تحديات في مواجهة الحكومة الملكية في اسمرا - الحلقة الثالثة
بقلم الإعلامي الأستاذ: أبوبكر فريتاي - كاتب ومفكر سياسي
المعارضة... بين التحدي والأزمة؟
إبتداءً.. وحتى لا يختلط على ذهن من يقرأ ما ارمي اليه من هذا العنوان،
أنني مع المعارضة والمقاومة للنظام البائس والخائب الذي فرط في الشعب، وأهدر قيمه ومقوماته، ولكن على الجميع مسؤلية ان يساهم بما يرى من تقويم ونقدٍ بناء لمسيرة المعارضة التي شكلت نواة الوعي الأولى لبنية وتوجهات نظام اسمرا، ولا يمكن بأي حال ان نغمط الناس حقهم فلهم اجر ما ابتدروا من مسيرة مناهضة للظلم وعليهم مع الكل ان يعملوا لتقويم ما اعوج من مسارات او نشأ من معوقات، اقول ذلك لأني لم اكن من الواقفين في الصفوف الخلفية لهذه القوى والتنظيمات ولم اتابعهم من وراء ابواب سميكة او من وراء جُدرٍ لأخلط الحابل بالنابل وأوجه اشرعتي حيثما شاء لها القلم أو همس في قلبها ظن السوء الذي تلَبّس ألباباً عديدة، فبتنا في واقع شاذ وغير مقبول منطقياً، حيث ترى من هجّره النظام وسامه سوء الطرد وسلب حقوقه ينبرى قاذعاً في المعارضة، وللأسف يلين جانبه للنظام ومن ولاه.
المعارضة في الأصل هي نتيجة ونتاج لطبيعة النُظُم السياسية التي تتسنم سدة الحكم في اي بلد، ومسار المعارضة وطبيعتها ووصفها ايضاً يفرضه النظام السياسي من حيث انه نظاماً:-
1. دستوري ويخضع للقوانين المصاحبة ويؤسس لبرلمان منتخب من الشعب، فتكون المعارضة في هذه الحالة معارضة قانونية يشرع لها العمل من داخل البلد وعبر مؤسساتها القانونية وتشارك من موقعها وعبر صلتها وقاعدتها الجماهيرية في عملية البناء والتنمية ويتاح لها ان تؤسس لحركة اجتماعية واسعة تساهم في تنمية الوعي الثقافي والسياسي وتتنافس وفق القانون على السلطة ..الخ
2. نظام منتخب بالدستور ولكنه مع مغريات السلطة انجرف للهيمنة وانصرفت عنه قاعدته فركن الى قوة البطش عبر مؤسساته الأمنية والشرطية وحولها الى سدنة لحكمه العضوض وتلاعب بالمعارضة بين موالي ومغاضب فتوسعت دائرة السجن والتعسف ثم قمع الحريات وكتم الرأي ويختمها بقوانين طوارئ لا تعطي اي مساحة للمواجهة بين المعارضة والنظام.
3. نظامٌ سلب السلطة وقفز الى سدتها ضمن مسارات تحول سياسي معين فلا سن دستور ولا شرّع قوانين ولا يحتكم لمؤسسات ولا يتقيد بأي قيمه من قيم العدالة والحرية ولا يحفظ للشعب امنه وغذاؤه ودواؤه، ولا يصون عرضاً ولا مالاً ويحيل الشعب بطوله وعرضه الى اجير ومسخر لخدمته، وهذا هو (ولا فخر!!!) مملكة (عدي هالو) وحُق لأهل الفقه السياسي كما وضعوا في معاجمهم: نظام عنصري وقرقوشي ونازي ..الخ ان يضعوا نظام (إسياسي) كتعبير عن (نظام معتوه)، له جيش لا يعرف المؤسسات ولا الأركان ولا تسلسل جيوش العالم، ولكنه يبني مليشيات تتدرب فقط على انواع الأسلحة وعقيدتها القتالية الوحيدة هي حماية النظام السياسي القائم الآن والفتك بالشعب.
وفي نمط النظم في (3.) فإن الواقع قد فرض على المعارضة والمقاومة الإرترية ان تكون مقاومة تستخدم ضمن وسائلها القوة ووسائل السلاح الخشن كيفما اتيح لها وفي هذا السبيل فهي تعتبر ان النظام القائم الآن: هو نظام غير دستوري وغير شرعي واعتدى على الشعب بوسائل السجن والتغييب والقتل العمد بدون محاكمات!!
والناتح عن ذلك هو:-
1. تحدي سياسي وتنظيمي ودستوري ترفع شعاره قوى المقاومة عموماً، وهذا التحدي بمقدوره ان يفعّل ادوات اتصاله بكل المنظمات الحقوقية والسياسية وعموم المنظمات المدنية المهتمة بحقوق الإنسان وحرية الرأي، وهو تحدى وان بدى في جانب من اوجهه انه يعاني الضعف الا انه تسبب عبر اتصالاته في استصدار قرارات دولية تدين نظام (عدي هالو) ليكون في مرمي قراراتها التي ادانته ووضعته ضمن قوائمها السوداء وليس بعيد عن معرفتنا جملة القرارات الصادرة بوجه نظام اسمرا {يمكن الإطلاع على التقرير المنشور في موقع إرينا بقلم الأستاذ الدكتور Fathi Osman}.
2. يتضافر مع هذا الخط المعارض جموع النازحين والمهجرين والفارين من جحيم النظام وخاصة الشباب الذين غادروا معسكر ساوة عازفين بارادتهم عن العيش تحت كنف نظام اهان ادميتهم وحقوقهم وكرامتهم وامتهن طاقاتهم التي تحولت الى غبارٍ تذروه الرياح بين الصخور والتلال.
3. فقدان الأمن في الداخل وسريان الملاحقات والرصد للشباب والمواطنين وسوْق الكبير والصغير والشيخ الى معسكرات قاحلة يديرها عسكر لا تنبت فيها اي قيمة ولا تسورها اخلاق وقيم.
كل هذه الصفوف هي تحدي يواجه ممكلة (عدي هالو) ولا يدع لها مجالاً لتذكر في التاريخ الوطني الا بسوء بحسب ما جنت قواتها وعسسها الناشرين للرعب والقهر، يضاف الى ذلك ان المواطن في الداخل وبعيد عن تلك المجموعات التي يظهرها النظام في شاشته فإن الواقع مأزوم في مجمل مناحي الحياة المعيشية وخير ما يعبر عنه هي هذه الجموع من الشباب المتدفقة الى دول الجوار واوربا.
وحتى نضع خواتيم لما اشرنا اليه في الحلقات السابقة،
فإن النظام - وأي نظام سياسي ينبغي ان تسنده دعامتين:-
• أما ان يكون هناك تأييد جماهيري واسع من كل فئات الشعب بجهاته الأربع وطوائفه ومكوناته كافة، وهذا التاييد ينبني على قوائم مشهودة من ممارسة العدل والحرية والمساواة عياناً بياناً وعلى الأرض وان يكون النظام السياسي صادقاً مع نفسه ومع شعبه وان لا يمارس الكذب السياسي والخداع والمراوغة وتغبيش المشاهد وخلط الألوان وعندها يستطيع ان يميز المواطن الواعي مع من يتعامل ويستطيع ان يحكم ويقرر تأييد هذا النظام او ازدرائه ولفظه واللعب خارج حلبته الملتوية، ولسوء طالع مملكة (عدي هالو) انها تتعامل مع شعب مناضل وجسور، ومهما طال صبره فإنه حتماً سيقلب المائدة بوجه هذه العصابة.
• واما ان تكون هناك نخبة سياسية واعية ذات فكر ورؤيا سياسية واضحة وتقوم بوضع منهج واضح لإدارة الدولة بشعبها ومواردها، وعلى كافة مستويات مؤسسات الدولة، غير ان واقع الحال يشير الى ان ما يسند مملكة (عدي هالو) ليس فيه نخب ولا هم يحزنون، لأنه ولفرط جنونه ساق كل من فكر او عرف او تعلم او ناضل حتى في صفوف الجبهة الشعبية الى السجون والمعتقلات والقتل العمد في الشوارع، ومن نفذ بجلده خارج ارتريا يغني ليلاه او انه اندمج في صف المقاومة.
وأحسب ان علينا دراسة من يمثلون (مجازاً) نخباً في هذا النظام، فهم في الواقع منحدرين من مرحلة كفاح مسلح لها ادواتها التنظيمية والسياسية ولها نمط مرسوم من صيغ القيادة والإدارة، غير ان موروثات هذه المرحلة لا يصلح لتكون دليل عمل تسير عليها دواليب الدولة، ولذلك نلحظ ان اسياس رفض ان يتيح اي مساحة لنشاط القوى السياسية التي ناضلت في مسيرة التحرير ليس لشيئ سوى انه انطلق من وعيه الباطني واعتبر الدولة عبارة عن تنظيم عسكري، وسارت هذه القناعة تحدد سلوكه وتعاطيه مع كثير من الحيثيات وأهمها رفضه للدستور والقوانين التي يمكن ان تتفرع عنه.
واختم بالقول ان التحديات التي تواجه مملكة (عدي هالو) هي من نمط التحديات المتتابعة كل واحدة منها ترفد الأخرى وبالنتيجة فإن النظام الدكتاتوري في اسمرا ومهما تجمل بالقدرة على السيطرة على الوضع الداخلي وتشبث بادوار مزعومة هنا او هناك فإنه افتقر لكل المقومات التي تمكنه من الاستمرار اكثر وما نلحظه في الأفق القريب ان هذا النظام تحول الى حلقة منبوذة في المنطقة عموماً وهذا ما سيسوق ضده الكثير من المواجهات.
(ملوحظة) كنت اود التطرق لبعض الجوانب المهمة في واقع المعارضة الآن وما طرأ من تباينات في المواقف ازاء النظام، ولكن طال المكتوب لهذا سأفرد لها مقالاً آخر قريباً ان شاء الله.
نواصل... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة