تاريخ الفرقة الفنية لقوات التحرير الشعبية - الحلقة الثانية
بقلم الفنان المناضل: عبدلله عثمان اندول
إستغرقت الرحلة إلى معسكر بليقات زهاء الأربعة ليالمتتالية من نقطة تحركنا في قرورة
التي كُنّا قد قضينا فيها ثلاثة أيام وأحيينا فيها حفلتين كبيرتين لقيتا إستحسانا جماهيراً مقدرا ومنها حزمنا أمتعنا والاتنا الموسيقية على ظهر جمال وإنطلقنا صوب الداخل الأرتري مشياً على الأقدام برفقة المناضل حماسيناي مع طوفه المسلح وكان مكلفاً بمهمة حراسة وحماية الفرقة وإيصالها الى بليقات. وعملاً بتوجيهات المناضل حماسيناي كنّا نمشي ليلاً ونستريح نهارا تفادياً لطيران العدو الذي يستهدف كل من يتحرك في النهار. وبعد مسيرة ليلة كاملة، وصلنا الى معسكر "مبأ" وقضينا نهارنا هناك لننطلق في جنح الظلام مرة أخرى ونستأنف سيرنا، وهكذا مررنا بمعسكري "مداقح" و "ودقان" خلال مسيرة الليلة الثانية والثالثة على التوالي وبعد مسيرة ليلتنا الرابعة، وصلنا الى محطتنا الأخيرة وهي معسكربليقات الإستراتيجي الذائع الصيت في ذلك الوقت.
يقع معسكر بليقات وسط سلسلة جبلية تحيط به من كل الاتجاهات ويسير في واديه خور بليقات الذي تشكل مياهه الجارية مصدراً مائياً رئيسيا للمعسكربكامله. وكان معسكر بليقات يضج بالنشاط والحيوية والحركة الدائمة كونه المعسكرالرئيسي للتنظيم وتكمن أهميته أيضا في كونه مقراً رئيسيا للقيادة المتمثلة في اللجنة الإدارية لقوات التحرير الشعبية بالميدان كما أنها المقر الرئيسي لمعظم أجهزة التنظيم في الميدان. وحسب إفادات بعض المناضلين في المعسكر، أنشئ المعسكر في العام 1972 أثناء الحرب الأهلية الملعونة في ذلك الموقع الإستراتيجي "بليقات" لأنه محاط بسلسلة جبلية تشكل دفاعات طبيعية لأي هجوم قد يقدم عليه العدو، وتم فيه بناء بيوت من الحجارة ومعرشة بالخيم تمويها لطيران العدو، كما تم حفر الخنادق في أنحاء المعسكر.
إستقبلنا في المعسكركل من المناضلين محمد عمر أبو طيارة وأبو عجاج وسلمون ولدي ماريام ومحمد على عمرو وعقدوا إجتماعا موسعا مع الفرقة تم فيه تنويرنا بأوضاع الميدان وشرحوا لنا القضايا الراهنة حينها وناقشوا معنا الدور المتوقع منّا أدائه كفرقة فنية مكرسة طاقاتها وإمكانياتها لخدمة القضية الوطنية.
إنخرطنا فورا في التدريب العسكري لمدة ستة أشهرعلى يد المناضلين سار دار وتمسفن ودي برهي وكان الأخير من أبناء تسني وكان يجيد اللغة العربية بطلاقة تامة، تلتها فترة تثقيف سياسي مكثف ولم نجد خلال هاتين الفترتين أيّة فرصة زمنية لأداء البروفات الموسيقية.
مثل غيرنا من المستجدين خضعنا لتدريب عسكري شاق وصارم وكانت ساعاته طويلة جدا تبدأ من الصباح الباكر قبل تناول وجبة الفطور ويستمر لساعات معينة لنتوقف بعدها لفترة من الزمن نأخذ فيها إستراحة الفطور ونستأنف برنامج التدريب مرةً أُخرى وهكذا دواليك.
بعد إكمال فترتي التدريب والتثقيف السياسي، بدأنا أنشطة البروفات الموسيقية اليومية التي تتمثل في التأليف الموسيقي ونسج الألحان وإختيارالنصوص الشعرية والغنائية والتدرب على العزف والرقصات والتمثيل.
كانت الحياة اليومية في (بليقات) صعبة للغاية لأن المعسكر كان هدفاً يومياً للطيران الأثيوبي الذي دأب على مهاجمته بمعدل طلعتين هجوميتين في اليوم على الأقل صباحا ومساء، وكانت المضادات الأرضية للتنظيم تتصدى للطائرات المهاجمة وتبعدها عن المعسكر وهكذا، يعاود طيران العدو القصف مرة أخرى مما يقيد الحركة في ساعات معينة من أوقات النهار.
كانت صافرات الإتذار تدوي في أنحاء المعسكر لتعطي الاشارة للأستعداد والإحتماء بالخنادق وإإتخاذ موقع الدفاع فيها قبل نحو ربع ساعة من وقوع كل هجوم جوي، وكانت شبكة المدفعية المكونة من الأسلحة الثقيلة كالبراون والدوشكات الموزعة حول المعسكر تقف بالمرصاد لتلك الطائرات المهاجمة وتطلق عليها وابل من ذخيرة المدفعية المضادة للطائرات وتجبرها على الإبتعاد عن المعسكر.
نالت الرياضة في بليقات حظها من الإهتمام في المعسكر فقد كانت تجرى الأنشطة الرياضية في الميدان الرياضي للمعسكر الذي كانت تقام فيه منافسات كرة القدم بشكل دوري بين فرق الأجهزة وكان يستخدم الميدان أيضا لإستضافة إجتماعات عامة أذكر منها إجتماعا كبيرا عُقِد بمناسبة زيارة السيد ولدي اب ولدي ماريام تلى ذلك إجتماعا كبيرا أخرا عُقِد عند زيارة رئيس البعثة الخارجية السيد عثمان صالح سبي يرافقه المناضل محمد سعيد ناود.
نواصل بإذن المولى... في الـحـلـقـة الـقـادمـة