معاناة المرأة المسلمة في إريتريا وكيفية معالجتها
بقلم الأستاذ: محمد عثمان علي خير - كاتب وصحفي إريتري
في الواقع أن المرأة المسلمة في إريتريا تعيش في ظروف سياسية واجتماعية وأسرية
- أثرت في تكوينها الشخصي - وأعاقت كثيراً من نموها في مجالات الحياة الدينية والثقافية، بل وأن هذه المرأة واجهت في مراحل الثورة الإريترية الضغط الفكري الشيوعي والطائفي من القوى الصليبية، وعاشت في مأساة حقيقية حيث أنها أجبرت على حمل السلاح في جيش التحرير الإريتري وفي الجيش الشعبي للجبهة الشعبية مع اختلاف المأساة والصورة في المؤسستين، حيث أن المرأة الإريترية بشكل عام قد أهدرت كرامتها في الجيش الشعبي للجبهة الشعبية، ووجدت بأعداد كبيرة فيه وتحملت كل المشاق في التدريب ودخول المعارك العسكرية، ولكي تلهوا بها المنظمات الإريترية في متاهات التسويق الفكري والسياسي، تم تكوين ما سمّي بـ (اتحاد النساء الإريتري) هذا الاتحاد الذي ادعى بأنه يهدف إلى تنظيم المرأة الإريترية وربطها بواقع التحرر الاجتماعي، وصهرها في عجلة الثورة والتي ذوبت في إطارها دور المرأة المسلمة في إريتريا، وإذا تسائلنا ماذا قدمت الاتحادات النسائية الإريترية، سنجد الصورة قاتمة وليس هناك إنجاز تحقق سوى الدعوة لمجارات الاختلاط بين الرجال والنساء، والترويج لدور المرأة الذي يجب أن يتساوى مع الرجل لإسقاط أحقيته في قوامته على المرأة الإريترية، وإذا تتبعنا ما حدث لامتهان كرامة المرأة الإريترية في الأقاليم الإريترية المختلفة، وما قامت به قيادة "الجبهة الشعبية" من تدمير للمثل والأخلاقيات السمحة، واستفزاز لحياء المرأة الإريترية وزجها في مشاريع الحرمات، التي كانت تحقق من ورائها قيادة "الجبهة الشعبية" مكاسب رخيصة، برزت مأساتها الآن وبشكل واضح في ظل الدولة الإريترية المستقلة، وحيائنا يمنعنا من التحدث في تفاصيل هذه المأساة المروعة التي كسرت بعض الشرائح الاجتماعية في داخل إريتريا في الوقت الحاضر، وسندرك مدى الحسرات التي تتقلب فيها المرأة الإريترية في ظل تغييب لدورها وموقعها وأهميتها في نهضة المجتمع الإريتري ضمن التزامها بالقيم والأخلاق النابعة من أصولنا الدينية وتقاليدنا الراسخة في مجتمعنا المحافظ.
ويمكننا أن نتناول الآن بعض الجوانب في دور المرأة وضمن النقاط التالية:-
1. من المؤكد أن المرأة الإريترية لا تختلف في عاداتها وتقاليدها عن المرأة العربية، بل وأن تطلعاتها الثقافية نابعة من حضارة هذه الأمة العربية، ولكن ما حدث هو ذلك الانقطاع الإجباري، الذي ارتبط بالوجود الاستعماري الإثيوبي -والذي يسير على نهجه نظام (أفورقي) في الوقت الراهن-، وممارسته كل الوسائل التي أدت إلى تخلف المرأة وتقويض دورها في تلقيها للعلم والمعرفة، صحيح أن المرأة الإريترية تتمتع بسابقة في إفريقيا، حيث أن تعليم المرأة الإريترية برز في وقت مبكر في عام 1940م، حيث افتتح فيه دور التعليم في المدن الكبيرة وأقيم أول مركز لتدريب المرأة في التمريض في إريتريا عام 1947م، وتخرجت منه أعداد معتبرة ساهمت في تقديم خدمات طبية مشهودة في الأقاليم الإسلامية، وظل كل هذا يتمثل في شرائح محددة في المرأة المسلمة الإريترية، وتكمن مأساة المرأة الإريترية في كثير من جوانبها في غياب فهمها لأمور دينها، إلا أننا نذكر هنا بفخر واعتزاز تلك القطاعات الواسعة من الفتيات الشابات اللاتي انخرطن في التعليم الديني والعلمي والتأهيلي منذ عام 1977م، وحتى هذه اللحظة هناك جيل نشأ خارج إريتريا واستفاد كثيراً من الصحوة الإسلامية التي نهضت في المنطقة العربية من عام 1982م، وتظل مأساتنا قائمة في المرأة الإريترية المسلمة التي تعيش في ظل نظام (الكندوم) الإباحية الذي يقوده (أفورقي)، والذي يحارب الفضيلة والأخلاق في داخل إريتريا، وإنني أناشد من هنا أي فتاة مسلمة تتواجد في مؤسسات ودوائر الدولة الإريترية وفيما يسمى "الإتحاد النسائي" أن تنسحب منها فوراً، حفاظاً على دينها وكرامتها وسمعة أسرتها، لأن النظام الذي يحكم إريتريا مجرد من كل الأخلاقيات ومهمته الأساسية هو تدمير "الأسرة المسلمة"، ويكفي أن مأساة الفتاة الإريترية تتضح لدينا بصورة ساطعة في معسكر (ساوا) بدعوة الخدمة الوطنية، والذي تحول إلى مسرح للمجازر الأخلاقية ويكفي أن مناطق المسيحيين في (حماسين وسرايين) قد خرجوا في مظاهرات احتجاجية، وطالب بعض القساوسة الأفاضل منهم بالمقاومة في زج الفتاة الإريترية في تلك المعسكرات غير الأخلاقية، وكانت أسر (الحماسين) أكثر رفضاً ومقاومة لإذلال الفتاة الإريترية في تلك المعسكرات، ونعود ونقول أن ارتكاز الفتاة المسلمة يتمثل بالالتزام في إطار العقيدة الصحيحة والابتعاد عن المحرمات والشبهات التي تفتح مجالاً لشياطين الإنس والجن، ومن هنا تأتي كل تلك الإضطرابات التي صاحبت حياتها الداخلية وأدت إلى ضمور دورها في جميع المجالات.
2. تخلف دور الرجل في النهوض بالمرأة الإريترية المسلمة، والأخذ بيدها للسير بها نحو مدارج التعلم والمعرفة، وتكوين شخصيتها الاجتماعية والدينية، وأصبح همّ الرجل في الاهتمام بالإنجاب والحصول على أقصى حد من خدمة المرأة له في المنزل، وبالتالي نلاحظ أن هناك نوع من الجفاء بين الرجل والمرأة الإريترية، بسبب تلك الرتابة المتخلفة التي يعامل بها الرجل الإريتري المرأة، ويحدث في بعض الحالات أن تجد إمرأة متعلمة وحاصلة على درجة علمية جيدة، تتزوج من رجل بنفس المستوى يعاملها بموروثه الاجتماعي وبعقلية ذلك الرجل الذي يعامل المرأة بعقلية التعالي واعتبارها كأحد الأواني المتواجدة في المنزل مما أدى إلى نسبة عالية من الطلاق في هذا المجال.
3. الدور السلبي للمنظمات الإريترية التي لعبته في التعامل مع قضايا المرأة بقسوة وإهمال بالغ، وأنظمة بالية تستهلك فيه المرأة ولا يقدم لها شيئاً من الزاد التعليمي، الذي يبلور لها قضاياها الاجتماعية والدينية ويربطها بأدوات التربية الإسلامية التي ترفع من شأنها وتمكنها من معرفة دورها الحضاري في تربية الأجيال وإعدادهم بما ينسجم ورفعة دور الإنسان المسلم في إريتريا.
4. أن هذه العوامل أدت إلى تدخل النصارى في شئون المرأة المسلمة، حيث تقدموا بمشاريعهم المفسدة في الجانب التربوي والتعليمي، وأخذوا يقتحمون مجال الأسرة المسلمة، بفكرة التحرر والانطلاق والتخلص من عبودية الأديان والرجل، وصوروا الدين والرجل بأنهما سبب تخلف المرأة، فوجدنا في بعض الأقاليم الإسلامية أن بعض النساء بدأن (يفرضن على الرجل أن يقوم بخدمتهن داخل المنزل وبحجة أن المرأة لم تخلق لخدمة الرجل وإنما العكس هو الصحيح)، هناك نساء طلقن الرجال، وهناك نساء تم ترويضهن للقبول بزواج النصارى، بل وأننا لا يمكن أن ننسى معسكر المعوقين للجبهة الشعبية الذي تم فيه إجبار المسلمات للقبول بمعاشرة النصارى، وتم إنجاب أعداد كبيرة من الأطفال يشكلون أحد أعمدة أمن وجيش "الشعبية" والذين يمارسون أبشع صور امتهان المسلمات في إريتريا.
إن معاناة المرأة المسلمة بعد أن تحررت إريتريا بدأت تتضح وتأخذ الآن حيزاً من الاهتمام في الشارع الإريتري المسلم، بل وأن هناك قطاعاً كبيراً من المسلمين الإريتريين يطالب بفك الارتباط بين تنظيم "الجبهة الشعبية" والفتاة الإريترية وتمكينها من العودة إلى رحاب الأسرة الإريترية المعروفة بأخلاقها القويمة وتمسكها بالعادات والتقاليد التي تحفظ كرامة المرأة في شتى مجالات الحياة.
إن الهيئات والمنظمات النسائية المسلمة مطالبة من الآن فصاعداً بالانفتاح على المرأة المسلمة في إريتريا وإتاحة فرص تعليم دينهن، بل وإفساح المجال واسعاً أمام جيل المرأة الصاعد الذين ارتبطوا بحمد الله بشتى مجالات العلم والمعرفة، إن هناك قطاعاً كبيراً من الفتيات الإريتريات في "السودان" يتلقين دروسهن الدينية والتعليمية كما أن هناك نسبة لا يستهان بها في "المملكة العربية السعودية" يدرسن في المدارس والمعاهد والجامعات، لذلك لابد من تمكين هذا القطاع من المرأة المسلمة الإريترية، وإقامة هيئات خيرية ترعى المرأة الإريترية وتقع المسئولية بشكل مباشر على دعاة المنظمات الإسلامية الإريترية في الوقت الحاضر والذين أخذوا على عاتقهم توجيه وتعليم وتنوير المرأة المسلمة بأمور دينها وألا يكون جل اهتمامهم في تعدد الزوجات وممارسة الطلاق والتي تساهم في مضاعفة معاناة المرأة الإريترية ونحن ننصحهم ألا يتوسعوا في مجال التعددية وتبديد الأموال في هذا المجال لأن قضية المرأة المسلمة في إريتريا أكبر من هذا الترف، والذي يمارس بطريقة تستفز مشاعر المجتمع الإريتري المسلم، وعليهم أن يوظفوا هذه الأموال التي يحصلوا عليها من المسلمين والهيئات الإسلامية الخيرية في إقامة مشاريع إسلامية، تعود بالخير والنفع على الفتاة المسلمة في شتى المجالات التي تحفظ لها دينها وكرامتها.
ويمكن إقامة مثل هذه المشاريع:-
1. بناء معاهد دينية ومدارس خاصة بالمرأة الإريترية، وحسب الفرص المتاحة في هذا المجال سواء في داخل إريتريا أو مناطق اللاجئين في شرق السودان.
2. إقامة مدارس فنية تتعلق بتعليم المرأة "الخياطة والتمريض والكمبيوتر" للمساهمة في إدارة أجهزة الدولة الإريترية، حيث أننا لاحظنا غياب المرأة المسلمة مع وجود عدد كبير للنساء النصارى في شتى مجالات الدولة الإريترية.
3. فتح بعثات دراسية في الدول الإسلامية، وهذا جانب مهم لكي تعاضد المرأة الرجل المسلم للوقوف في وجه الهجمة الصليبية التي تواجهها إريتريا.
إن الاهتمام بدور المرأة المسلمة في إريتريا أصبح الآن في غاية الأهمية:
أولاً: لحمايتها من الغزو الثقافي الغربي الذي يهتدي به النظام الطائفي في إريتريا ويطبقه في الواقع الإريتري، ويكفي أن "الفضائية الإريترية" بما تعرضه من فنون وأفلام وبرامج تدعو إلى التحرر والتحلل من كل القيود الدينية والاجتماعية، والدعوة إلى الاختلاط مع الرجال لإفساد العلاقة التي يرعاها الشرع القويم.
ثانياً: لتأمين مساهمتها في حماية الإسلام والمسلمين وخدمة الوطن في إريتريا، وتعبئتها بما يجعلها رصيداً في نصرة قضية الإسلام والمسلمين في إريتريا.
هناك مأساة معقدة تتعلق ببعض الفتيات المسلمات، اللاتي تورطن في الزواج من النصارى، بسبب انخراطهن في الجيش الشعبي أو عملهن في أحد مؤسسات هذه الجبهة، ونحن نقدر الظروف الذاتية والموضوعية التي تم فيها هذا الزواج، خاصة وأن هناك فتيات من أسر محافظة تتعامل مع هذه الظاهرة التي حدثت برد فعل غير إنساني، وبعيد عن إمكانية استعادة هذه الفتاة إلى أسرتها المسلمة بطريقة تضع حداً لتفاقم مثل هذه الظاهرة في الوسط الاجتماعي الإريتري، كما أن هناك رفض من بعض المسيحيات اللاتي تم زواجهن من المسلم، وبعد التحرير وعودتهن إلى أسرهن طالبوا بفض هذا الزواج من المسلم، وهناك قصة مشهورة من زوجة (محمود شريفو) رئيس الحكومات المحلية السابق المسجون حالياً، حيث طلبت منه زوجته المسيحية بطلاقها، لأن أهلها والكنيسة يرفضون هذا الارتباط إذا لم يترك هو دينه، وتم الطلاق على أساس هذا الرفض من المسيحية الإريترية، وأنا أحترم هذه المرأة التي ضحت بعاطفتها وعشرتها لذلك الرجل المسلم، وفضلت العودة إلى أصولها الدينية واحترام تقاليد المجتمع المسيحي في المرتفعات الإريترية، ونحن نريد بهذا الفهم أن تتخلص المسلمة الإريترية من الزواج من المسيحي، وتتم التسوية بينهم في مسألة الأبناء الذين كانوا بينهم، والشرع كفيل بتوجيه هذه المسألة، أما الاستمرار في هذا الزواج من المسلمة الإريترية للمسيحي فهذا يتعارض تماماً مع الشريعة الإسلامية ويكون وضعها شاذاً، ولا أريد أن أتوسع في هذه المسألة ولكن يجب أن يقوم الإعلام الإسلامي في المجتمع الإريتري في الداخل والخارج بتسليط الأضواء على مثل هذه الزيجات ومخاطرها في النسيج الاجتماعي في إطار المسلمين، وأنه محاولة من النصارى في خلط الأنساب، مما يؤدي إلى فساد في البنية الاجتماعية التي ترتكز عليها وحدة المسلمين وكيانهم الشرعي الإسلامي في إريتريا.
وهناك ورطة الرجال المسلمين من المسئولين والكوادر في تنظيم "الجبهة الشعبية"، والذين لا خلاف من الناحية الشرعية في زواجهم من أهل الكتاب، ولكن المشكلة تكمن في مدى مراعاتهم لربط الأبناء بدين والدهم المسلم، البعض منهم نجحوا في هذا المجال ولكن الكثير منهم فشلوا في ربط أبنائهم بدينهم وأصبحت الزوجة هي المهيمنة على الأبناء وتذهب بهم إلى الكنيسة، والزوج المسلم عاجز عن وضع حد لزوجته، في هذا التصرف الذي يلغي دور الرجل باعتباره المسئول الأول في الإشراف على الأبناء، والشيء الغريب أن بعض هؤلاء المسئولين لديهم الإحساس الوجداني بالإسلام، ولم يحاولوا إقناع زوجاتهم المسيحيات باعتناق الإسلام، وهي أقرب إلى زوجها بحكم المعاشرة والأبناء الذين بينهم، ويمكنها أن تتجاوب معه بتوفيق من الله تعالى، ولكن المشكلة من ناحية أخرى تكمن في هذا المسلم داخل "الجبهة الشعبية" الذي يحتقر نفسه ودينه ويتأثر بالمظاهر والأضواء المسلطة على المسيحية والمسيحيين في داخل إريتريا، ولا يحاول أن يتميز بدينه عبادةً وسلوكاً وترابطاً مع أخيه المسلم داخل هذا التنظيم الطائفي، ولنا نماذج سيئة في هذا المجال مثل (فوزية هاشم) وزيرة العدل، التي تمثل أسوأ نموذج في عدائها للأخلاق الإسلامية الفاضلة وتقويض بنية المجتمع المسلم في إريتريا، ويكفي أن (أفورقي) أتى بها في وزارة العدل لكي تكرس القوانين التي تدمر علاقة المجتمع المسلم، وتفرض عليه شرائع النصارى المرفوضة من الغالبية المسلمة في إريتريا، ونفس هذا الدور يلعبه ذلك الخبيث (عثمان صالح) وزير التربية والتعليم الذي نشأ وتربى في بيئة النصارى وتشبع بثقافتهم وحقدهم على "اللغة والثقافة العربية" في إريتريا، وهو يفاخر أنه لا يتحدث العربية وليس له أي استعداد لتعلمها، وقد قضى معظم عمره في إثيوبيا ونتيجة لهذه المؤهلات غير العادية يقود "وزارة التربية والتعليم" منذ عام 1991م، ويشرف على تدمير الثوابت الدينية والثقافية ويصادر حقوق المسلمين في التعليم العربي في إريتريا، وهذا أسوأ نموذج محسوب باسمه على المسلمين في إريتريا.
إن معاناة المرأة المسلمة كبيرة ومتشعبة في إريتريا، ولابد من الاهتمام بأوضاعها والعمل على إعادة صياغة مجمل مفردات حياتها، بما يتوافق وصيانتها من كافة الانحرافات التي تفقدها دورها التربوي، وتخرجها من ذلك النسيج الرباني، الذي منح المرأة حق الأمومة ورفعها إلى أرقى درجات السلم الإنساني، لما تقدمه من جهد ومساهمات إيجابية، ضمن وظيفتها الإنسانية في النشأة والتربية، وكونها الودود الولود الذي يفاخر بها المصطفى صلى الله عليه وسلم بقية الأمم يوم القيامة.