الرأي الآخر سيظل له وضعه ووقعه

بقلم مهندس: سليمان فايد دارشح - كاتب وبـاحث ارترى

الاستبداد والتسلط بمختلف ألوانه وأشكاله، هو شيء أعمي، يسير عكس حركة التاريخ والحضارة،

والحياة الإنسانية الطبيعية.. أنه يقف علي طرف نغيض من حرية الرأي، وحرية الاختيار السليم.

وعندما يقفز مثل هذا الوضع الاستبدادي القمي، إلي سدة الحُكم، فإنه من الطبيعي أن يسعي منتفخاً بين الناس، ومتباهاً، يدفعه وهمه النرجسي، بأنه هو الوحيد علي صواب، وأن الأخرين أصحاب الرأي الآخر هم علي خطأ.!!

وخير مثال لتلك الأنظمة الاستبدادية القمعية، هو نظام الجبهة الشعبية الحاكم في أسمرا، فإذا نظرنا إلى تاريخ الجبهة الشعبية، نظرة فاحصة ومدققة، لرأينا العجب، وتأكد لنا أن فكرة أنا والاستعلاء وتهميش الآخر واسكات صوته، معشعشة في عقلها منذ ظهورها في الساحة الإرترية عام 1970م، وأدخلت هذه الفكرة السيئة في وهمها، أن أي رأي مخالف لرأيها، هو عدوها اللدود، والذي يمكن هزيمته بقوة الحديد والنار، أكثر من الإصغاء لصوته ومحاورته.

وهذه الحالة المرضية، ناتجة في الأساس من نزعتها الطائفية وعقدة النقص، وعدم الثقة في النفس وبالأخرين.

وبالتالي زرع هذا المرض فيوهمها، أن الرأي الآخر أو الطرف الآخر، دائماً هو إلغاء لرأيها ووجودها، وليس إكمالاً لرأيها، ودعماً وتسديد خطى!!.

وهذا جعلها تري كل مواطن حر شجاع يخالف رأيها، أو يكون خارج منظومتها الإرهابية ”الهقدف“ هو خائن ومتآمر، يجب تصفيته جسدياً أو سجنه في الحفر المظلمة تحت الأرض، ليعذب ويموت ببطء!!.

وهنا طبيعة الحال تجعلنا نتسأل: أليس الوطن وطن الجميع والكل معنين بأمره؟.. أليس الكل شركاء في الوطن دون تمييز.. فلماذا أذن عندما يبدي أحد المواطنين وجهة نظره حول أمر من أموره، تعذبه الجبهة الشعبية بهذه الصورة البشعة، المجردة من كل القيم الإنسانية !!

أنه بلاء مراء الخوف.. أنه الرعب.. أنه عدم الثقة في النفس.. وانه فوق هذا وذلك تربية الشعبية الطائفية العنصرية السيئة، والتي ملأت نفسها بالعقد والإحن والتسلط، وجعلتها ترى أي رأي مخالف لرأيها هو عدو، تجب محاربته بقوة القمع والعنف والحرق، ليرتاح دماغها من هذا الوجع - الرأي الآخر - الذي يقلق منامها، ويقض مضاجعها، ويسبب لها التعكير والتكدير.

فإذن هذا معناه، بالتأكيد أنها - الجبهة الشعبية - تريد أن تسير علي هوي رأيها الواحد، وهذا لا يمكن ان يحدثقط، لأن التاريخ لم يقل به من قبل، ولن يقوله من بعد.

ولتأكد لنا أيضاً أن هنالك مرضاً مزمناً آخراً، يسكن عقل الشعبية المستبدة الذى ابتليت بها إريتريا المنكوبة المغلوبة علي أمرها، والتي لا وجيع لها ولا شفيع، وهذا المرض اسمه التآمر الخارجي، حيث تدّعي - الشعبية - كذباً وزورا ً، أن كل دولة من دول العالم والمنظمات الحقوقية والإنسانية العالمية، الذين طالبوها بإطلاق سجناء الرأي وأدانو بقوة ممارستها التعسفية ضد الإنسانية، وضد حرية الرأي، هي دول ومنظمات متآمرة!!.

لا.. ألف لا.. ليس هنالك تآمر دول خارجية، ولا تآمر منظمات عالمية على الجبهة الشعبية.. بل كل الذي حدث هو أن هذه الدول والمنظمات، فضحت سجلها السىء في ارتكاب الجرائم البشعة بحق الشعب الإرتري، وصنفت حكومتها من أسوا الحكومات في مجال حقوق الإنسان في المنطقة.

وهنا نصل إلي القول: من أين تجد الشعبية المتسلطة المستبدة، الأمان والاطمئنان، والرضا علي الذات، إذا كان هنالك، رأي آخر مغاير لما تراه هي، وتحدده هي، وتحكم به هي، وتسير به الأمور في اتجاهها.. سيظل الرأي الوطني المغاير، موجود وجوداً حقيقياً، له مكانته وتأثيره، ومهما بذل هؤلاء الطغاة لضربه وطرده والتنكيل بأصحابه، فسيظل له وضعه ووقعه!!!

فأين المفر؟.

Top
X

Right Click

No Right Click