اجتماعات و مؤتمرات أبناء بيت طوقي في شجرة فيشو
بقلم المناضل الأستاذ: أحمد هبتيس - كاتب ارتري، ملبورن أستراليا
افتخار المرء بأصله أولى من أن يفتخر بفضله.. شجرة "فيشو" الشهيرة لاجتماعات ومؤتمرات
أبناء بيت طوقي هي شجرة يعود تاريخها إلى مئات السنين، تتوسط هذه الشجرة (سوق فيشو)، في شارع رئيسى يمتد من مكتب الادارة الأهلية سابقاً والمدراسه القديمه إلي وادي قابول أمام مقهى العم إبراهيم جنجر رحمة الله عليه الجوار لمحطة الباصات القديمة ويلتقي بالطريق العام الذي يؤدي إلي (كرن) ويساراً إلي (ملبسو)، شجرة كبيرة جذورها عميقة وفروعها عملاقة، انتابني إحساس مؤلم و أخشى أن تكون قد أصبحت من المهملات لأني لم أراها ضمن معالم حلحل وهي كانت في غاية الأهمية لأبناء بيت طوقي.
وتُعتبر واحدةٍ من أنواع أشجار التين التي عندنا منها في حلحل ثلاث أنواع من عائلة تلك الشجرة، أسماؤها بالبلين (بانفاء) و (درقونا) و (تلقوسى) كانت هذه الشجرة بمثابة مقر برلمان في المنطقة أو دار القضاء لأبناء بيت طوقي يقصدونها أبنائها من كل بقاع الأرض للاجتماعات العامه، وهناك فروع على سبيل المثال شجرة للتجمع في (ترخبي) وأخرى في (ماي اوالد) و(اكبت) وفي (بيان) وفي (وادي سسلخ)، (وبراكنتيا) وفي (مطلل) و (مقارح) وغيرها في عدة مناطق أخرى، ولكن المقر الرئيسي فيشو، وعندما أصفها بمثابة البرلمان لهذه الشجرة لم أكن مخطئا أو مبالغاً في القول، إنما كانت تحوي هذه الشجرة مجتمع له تاريخ عريق يتكون من عدد تسعة عمُودية أي تسعة عمدة تحت نظارة واحدة.
وزِذْ على ذالك شيوخ القبائل والوكلاء واللجان العليا وكبار الوجهاء فكانوا يجتمع الكم الهائل من الشعب تحت ظل هذه الشجرة ليقرروا مصير الشعب.
وتتعجب عندما تستمع الكيفية التي يتداولون بها الحديث فيما بينهم، ويتبادلونَ النقاش بكل هدوء والاحترام والتواضع، والجميع يستمع و ينتظر حتى يأتي دوره للتحدث وهم آخذين في الاعتبار ظروف حياة المجتمع الذي هم جزء منه.
وهنا قد حاولت التقريب بمقارنة مجالس مجتمعنا بمجالس الآخرين، ولم أجد شبه وجه مقارنة بما كنا نسمعه ونشاهده في البلد ونحن صغار، وهذه المقارنة ليست من الجانب الإقتصادي أو التطور التكنولوجي والعلمي، فإنه ببرلمانات دول المتقدمة ولا سيما التي تدعي انها ديمقراطية، في كثير من الأحيان نشاهد في نقاشاتهم معارك طاحنة بالشتائم و ثم تتحول إلي ضرباً بالكراسي فيما بينهم أثناء اجتماعاتهم.
ونحن بالرغم إنّنا شعب لم نصل إلى ما وصلوا إليه من التقدم العلمي ولكن لا بد من الإشارة هنا، أن الآباء والأجداد قد مروا بتجارب ومواقف كثيرة غُرست في دواخلنا ومن أهمها طريقة وضع أحكام تناسب لجميع المستويات، وقد كان في مجتمعنا مهارات لحل المشاكل بالخبرة والحكمة، هناك كم من قصص رائعة تكشف لنا مدى عظمة تحضر تاريخ هذا المكون البليناوي الطوقيتاوي، وانها واحدة من تراث طوقي الذي وجدناه ذات الجذور من الأجداد ومثلها الكثير من العادات والتقاليد والقوانين في ربوع ارتريا، حتى وان كانت بعض فروقات من منطقة إلى أخرى ولكن الروابط آلتي تجمعنا أكبر، نحن شعب بعضنا من بعض وأنا أتحدث عن منطقة واحدة من الوطن الكبير وهي مسقط رأسي.
و بحكم معرفتي الكثير من التفاصيل عنها وللتوضيح أكثر أن هذه المنطقة التي أتحدث عنها يوجد فيها من كل التنوعات السكانية الاريترية منذ مئات السنين، وذالك من المرتفعات والمنخفضات من (دنكاليا) و(البحر الأحمر) من الساحل و(بركه) ومن جميع الأقاليم الارترية ومن كل المكونات دون استثناء.
وكل من يسكن هذه المناطق يعتبر جزء لا يتجزأ منها في العادات والتقاليد والقوانين وفي الحقوق والواجبات، وهذا إذا دل فإنما يدل على وحدة هذا الشعب، ولم يكن هذا الكلام جديداً بل منذ الأزل، و أما بعد انطلاقة الثورة توطدت العلاقات أكثر وتجمعت الناس بظروف النضال المشترك.
هذه مقدمة مبسطه ولكن الأمر الذي دفعني لكتابة هذه السطور سوف نتطرقُ إليه الآن وهو كالآتي:-
قبل فترة، شاهدت كما شاهد عدد كبير من الناس على وسائل التواصل الاجتماعي مجموعة من الإعلامين التابعين لتلفزيون النظام الارتري، الذين استقلوا سياراتهم من ميدان (جيرا فيوري~ كرن)، لتسجيل زيارة إلى حلحل، وبدأوا التصوير في بعض الأماكن أطراف الطريق، مواقع بسيطه في (عنسبا) ومن ثم قليل في (باب جنقرين)، وعندما وصلوا في (رورا حلحل) لم يتم تصوير يذكر إلي أن اقتربوا مقابل سد المياه في ماي (كلم) فصوروا السد فقط، و قد مروا الي (مدخل فيشو) أمام مركز الشرطة ثم مدافن الشهداء، وأيضاً خطوتين إلي الأمام على اليمين من الطريق بستان عمنا ( ادريس حكيم) رحمة الله عليه، وعلى اليسار بستان عمنا (تسفالدات بره) فعبرت تلك الجماعه بأسرع ما يمكن و شقوا طريقهم دون تصوير، في حين أن هناك كثير من المواقع هامه كان من المفترض تصويرها لعكس خلفيتها إلى الجماهير إن أمكن وطبعاً هذا لم يكن من اهتماماتهم هذا من ناحية ومن ناحية أخرى الجماعه يبدو كان عندهم مهمه غير قابلة التأخير والتأجيل!!!
فذهبوا إلي (سلطانخ) مباشرةً بحثاً للعثور على بواقي حجارة الأتراك، ولا أريد التعليق علي المناظر التي شاهدتموها بأنفسكم، ولكن أثر في نفسي إشادتهم بنضالات وصمود حلحل أمام العدو الأثيوبي من "عام ١٩٨٢ إلي ١٩٩١"؟؟!
هذا الكلام الذي قيل في المكان سمعه الجميع عندما كانوا يتحدثون عن دور نضالات هذه المنطقة من ١٩٨٢ إلى ١٩٩١م ويبدو أن الغرض من الزيارة كانت لتوصيل رسالة، بدليل أن الرجل الكبير عندما ذكر إسم جبهة التحرير الارترية لقد كادوا أن ينتزعونَ من طرف لسانهِ هذا الإسم ويعيدوها إلي فمهِ ليبلعها، ولكن الرجل تصرف بالذكاء عندما رأي نظراتهم و قد أحْمرت أعينهم وانتفش شعرهم، فغير اللهجه و العنوان لكي يسلم بجلدهِ.
و للأسف أولئك قوم يجهلون التاريخ بل يتجاهلون الحقائق، فكيف عرفوا تاريخ حجارة سلطانخ ومكانها، ولم يعلموا شهداء أبناء هذه المنطقة؟! وأن سلطانخ هي مسقط رأس الشهيد القائد البطل (محمد إدريس حاج) القائد الثاني بعد الشهيد القائد (حامد إدريس عواتي) ومسقط رأس الشهيد المناضل البطل (حامد جمع همد) نائب قائد المنطقة الثالثة، و الشهيد البطل المناضل (عبدالله اجاك) وكثيرون غيرهم من المناضلين والشهداء، وأبناء سلطانخ و أما القرى المجاورة لها عدد كبير من الشهداء وفي مقدمتهم الشهيد البطل القائد (عثمان صالح علي) والمناضل (عثمان خليفة) و(المناضل عثمان محمد نور المعروف بحف كف) والمناضل (عبدالقادر اب خيمة) والمناضل (الفدائ يعقوب آدم) والمناضل (محمود كدان) و القائمه تطول هذا في سلطانخ، وحواليها، ناهيك عن باقي حلحل التي قدمت الآلاف من الشهداء، و فى مقدمتهم الشهيد القائد البطل (عمر حامد ازاز) رحمة الله عليهم أجمعين، وهكذا سمعنا لقد تم تقليص دور نضالات هذه المنطقة فقط إلي التسعة سنوات الأخيرة من الكفاح المسلح!
يا أسفاه! يا أسفاه! على هذا التهميش بل تزييف تاريخ الشعب و الشهداء، و يتامرون ولا يتورعون هذه سماتهم وصفاتهم، و لقد اتوا ليبحثوا بواقي حجارة الأتراك، ومن الأفضل أن يبحثوا على الإنسان إبن هذه المنطقة وتاريخه وعندما نقول هذا الكلام ليس اعتراضاً لبحث الآثار التي خلفها الاستعمار، ولكن يجب البحث عن الأولويات.
فليذهبوا و يبحثوا عن بواقي حجارة الأتراك وحجارة الاغرييق والفنيقيين والبرتغال وغيرها، ولكن ليس على حساب تاريخ أجدادنا وتأريخ قياداتنا الأبطال وشهدئنا الأبرار!
وقد تم استنكار وشجب من قبل بعض الأخوة المناضلين في التواصل الاجتماعي عندما سمعوا وشاهدوا هذا التسجيل بالصوت والصورة وهم لم يكونوا من أبناء المنطقة بل كانوا جزء من معاركها و احداثها وضمن الاخرين ومن خلال معرفتهم دور نضالات حلحل وتاريخها البطولي وشهداءها الميامين.
الي هنا نكون قد توصلنا لنهاية مقالنا وبالاشارة إلي ما تحدثنا عنه حول البحث عن الآثار، هكذا تنمو العيوب عندما تتضاءل الحكمة والمعرفة.