شُهداؤنا عِقدٌ من الدُّر في جِيد الوطن
بقلم الأستاذ: محمد عمر عبدالقادر - كاتب ارتري
إرتريا أرض خُضِّبت بالدماء، شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، براً وبحراً،
ما من شبر إلا وكان ثمنه روح طاهرة دفعت مهرا له.
الذود عن الأرض والعرض هو ديدن الإرتريون منذ الأزل في ظل توالي هجمات الطامعين للإستيلاء على خيرات البلاد والعباد، فما من عَقد من الزمن مرّ دون أن تسجل فيه بطولات في سفر الأمة الإرترية، وما من عَقد أزِف دون أن تُهزم فيه جحافل الأوباش أمام صمود الشعب الإرتري.
إرتريا شجرة غُرِست في تربة الصمود وإرتوت بدماء الشجاعة فكان نبتُها كبرياء بلغ عنان السماء سموا وثمارها صبرا نال منه كل إرتري نصيبه ليرث جينات العزة والشموخ.
الشهادة والإستشهاد إرث إرتري يتوارثه الأجيال منذ القِدم وتأريخ خُطّ بِمداد من دم إذ بلغ أوُجّه في فترة الكِفاح المُسلّح حين تنادى الجميع مُلبيا نداء الوطن.
تِسع قوميات إنصهرت في بوتقة واحدة دفاعا عن الوطن، فأختلط دماء الجميع وأشلاءهم فتشاركوا كفنا وقبرا، لتتوج مسيرة النضال بتحرير البلاد من الإستعمار في الرابع والعشرين من مايو 1991م.
لن تتوقف قافلة الشهداء ما لم تُكسر شوكة العدوّ المتربص بالوطن إذ لا يستريح له جانب ولا يُغمض له جفن وهو يشاهد الشعب الإرتري سيدا على أرضه، ترفرف رايته بين الأمم ممثلا للشعوب الكادحة التي اقتلعت أرضها ببسالة رغم المُؤامرات المحاكة ضده لتحول من حصوله على حقوقه المشروعة.
التآمر كان ديدن القوى الكبرى حين تم إلحاق إرتريا بإثيوبيا إعتمادا على إدِّعاءات باطلة لا تمت للحقيقة بِصلة وأنّ النظام الفيدرالي سيحفظ للشعب الإرتري حقه حتى يقوى عوده ولكن نفوسهم المريضة كانت تضمر شرا حين مزّق هيلي سلاسي ورقة الفيدرالية وضم إرتريا إلى ممتلكاته وهو لا يدري أنه شعب قوي الشكيمة صعب المراس، لا يتنازل عن شبر من أرضه لأي غاز أو مغتصب.
إنّ إرتريا بأرضها وشعبها لم تكن يوما ما جزءا من إثيوبيا وأنّ الحدود الجغرافية لإرتريا كانت منفصلة عن إثيوبيا عبر كافة الحقب الإستعمارية للمنطقة، والإدِّعاء بعدم مقدرة الشعب الإرتري على إدارة دولته لا تمثل إلا ذريعة من أصحاب النفوس المريضة والنوايا الخبيثة.
عندما رفضت القوى العظمى مطالبات الشعب الإرتري لنيل الإستقلال أعلن ثورته في الفاتح من سبتمبر 1961م، بقيادة القائد حامد إدريس عواتي وصحبه الكرام، لتبدأ قافلة الشهداء تترى باستشهاد الشهيد عبده محمد فايد بتأريخ 20 سبتمبر 1961م بجبل أومال، ومنذ ذلكم التأريخ لم تتوقف تلكم القافلة لينضم إليها عشرات الآلاف قبل التحرير وضعف ذلك العدد بعده ليشهد كل أرجاء الوطن مدى بسالة الإنسان الإرتري صونا للأرض والعرض.
إنْ كنا نحيي يوم الشهداء في العشرين من يونيو من كل عام فهو للذكرى من أجل سَرْد تأريخهم وبطولاتهم للأجيال الحديثة وذلك لإقتفاء أثر الآباء والأجداد، ولكن شُهداؤنا نذكرهم كُلّما أشرقت شمس يوم جديد لأنّهم عِقدٌ من الدُّر في جِيد الوطن.