ماذا أعددنا لمرحلة ما بعد أسياس؟؟؟

بقلم الأستاذ: صالح اشواك - كاتب وناشط سياسي إرتري

عادة ما يعمد الطغاة إلى إخفاء اعمارهم الحقيقية لأنهم - دون سواهم - أكثر تمسكاً بالحياة،

ويخشون الموت لأنه يرتبط لديهم بفقدان السلطة وافول بريقها، وفكرة الفناء هي مصدر هاجس كل الطغاة، و حتماً يخلف الطغاة كلهم تاريخا أسودا تطاردهم فيه لعنات الشعوب وبشاعة ذلك التاريخ.

قليلون من يعلمون أن عمر الطاغية أسياس المعلن غير حقيقي فالرجل قارب العقد الثامن حيث تبقى له شهور ليصبح ثمانيني و لأن للعمر شروطه بل احكامه فعلى كل حال لن يستمر بذات القدرات الجسدية والذهنية، هذا أن تأخر هلاكه، و مثل كل البشر فسيزوره الموت ان أجلاَ او عاجلاَ.

في التسجيل الاخير الذي "صُنع" لإيهام الناس بان الطاغية بخير، بدى بصورة كشفت عن حالة هزال جسدي ونقص في التركيز وتلعثم في القراءة ووهن في الصوت، فاذا صرفنا النظر عن المسائل الفنية التي احاطت بالتصوير وجعلت ذلك الظهور اكبر دليل على إعتلال الرجل وفقدانه لأي من مؤشرات العافية، فمن المهم الإشارة إلى أن هذا التسجيل نفسه تم في مكان و ظروف غير عادية، فالكل يعلم أن مثل هذه التصريحات يتم تصويرها بواسطة طاقم فني مؤهل يتبع الطاغية اينما حل إن كان في القصر الرئاسي أو في مكاتبه الخلوية في عدي هالو أو غيرها، وهو أيضا دليل ثاني على أن هنالك أمرا ما أجبرهم على التصوير بكاميرا غير احترافيه.

ولعل أكثر ما يثير الدهشة في التسجيل إعتمار إسياس في مخاطبةٍ كهذه لقبعة رغم أن التصوير داخلي أي لا داعي لاعتمار قبعة، عموما ايً كان شكل القبعة و عدم تناسقها مع ما كان يرتدي من ملابس، لكن الاهم كان عدم اتساق الهيئة التي ظهر بها مع محتوى الحديث الذي - كتب له ليكون مواكب- حيث تضمنت الكلمة تهنئة بمناسبة عيد الفصح وحلول شهر رمضان المعظّم والمعروف في العرف التقريناوي انه لا يصح وضع قبعة على الراس في حال تقديم التهنئة او العزاء، هذا ما يجعل الاصرار على إعتمار القبعة امرا محيراً، لكن ربما اريد بها إخفاء أثر عملية جراحية مثلا ؟؟
الامر الاهم والذي يقلق حقيقة هو يكون أقصى قدراتنا هي "انتظار الأقدار" فهي من ناحية سوف تحرمنا من محاكمة الرجل على كل جرائمه التي ارتكبها منذ توليه لمواقع قيادة عديدة في مرحلة الثورة، حتى وصوله لرئاسة الدولة، ومن ناحية أخرى فإن انتظار القدر يشير مدى الضعف الذي نحن فيه.

إن نضالنا التاريخي الطويل منذ انطلاقة الكفاح المسلح في الفاتح من سبتمبر 61 لم يكن رهين بموت فلان او علان فقد مات اعظم طاغية - هيلي سلاسي - و كان سلاحنا اكثر شموخاً فإن موت أسياس يجب ان لا يشكل غايتنا، ومنتهى نضالاتنا.

فإنه حتماَ سيموت و يجب أن لا نركن لهذا الأمر فالرجل قد قتلته جملة من متوليات الفشل و تركماتها على المستوى السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي فقد خلفت سياساته الرعناء الكثير من الإشكالات المجتمعية التي تحتاج إلى معالجات جادة و جريئة على كافة المستويات، فشبح الإنقسام يهدد الوطن اليوم، و مشاعر الحنق والغبن تملأ صدور الكثيرين من ضحايا الانتهاكات المتنوعة لحقوق الانسان، وهناك من فقدوا ذويهم بفعل التغيب القسري وهناك من أُغتِصبت ارضه ومن تضرر من الإختلالات الناجمة عن التغيير الديمغرافي على الأرض، وهناك من هجر قسراً، وهنالك أجيال وقف هذا الرجل وفكره حائلاً بينهم وبين العيش في وطنهم، هذه الإشكالات والكثير غيرها بنت جدار القطيعة بين الطاغية المتهالك و جماهير شعبنا، فهو في وجهة نظرهم ميت منذ أن تبين سعيه وعمله لوأد أحلامهم في عيش كريم.

المتابع للواقع داخل إرتريا سيجد ان التململ قد بلغ مداه فالشعب لم يعد ذلك الحيز الصامت، بل لم يعد هناك ما يخشاه، إذ تشهد كل مؤسسات الدولة حالة من السخط المعلن وصل إلى منتسبي الجيش وبقية الآلة العسكرية التي ظلت تدوس على الجراح لسنوات مضت.

وفق ما يرشح من معلومات الآن ان هنالك محاولة لمعالجة تلك الأوضاع عبر حلول تخديريه شكلت لها لجنة تدير الأوضاع الآن وتستمر في إدارتها اذا غاب الرئيس عن المشهد بشكل نهائي، وتقوم هذه اللجنة بوضع معالجات استباقية للأوضاع المحتملة الحدوث.

و هو أمرا مهم وجدير بالمتابعة، ففي تصوري ان على قوى المعارضة بمختلف مكوناتها التقاط القفاز و العمل على اجراء التنسيق بينها بصورة عاجلة حتى تقدم رؤية وطنية موحدة تستوعب التطورات المحتملة وحتى تتمكن من قياس مدى إيجابية الأطروحات المتوقعة.

كما يجب طرح رؤية موضوعية و خطاب موحد يطمئن الداخل و يسهم في فتح قنوات تواصل معه بصورة عاجلة لأن الأوضاع ربما تتجه إلى سيناريوهات أخرى والأبواب مشرعة لكل الاحتمالات.

ان غياب الدكتاتور باي سببٍ كان هو مكسبٌ للجميع و يجب الابتعاد عن خطاب الكراهية وتعزيز الخطاب الإيجابي، وعلى القوى الوطنية الواعية الإعداد و الاستعداد لملئ الفراغ و مقابلة استحقاقات هذا المنعطف التاريخي من نضالات شعبنا بالكثير من الوعي و المسؤولية.

Top
X

Right Click

No Right Click