همــســـة: أنا وإنت وثالث ربي

بقلم الأستاذ: مصطفى جعفر نائب المصدر: مجله الناقوس الثقافية العدد الثاني

لا شك بأن الشعوب تُعرف بجميل عاداتها وروعة تقاليدها. وكثيرًا ما نسمع أن تقاليد بلد ما أو شعب ما في قمة الروعة والرقي.

أنا وإنت وثالث ربي

ولا أعتقد بأن هناك شعب لا يفخر بثقافته، وإن اختلفت هذه العادات والتقاليد، وهذا يقودني إلى أرضنا الطيبة المنخفضات.

وبما أن مجتمع المنخفضات في غالبه يؤمن بالإسلام ديناً. فإن الإسلام هو الذي يشكل المحرك الأساسي لما نعرفه من عادات، إضافة إلى موروث ضخم من التقاليد التي كانت سائدة قبل الإسلام والتي تنسب أحياناً إلى الموروث الفرعوني أو التراث الأفريقي.

إن التنوع الثقافي في منطقة المنخفضات هو مصدر ثراء هذا المجتمع. فلكل مجموعة إثنية أو عرقية أو ثقافية موروث يُشَكِّل مجتمع إنسان المنخفضات. والتواصل مع محيطنا الأفريقي والعربي متمثلا في القيم الإسلامية، واللغة العربية، يعد معيناً لا ينضب ومشتركاً يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار كلما تحدثنا عن عادات وتقاليد مجتمع المنخفضات.

هذا المحيط لعب دوراً مهماً في تركيبة مجتمعنا وأثرى التنوع الجميل لمجتمع المنخفضات، في لهجاته وتراثه الفني والشعري إضافة إلى تلكم العادات والتقاليد العريقة في مراسمه الإجتماعية. وحقاً إذا ما حصرنا مفهوم الثقافة والعادات والقيم والأخلاق المحركة لكل هذه التفاعلات الاجتماعية في باب الثقافة، لما خرجنا عن جادة الصواب.

ولكنّا نحتاج إلى التفصيل والتدقيق حتى نضع كل مفردة في مكانها الصحيح.

وبما أنه من غير الممكن المرور في هذه العجالة على كل هذه المحطات، أكتفي ببعض العبارات الدلالية.

تعرف الثقافة عند أهل اللغة من أصل الكلمة الثلاثي ثقف، فيقال ثقف فلان أي صار حاذقا فطناً.

ويقال للرماح المعوجة إذا أريد تعديل اعوجاجها بثقف الرماح. ومن هنا فإن الثقافة كمصطلح تعني العلوم والمعارف التي يطلب الحذق فيها. فكلما كان الشخص أكثر اطلاعا على العلوم والمعارف من حوله، كلما كان أكثر ثقافة ومعرفة.

ومن المعلوم أن المجتمع الذي يتَّسم بالثقافة العالية هو الأبعد عن الاختراق من قبل كل الأفكار العبثية وهو محصن من الغزو الفكري والثقافي لإمتلاكه أرضية ثقافية منيعة.

ونحن أبناء المنخفضات الإرترية في هذا الوقت أحوج ما نكون إلى هذا الحصن الثقافي المنيع ضد سياسات الهيمنة والتهميش من عصابة أسمرة الطائفية.

إن النضال لا يكون بالسلاح فقط، ولا يقتصر على هدف سياسي، بل هو نضال في جميع المجالات. والنضال الثقافي يجب أن يعرف أهميته كل بيت ويستوعبه كل عقل في المجتمع. حتى يتم تغيير الواقع، ومن ثم يصبح المجتمع المنخفضاتي بأكمله مقاومًا ومناضلا كل في الثغر الذي يليه.

والفكر والوعي الثقافي، هو الأساس، وهو الذي يصنع القناعة ويدفع للعمل ويزرع روح المثابرة في الفرد وتكون محصلة ذلك الوصول إلى الهدف العام وهو تحقيق أهداف مجتمعنا المنخفضاتي في الحرية والعيش الكريم.

لذلك نقول إن الثقافة تلعب دوراً مهماً في بناء الإنسان، وتطوير المجتمع وتقدمه وبلورة الوعي، خصوصا في جانب الثقافة ذات الطابع والمضمون الوطني الموجه.

إن ثقافة الإنسان المنخفضاتي يجب أن تكون نابعة من الواقع الحياتي المعاش، وليست من واقع الشعوب الأخرى. ولا مانع من الأخذ بعين الاعتبار الحاجة إلى الأفكار والمفاهيم والتجارب النضالية للشعوب الأخرى التي ناضلت ضد الاستبداد والظلم ونالت حرِّيتها واستقلالها الوطني والثقافي.

وبالعودة إلى عنوان الموضوع أنا وإنت وثالث ربي. كان فنّان الأمسية الغنائية الغارق في رحاب الأغنية يردد بشكل أشبه

أشبه بالهستيري وهو مغمض العينين والعرق يتصبب على وجه، (أنا وإنت وثالث ربي الا لا لي ييي)، فعلق عليه أحد ظرفاء المجتمع من كبار السن بقوله: (يا ابني حرام عليك. قل ثالثكم الشيطان. أستغفر الله العظيم).

وهذه الطرفة الجميلة هي التي قادتني للخوض في هذا المعترك العميق، والحديث عن دور الثقافة والفنون والآداب في تشكيل وجدان المجتمع.

فلنعمل من أجل مجتمع منخفضاتي قادر على مواصلة التحدي والصمود والنضال لبناء إنسان واع وقادر على مجابهة الغزو الفكري والثقافي الذي يتهدده من عصابة أسمره الطائفية.

Top
X

Right Click

No Right Click