دور الفن والأدب في الثورة الإرترية - الجزء الاول
بقلم الأستاذ: محمد سعيد ناود
كان للفن والأدب بأنواعه دوراً هاماً في الثورة الإرترية ويعود ذلك لعاملين:-
العامل الداخلي الإرتري:
لم يكن ذلك بدعة أو تقليدا للآخرين عندما تستفيد الثورة الإرترية من العامل الداخلي.
فضمن تقاليد وتراث الشعب الإرتري بكل قومياته وقبائله ولغاته العديدة تسجيل الأحداث شعرا وغناء، وبالذات في المدح والقدح وتمجيد البطولة، وذكر المعارك والحض على الكرم واستهجان البخل والجبن والكذب وإبراز الخصال الحميدة، والدفاع عن الأرض والعرض. وبما أن من قاموا بالثورة وأشعلوا فتيلها وأصبحوا قياداتها ووقودها هم أبناء هذا الشعب فقد انعكس ذلك في التعبير عنه في مجال الفن والأدب في الثورة، بل وانه وقبل اندلاع الثورة فقد كانت هناك إرهاصات لها تتمثل في بعض الأغاني ومثالا لذلك أغنية الفنان ”اتو ابرها“ التي يقول فيها ”عدي عد جيقانو“ أي ”وطني وطن الأبطال“ والذي تغنى لإرتريا بكل أراضيها وحدودها، كما أن بعض الشعراء قدموا مرثيات لشهيد الحرية عبد القادر كبيري الذي اغتالته الأيدي الإثيوبية الآثمة التي كانت تسعى لابتلاع ارتريا في وقت مبكر وقبل الفيدرالية.
ومن الأحداث الملهمة والمؤثرة والمحفورة في ذاكرة الشعب الإرتري، ذكريات معاناة الشعب الإرتري في ظل ايطاليا الفاشستية مثل التمييز اللوني العنصري، التجنيد الإجباري للشباب الإرتري والدفع بهم في حروبها في عدد من الجبهات، أعمال السخرة، سجن نخرة سيء السمعة الذي كان يساق إليه الأحرار من الإرتريين من شتى أنحاء إرتريا، والذين أرهقت أرواح الكثيرين منهم في ذلك السجن الرهيب.
العامل الخارجي:
بنهاية الحرب العالمية الثانية نهضت حركات التحرر الوطني في كل المستعمرات في أفريقيا وآسيا، وحتى في أمريكا اللاتينية. وكان من أبرزها ثورة المليون شهيد في الجزائر، ثورة الماو ماو في كينيا بقيادة جومو كنياتا، وانعكس ذلك في مؤتمر باندونج المنعقد في إندونيسيا. والأسماء البارزة من الزعماء المقاومين للاستعمار، نذكر منهم جمال عبد الناصر من مصر، جواهر لال نهرو من الهند، أحمد سوكارنو من إندونيسيا وفي أفريقيا أحمد سيكتوري من غينيا، وكوامي نكروما من غانا، جوزيف بروس تيتو من يوغسلافيا. وكان ذلك يمثل إلهاما للشعوب في نضالها ضد الاستعمار. كما أن إرتريا كانت مواكبة لكل ذلك، وأن ثورتها اندلعت في نفس الفترة التي شهدت مدا في حركات التحرر الوطني في العالم.
الراحل ”شيبون“ وهو من القوى التقدمية السودانية، مهداة للفتاة الإرترية وكان ذلك بمثابة تشجيعها للأشتراك في الثورة والنضال الى جانب الرجل. كان ذلك عندما لم تكن أي فتاة أرترية قد حملت السلاح في الميدان، ونرى التطور المذهل الذي جرى بعدئذٍ عندما أصبح ثلث أعداد الجيش الشعبي لتحرير أرتريا من النساء. الأمر الذي لم يكن مسبوقا أو متوقعا حدوثه لدى أكثر المتفائلين في بداية الثورة، وأن الشهيدات من بينهن وكذلك المعوقات لاحصر لهن، ولأهمية تلك القصيدة أذكرها كاملة وهي تقول:
يافتاتي في غد سوف نجتاح السدود
فالشباب اذا أصر فليس توقفه القيود
يافتاتي عن قريب قد تعشقت الجموع
سوف نمضي واثقين نحو مجتمع سعيد
****** ****** ******
فأنشري الوعي قويا بين هاتيك الربوع
وأبعثي الفرحة فيها وأدفعي عنها الخنوع
يافتاتي أنا حر قد تعشقت الجموع
فأعشقيها أنت مثلي وأمسحي عنها الدموع
****** ****** ******
كم رغبنا عن عروض وأبتسامات خليعة
نحن لانبغي متاعا بل علاقات منيعة
نحن لسنا في الحياة كفراشات وديعة
انما نحن وقود وجنود في الطليعة
****** ****** ******
نحن نار ومنار سوف نهدي السالكين
ليس في الدنيا مكان للجبان المستكين
فأطرحي اليأس بعيدا وهراء اليائسين
وأضربي ضربة حر في وجوه العابثين
****** ****** ******
كم خليع في بلادي يحسب الحب ذنوب
أو متاعا يشتريه كل عربيد لعوب
فهو للناس سلام لاتروعه الحروب
وصراع وأنتصار وحياة للشعوب
يافتاتي أنت نور شعاع دفاق السنا
فأسكبيه يافتاتي لنحرر شعبنا
هذه أرضك أنت وهي أيضا لي أنا
والربيع ليس يوهب بل سنصنعه هنا
النموذج الثاني:
أما في مجال القصة فقد كانت أيضا بعض المساهمات الا أن أبرزها كانت ”قصة رحلة الشتاء ـ صالح“ بقلم محمد سعيد ناود حسب شهادة النقاد والمعلقين وملخص تلك القصة فأنها تقوم أولا بالتطرق للعادات والتقاليد وتصويرها بدقة. تطرقت أيضا للتجنيد الإجباري الذي مارسه الإيطاليون بتجنيد الشباب الأرتري في حروبهم. أيضا تناولت الحرب العالمية الثانية وتأثيرها على الأرتريين، عملية الهجرة من الوطن والزحف الى السودان بسبب تلك الحرب وماسببته من مجاعة وأنعدام الضروريات، كما قامت بتصوير حياة الأرتريين الذين كانوا يعملون في مزراع القطن في دلتا طوكر والأستغلال الذي كانوا يتعرضون له بواسطة كبار المزارعين من ملاك الأراضي، كيف يتعرض الأرتري الى الأهانة وعدم التقدير عندما يتجاوز حدود وطنه الى وطن آخر، كما كانت تلك القصة تشير الى الأرهاصات بأندلاع الثورة الأرترية عندما بدأ الطغيان الأثيوبي.
وتلك القصة التي صدرت في سبعينيات القرن الماضي وجدت رواجا كبيرا من ذلك الجيل من القراء الأرتريين سواء كان عن طريق نشرها في حلقات بصحيفة ”الثورة“ أو بعد طباعتها في كتاب وذلك الجيل لازال متأثرا بها حتى اليوم.
النموذج الثالث:
اذا كان النموذج الأول من السودان الشقيق والجار في شكل قصيدة مهداة للفتاة الأرترية، فقد جاء النموذج الثالث أيضا شعرا وهو من فلسطين الشقيقة أرضا وشعبا وقضية وثورة رغم بعد المسافة. أنه من الشاعر سميح القاسم توأم الروح والشعر والهدف والطموح للراحل المقيم الشاعر محمود درويش. وكلاهما من القوى التقدمية بل تلازما لفترة في عضوية الحزب الشيوعي الأسرائيلي، كما كانت لهما صولات وجولات وسط القوى التقدمية العالمية بل ووسط القوى الوطنية العربية من المحيط الى الخليج. ولذا فأن قصيدة سميح القاسم كانت دعما للثورة الأرترية بل والدفع بها الى دائرة الضوء والتعريف بها لقراء شعره أينما وجدوا وما أكثرهم والقصيدة تقول:
أرتريـا
سمعت عن صبية
تغوص في دمائها
تمسح الغبار والدموع عن أبوابها
وتطرد الأشباح عن سمائها
وقيل أن وجهها
ينضح بالخصوبة
والشمس والعروبة
فمن هي؟
أرتريـا
أرتريا ياغابة مشتعلة
وقمة تكسر عنف عاصفة
ياصرخة غاضبة وقنبلة
ياساعدا وسنبلة
حبيبتي أنت أذن
وفيك مثل مابيا
من العذاب في الهوى وفي الوطن
أرتريــا
أرتريـا الى اللقاء... أننا نحفر مجرى الزمن
وندفع الثمن
النموذج الرابع:
الأنتاج الأرتري من الشعر أثناء الثورة عندما ظهرت الفرق الفنية الأرترية في مرحلة الثورة بتقديمها للفنون الغنائية مع الرقصات المتنوعة فقد بدأ بعض الأصدقلء الظرفاء بالتعليق قائلين: ”أن الشعب الإرتري شعب راقص“. وكان ذلك تعبيرا عن الأعجاب، والآن يحق لي القول ”أن الشعب الأرتري شعب ينجب الشعراء“ دليلا على الأحساس المرهف.
وبالعودة الى تراثنا بكل لغاتنا لمختلف قومياتنا ومراجعة التراث الشعري سيتأكد من صحة هذه المقولة. وقد ثبت ذلك ببروز الكثير من الشعراء في ساحتنا عندما كانت ثورتنا مشتعلة، وقد كان القاسم المشترك بين هؤلاء الشعراء أنهم جميعا كانوا يعبرون عن اللوعة والبعاد عن الوطن والحنين أليه... التحريض ضد العدو وأستنهاض الجماهير الأرترية لمقاومته... تمجيد الثوار والثورة والتبشير بتحقيق الأنتصار وميلاد الدولة الأرترية المستقلة وهذه الأحاسيس التي عبر عنها شعراؤنا بصدق في تلك المرحلة فقد جاءت معبرة عما كان يحسه كل مواطن أرتري. واذا كنت سأتطرق في الأسطر القادمة لأسماء من الشعراء كتبت باللغة العربية فأن الكثير من الشعراء أيضا ألفوا قصائدهم باللغلت الأرترية الأخرى. وكما أشرت فأن من ساهموا.