ماهو الأصل اللغوي للحنونا؟

بقلم المؤرخ واللغوي الأستاذ الدكتور: محمد علي سليمان  المصدر: مجـلة بجـة الجنـوب

استجاية لرغبتكم بالإجابة عن الأصل اللغوي ومرجعية مسمى حنونا الاسم القديم للمزمار

الذي وجد في آثار حضارات: بابل وسومر واليمن ومصر القديمة ومروي.

وشكل الآلة المشار إليها بالصور تلك الآلة القديمة التي عُرفت عند رعاة الأغنام منذ أقدم العصور وحتى الآن.

عليه أقول أنَّ الهيروغليفية نقوش كُتبت بها اللغة السامية العربية الفطرة وغيرها من اللغات.

وثانياً: أنّ اللغات الأعراببة الأولى نشأت كوصف يتعلق بالمسمى ولا أدري لِمَ سمّي المزمار بهذا الاسم ولكن أدري تماماً لِمَ سُمّي حنونا قديماً لأنَّ السامية العربية الفطرة نشأت بصفة من المُسمّى ولهذا أؤكد أنَّ الحنونا كاسم فعلها متداول حتى الآن فى الألسنة العربية ومعلوم أن اللغات المتقادمة جدًا تُهْمَل أفعالها أمّا الأسماء تبقى أزماناً وحقباً طويلة وقد يعتريها بعضاً من التغيير ولكنها تبقى صامدة، فمكة هي مكة المكرمة حتى الآن رغم تسميتها قبل أربعة آلاف من الأعوام أمّا الفعل الذي يشتق منها مككت وتمكَّ فقد نُسي وأخذ الناس بتعبير آخر.

ولكن الحنونا اشتقاق أفعاله تتداول حتى الآن فى السامية العربية لأنها أم الساميات، فالحنونا من حَنَّ يَحِنُّ حَنّا والمسمى (حِنُونا) والحَنُّ في لغة العرب هو الصوت الرخيم الذي يأخذ بالألباب لرقة ولطافة نغماته والعرب في عصورهم الجاهلية كان لهم ما يُعرف بالقِداح وهي توضع على إناء ماء واسع وتضرب بعصا فتخرج أصواتاً ولكن لا يقولون صوت بل "حَن" فعندما تُضرب وتُسمع أصواتها كانوا يقولون حَنَّت القِداح وهي تُضرب للتنبؤ بما سيحدث لهم لتفاديه حسب اعتقادهم الفاسد، ولأن القِداح التى تُضرب من جنس معدن ومواد بعينها تخرج حنناً معلومة فإذا دخل قدح من معدن غير المألوف وضربوه عفواً دون علم فهو يخرج صوتا غريباً فيوقفوا الضرب بقولهم حَنَّ قدح ليس منها!

ذلك تراث السابقين من الشعوب العربية وقد أصبحت هذه الجملة (حَنَّ قدح ليس منها) مثلاً للعرب قديماً فإذا دخل رجل فى مجلس ولغته غير لغة القوم حتى لو كانت من لهجات العرب ولكن لَكْنتها مختلفة فإنه إذا دخل الرجل بالحديث معهم وأحسوا أن هرجه ليس هرجهم قالوا عنه فيما بينهم "حَنَّ قدح ليس منها" والحنونا آلة تخرج حَنّا لطيفاً وهى آلة تلازم الرعاة خاصة فى فصل الخريف والرببع عندما تكتسي الأرض بالعشب الأخضر وتصير الأشجار خضراء رائعة والأغنام ترعى فحتى لا تتفرق ينفخ الرعاة الحنونا فتسمع الغنم هذا الصوت الرخيم فتأكل حوله ولا تتفرق، يا أبنائي وإخوتى هناك أوصاف عدة لكلمات فى السامية العربية تعطي معاني متقاربة.

ومثال لذلك: العطف والاشفاق والحنان وهذه المفردات الثلاث تشير إلى الرحمة بالشئ، وكلها جاءت وصفاً للرحمة ولكنها مأخوذة من بيئة العرب، فالعطف هو أن تميل على شخص صغيراً كان أو كبيراً وتنعطف عليه لتحميه بجسمك حتى لا يتضرر بالبرد أو بالحر أو تحميه من شيء آخر.

أمّا الاشفاق فهو مأخوذ من الشجرة الكثيفة الأوراق والفروع والمتدلية نحو الأسفل فإذا دخل شخص تحت تلك الشجرة فهي تحميه من الأعداء لأنها شجرة شافقة.

أمّا الحَنُّ والحنان والمَحنّة فهى أوصاف لمعنى الرحمة ولكن يصاحبها كلام جميل رائع يظهر حُباً وتعاطفاً بكلام وأصوات حنينة والحنان هو محبة وتعاطف قد تتفجر أدباً وشعراً عذباً.

ومن أمثال العرب فى عصورهم الأولى يقال للشخص الفقير جداً الذي لا يملك مالاً ولا مساعدة من أحد يقولون عنه: فلان لا له آنَّه، ولا له حَانَّة. فالآنّة الخادمة التى تئن بسبب الخدمة لسيدها.

والحانَّة هي النوق التى منها الإدرار والغذاء ولأنَّ النوق عُرفت بالحنان لأولادها وبالوله، وهي الحيوان الوحيد الذى تتدفق منه الدموع حين يموت ولدها الصغير لذا سمّوها حانّة.

يا أبنائى بقى أن تعرفوا أن الحنونا هو بنفس الاسم وبنفس المعنى فى لغة بني عامر حتى الآن، وقد قال الشاعر العامري الأديب حامد عبدالله: (إت قضارف هليكو بلد راديوتات حنن ودّي لأبياتو)، وإنَّ اللغة العرببة الفصحى بتقادم الأزمان تحولت الكلمات فيها من الوصف البيئي المحسوس إلى كلمات مجردة من الحس فأصبحت معنى بلا إحساس.

فكلمة الشفقة جاءت من شفقة الأشجار، والعطف هو الميل، والحنان هو رحمة بالاصوات. أمّا لغة بني عامر حتى الآن تحتفظ بالوصفية وبدلالة الكلمات العرببة الأولى، ولهذا تعتبر هي المرجع الأصل للغات العرب وتشاطرها في ذلك اللغة الأكادية ولغات اليمن.

آلة الناي حِنُونا:

آلة الناي من الآلات الهوائية التي تستخدم في موسيقى بجة الجنوب وتسمى بلغة التجرايت (حِنُونا).

كانت تُصنع من جذور أشجار التواي أو العقبا أو السيال وأيضاً من أخشاب الأندراب، حيث تتميز هذه الأشجار بأنها مستقيمة ولا توجد بها زوائد ونتوءات، أمّا الآن فتصنع من الحديد الخفيف.

وتُؤدى بآلة الـ(حِنُونا) عدة معزوفات مثل:

1. معزوفة نداء الأغنام (أمبيلهو).

2. معزوفة سير الأبقار (دروبت).

3. معزوفة قدلة العروس (هيرار مَرعي).

4. وهناك أيضاً معزوفات للإبل ومعزوفات شخصية يؤلفها عازفو الناي.

5. كما يعزفون بالناي معزوفات متعددة أثناء جلسات السمر.

المزامير (حِنونا) في الحضارات القديمة:

تعتبر المزامير من الآلات الموسيقية الأساسية في العالم القديم وقد ظهرت في لوحات سومر وبابل (حضارة بلاد الرافدين) وفي جداريات حضارة كمت (مصر القديمة).

وكانت تُصنع من قطع العظام أو الأخشاب.

وقد عثرت بعثة متحف بوسطن للفنون الجميلة الأمريكية في عام 1921م على خبيئة مزامير بمروي يعود تاريخها إلى 20 ق. م في الهرم رقم 60 (هرم الملكة أماني شختي)، ووجدت المزامير المروية في حالة متكسرة.

Top
X

Right Click

No Right Click