطرقات والصاقهاعلي الحوائط والجدران.

كانت هذه الملصقات تقض مضاجع المستعمرين ومرتزقتهم يبحثون عن مصادرها ومن قاموا بتوزيعها ولكن دون جدوى.

رسوماته وملابسات اعتقاله:

تزايدة وتيرة المقاومة للمستعمر وبشتى السبل في الداخل والخارج وكانت حالة المقاومين بالداخل اصعب وعرضت الكثيرين منهم للموت او الاعتقال وكان العم احمد بلال من مقاومي الداخل بريشته الذهبيه التي اصابت المستعمرين بالجنون فبدؤا بالبحث عن المقاومين بالداخل وبسعي حثيث حيث كانت دورياتهم في داخل المدن والارياف تجوب البلاد طولا وعرضا.

وجدت صور موزعه في الشوارع وبعضها ملصق صور كاريكاتيريه تسيئ لرأس النظام. وهو الامبراطور هيلي سلاسي
تقول بعض الآراء. وجدت صور كاريكاتيريه تظهر الامبراطور هيلي سلاسي وهويتسول.

رأي آخر يقول وزعت مناشير باللغتين العربيةوالتجرينيه تحرض على المقاومه والتصدي في شوارع كرن وزادت هذه المناشير يوما اثر يوم.

وبعض الآراء ـ وقدتكون الاقوىـ تقول وزعت صورمهينة للامبراطور وهو يقود حمارا يعتلي صهوته رئيس الولاياة المتحدة آنذك جون كندي فجن جنونهم وبدءو البحث عن هذاالرسام الخطير.

قال البعض منهم لايوجد رسام بارع يرسم وبهذا الاسلوب البارع سوى احمد بلال.

وشى بأحمد احد المعلمين في اسمرا وتم ضبط الطابعه في منزل الاستاذ احمد وذلك مماادى الي اعتقاله.

اقتيد احمد الى مكان مجهول لم يستطع ان يعرف احد مكان اعتقاله وباءت كل المحاولاة بالفشل.

ذكرت لي العمة فاطمة ارملة المرحوم محمود بلال شقيق احمد بلال قائلة كنا في رحلة استشفاء بأحد اولادي في مستشفي اسمرا ومعي شقيقة احمد وهي سعديه بلال وقع علينا خبر اعتقاله مثل الصاعقه لم نألوا جهدا للبحث عن مكان اعتقاله
ولكن دون العثور علي اي اثر له.

كان وقع اعتقاله على الاسرة كوقع الصاعقه احمد الذي احتل مكانة مرموقة وسط مجتمعه معلما ورساما يشار اليه بالبنان ورياضيا ووطنيا غيور.

اختفى واعتقل على ايدي زبانية الطور سراويت وحوش لايرحمون لاتهمهم مكانته العلميه ولا الأدبيه، كل همهم تكميم الأفواه والقتل والاعتقال بمجرد ان توجه اليك تهمة انه الاحتلال في ابشع صوره.

اسرة سيدنا بلال ساد فيها الحزن والوجوم وشاع خبر اعتقاله وتناقلته الالسن وعم القرى والحضر اعتقل هو وبعض الطلبه المناهضين لهذاالاحتلال البغيض اختفت اخبار الاستاذ احمد تماما اخوته واخواته لم يألوا جهدا في البحث عنه.

اخته سعديه وفاطمة صالح زوجة اخيه محمود نسين قدومهن الى مستشفى الى دار الشفاء بأسمرا تركن ابنهن المريض مع احدى النزيلات وبدأن البحث عن احمد.

الدموع الغزار كانت عزائهن للتخفيف عن هذه النازلة واخوته عبدالله ومحمود وبشير بدورهم بحثوا عنه في معظم السجون المشهورة المعدة للتعذيب وكانوا يعودون دون العثور علي خبر او اثر واخيرا بعد مدة من الزمن تأرجحت فيها اوضاع الاسرة وجدوا البشارة.

لقد كان في شخص المرحوم الدكتور صالح مكي ـ وزير الصحة السابق في الحكومة الارتريه ـ والذي كانت تربطه صلة قرابة بالاسرة سببا في اكتشاف مكان اعتقاله.

حيث كان صالح مكي آنذاك يعمل في مجال التمريض وكان يجوب السجون لمعالجة المعتقلين في العاصمة اسمرا ولم تكن له سابق معرفة بأحمدبلال حسب ماروت لي الخاله فاطمة صالح محمود.

سأل صالح مكي احد المعتقلين هل تعرف شخصا اسمه احمد بلال ؟ فرد عليه احمد انا هوذلك الشخص الذي تبحث عنه.

لتكلل مساعي الاسرة الحزينة بالنجاح.

وكان مكان اعتقاله في قلعة فورتو والتي بها الآن دار الاذاعة الارتريه.

اطمأن صالح مكي على حاله وقام بتسهيل مقابلة اخته سعديه وزوجة اخيه فاطمة وكن يتناوبن على زيارته من وقت لآخر
وحتى لايكتشف امرهن احيانا كن يزرنه وهُنَّ متنكرات بزي ممرضاة حتي اخوته سجلوا له الزيارات تلو الاخري
ولكن عندما اكتشفت السلطات معرفة اسرته بمحل اعتقاله وزياراتهم المتكررة قاموا بنقله الى اثيوبيا فورا.

كانت المفاجأة الصادمه لسعديه وفاطمة عندما جئن كعادتهن لزيارته لم يجدن احمد ذهلن عندما اخبروهن بنقله الى اديس اببا قام احدالرجال بتسليمهم بعض من لوحاته التي كان يتسلى برسمها داخل السجن رفضن استلامها ونزلن بسرعه من تلك القلعة والدموع قد غطت وجوههن، صعب تقبل هذا النقل علي اسرة الشيخ بلال.

نقل احمد الي اثيوبيا حيث سجن (اربا منجي) المشهور وماادراك بسجن اربا منجي اللعين انه اشهر سجون التعذيب في اثيوبيا حيث يقع بالقرب من حدود كينيا وترجمة اربامنجي كافية لتقشعر من ذكراسمها الابدان وتعني (الاربعين مستنقع).

وحسب ماافادني به الاخ عبد العزيز محمدادريس عبي من معلومات وهو جار احمد بلال في كرن قال لي عبد العزيز ان
(اربامنشي) هي قريه اومنطقه عبارة عن غابة تتوسطها بحيرة ملآى بالتماسيح والسجن في ذاك المكان المخيف وحتي السجين يهبط اليها عبر الطائرة.

تصوروا معي قساوة المستعمر ؟! الغابة كما هو معلوم ملآى بكل اصناف الوحوش (الاسود والفهود والنمور والذئاب)
يعني السجين من اين له ان يفكر بالهرب البحيرة مزرعة التماسيح امامه والغابة تحيط به من كل الاتجاهات.

قضى احمد في هذاالجب سبع سنوات ونصف عانا فيها ماعانا من شتي صنوف التعذيب والحرمان وكان سجنه في النصف الاخير من ستينيات القرن الماضي.

كانت عزاؤه فيها القراءة التي كان يحبها كان شغوفا بها وحسب ماافادني بمعلومات عنه ابن اخيه جعفر بشير بلال قال لي انه في السجن كان يحب القراءة بشتى انواعها لاسيما كتب القانون.

وكان نشطا داخل السجن حيث لم تغب عن باله يوما قضيته العادله والتي عانا من اجلها شتى صنوف العذاب وحضر وشاهد اعدامات مباشرة داخل السجن وكان اثر تلك الاعدامات والاعمال البربريه يلاحقه إلى ان توفاه الله.

عاش احمد بلال بكلية واحدة انتشرت اثناء سجنه مقولة ان احمد تعرض لسرقة احدى كليته اثناء فترة اعتقاله التي قاربت الثماني سنوات ومازالت هذه المقولة متداولة حتى اليوم.

حتي يتأكد من هذا الخبر سأل عبد الحميد محمود بلال عمه عن صحة هذه المقولة المنتشرة ؟

نفى احمد ان يكون تعرض لسرقة كليته في اثيوبيا واثبت لعبد الحميد ان الله خلقه بكلية واحدة دون ان يعاني من هذا النقص بل بالعكس احمد رغم كليته الواحدة كان قوي البنية يصرع كل من يواجهه وكما اسلفت احمد كان من الفتيان الذين ترتعد من مجابهتم فرائص الخصم وهذا ليس على الله بعزيز ان تعيش قويا وبكلية واحدة.

نواصل... في الجزء القادم 

Top
X

Right Click

No Right Click