الماضي والحاضر
بقلم المناضل الأستاذ: إبراهيم محمود صالح قدم - أبو حيوت
ثرنا من أجل مصلحة الملاين *** ثرنا من أجل كل الكادحين
ورفضنا كل ظلم واقعاً فينا *** واعلناها ثورة في ال ٦١
هذا النشيد وإن جاء متأخر إلا انه عبر وبصدق عن المباديئ والأهداف التي قامت عليها جبهة التحرير الإرترية لإعلان الكفاح المسلح بقيادة الشهيد عواتي، ولأنها كانت استمرارا لمطالبه في الأربيعنيات لم يتردد الشعب في إحتضانها ودعمها حتى الوصول لخط النهاية.
كان إعلان الكفاح المسلح قد ازعج إثيوبيا وبقايا حزب إثيوبيا أو الموت الذين توهموا بانهم قد قضوا على المشروع الوطني واسكتوا وإلى الأبد مطالب الكتلة الاستقلالية بقيادة الشهيد إبراهيم سلطان. إلا أن صمود و إنتصار الجبهة في معركة تقوربا اجبر إثيوبيا على تغيير استراتيجيتها وقررت إنشاء قوات الكوماندوس من الإرترين لتحويل الحرب إلى إرترية / إرترية وذلك بدعم من إسرائيل في التدريب والتسليح ومهمتهم الرئيسية إرهاب وترويع الشعب و القيام بحملات إبادة وإحراق القرى الداعمة للثورة كما حدث لعدإبرهيم، مسيام، كركون، قمهوت، عسوس وقرى هزمو في ال٦٧ ومن يومها بدأت رحلة التيه ولم يرجع اللاجئون إلى وطنهم بعد إنتصار ثورتهم، لأن الطاغية يرى في عودتهم فشلما خطط له لتغيير معالم البلد وديمغرافيته. فشل حملاتهم العسكرية والصمود البطولي للثورة اجبرهم مرة ثانية على إخراج ورقتهم الأخيرة، ورقة الطائفية لشق الجبهة من الداخل بواسطة اسياس وبرنامجه "نحن واهدافنا".
ضعف المعارضة وعدم قدرتها في القيام بعمل إيجابي للتخلص من النظام الديكتاتوري واليأس من تجاوز خلافاتها الثانوية، دفع البعض للنأي بنفسه من الأحداث ومراقبتها من بعيد أو البحث عن مخارج لا تثمن ولا تغني من جوع كما فعل الإخوة في إجتماع لندن "وثيقة لم شمل ابناء المنخفضات" ولكن لم يوفقوا في إختيار الإسم المناسب، لأن مصطلح المنخفضات يحمل الشحنة السالبة في الذاكرة الجمعية لأصحاب المشروع الوطني ومرتبط "بمشروع بيفن / اسفورزا" التقسيمي وهذا شكل حاجزاً نفسياً منع الناس من الدخول في مناقشة ما جاء في الوثيقة وتسبب بدلاً من لم الشمل إلى مزيد من التشتت بين ابناء الوطن. كذلك هناك نقطة فاتت على اصحاب الوثيقة وهى محاولة محاربة اسياس بنفس سلاحه الذي ابدع فيه وهذا لا يجدي، والسلاح الوحيد الذي يردعه ويهزمه هو سلاح وحدة الرافضين للمظالم، السلاح الذي فشلنا في ايجاده حتى الأن ولكن لا بد من البحث حتى لا تغرق السفينة ومابما فيها وكذلك لأن غيره من البدائل مرفوضه ولن يكتب لهه النجاح. والنقطة الثالثة الغير مقبولة في الوثيقة هى محاكاتهم للأخرين بقولهم لماذا حرام علينا وحلال لغيرنا في اشارة للتجمعات القومية التي ملئت الساحة لمواجهة سياسة الإقصاء والتهميش من قبل نظام الطاغية وللدفاع عن مصالحها عندما صدت الأبواب امامها وفقدت الأمل في وحدة المهمشين وتضامنهم لجئت إلى مبدأ حق تقرير المصير وهذا حق مشروع لا خلاف عليه و أن إرتريا التي لا يجد فيها الإنسان كرامته ولا يحترم فيه حقه المشروع في أرضه وثقافته ولغته ولا يشارك في السلطة والثروة فيها لا فائدة من وجودها ولا يمكن التمسك بها وهذا هو الخيار الأخير.
ولكن يسبقه ترتيب اولوياتنا واولها ازالة النظام من جذوره لا تغيير تجميلي يزيح الطاغية ويحافظ على حصاده المر، وبناء إرتريا الديمقراطية التي تحكم وفق دستور يشترك كل الشعب في صنعه و يشعر فيها كل ابناء الشعب بأنها لهم ومنهم وبهم، إرتريا التي تعيد الحق المسلوب لأهله وفي مقدمته عودة اللاجئين من السودان واليمن إلى مناطقهم وإعادة ارضهم المسلوبة لهم ومطالبة إثيوبيا بتعويضهم عن الضرر الذي لحق بهم وإعادة الأرض إلى اصحابها واحترام ثقافات وعادات وتقاليد وخصوصيات كل المكونات بغض النظر عن حجمها وإعادة العمل باللغتين الرسميتين وتفكيك كل الأجهزة الأمنية وإطلاق سراح كل المعتقلين السياسين وقفل السجون ما هو فوق الأرض وتحتها وإعادة النظر في ما يسمى الخدمة الوطنية بساوا وتعويض كل المتضررين منه.
وضعنا السيئ لا يحتاج إلى الإنفعالات وردود الأفعال المتسرعة بل إلى التفكير بهدوء في البحث عن مخارج وحلول عملية والتصدي سوياً للمخاطر التي تهدد الوطن.
مظالمنا ظاهرة للعيان لا تحتاج إلى جهد للتعرف عليها وهاكم هذا المثال الذي نقله تلفزيون النظام قبل اسبوع عن مدرسة هبرادا، وهى عبارة عن بيت من الغش يجلس فيها التلاميذ على الأرض والمؤلم هو أن هبرادا التي تقع على مرمى حجر من منجم بيشا للذهب الذي تذهب ملاينه لجيوب الطاغية واعوانه واصحابها في بيشا وهبردا ومقرايب ومقلو واردا وادارفنيش ونقيب محرومون من المدارس والعيادات فهل ظلم بعد هذا!!! وقس على هذا في كل المنخفضات الشرقية منها والغربية. وكانت وثيقة إبراهيم المختار قد وضعت الأصبع على الجرح عندما اوضحت أن 50% من الشعب مهمش ولا يتمتع بحقوقه في كل المجالات وبهذا كانت متقدمة على ما جاء في وثيقة لم شمل المنخفضات. المهمة الصعبة هى البحث عن شريك وطني لا يستنفر عندما نتحدث عن مظالمنا وبالذات عن قضايا نعتبرها نحن من الثوابت الوطنية ولكن هى محل نقاش دائم من شركائنا في الوطن ومنها قضايا الأرض واللغة والسلطة.
قبل اسابيع حضرت ندوة ذكرى إغتيال الشهيد عبدالقادر كبيري واستمعت إلى محاضرة كل من الدكتور مصطفى السيد والأخ تسفاي تمنو عن "الوحدة في التنوع" وكلامهم كان سهلاً وفي الصميم وبالذات الموقف الواضح من قضية الأرض للأخ تسفاي و هذا يبشر بوجود كوة لدخول الضوء إلى ليلنا الطويل ولذلك لهم مني التحية و التقدير ً.