كفاح مسلح وإستقلال والحلقة المفقودة
بقلم الأستاذ: موسي يوسف (أبو وائل)
لا شك هنا شئ وهناك شئ آخر في ديكورات الطبيعة، هنآك إنسانية بقيمها الشمولية،
وهناك قوى نقيضة لتلك القيم تتقدم رؤيتها حراب الشنقشنقة الدخيلة على حنان القلوب والأفئدة لبث سمومها مكونات إنسانية الإنسان الجميلة على مستوى العالم، كما إن هناك نماذج تخاطب روح العصر الحديث ومتطلبات الأجيال التي تلامس أحاسيس أفكاره وعبقه النير بالحرية والديمقراطية وبناء دولة القانون والمؤسسات ودستور يصون سيادة الأوطان وترسيخ مبادئ الحياة الحرة الكريمة والعزة والشموخ، وهناك وبين حيطان القصور جماجم متحركة ترسم الخطوط الحمر دوماً على شعوبها وتضع أوراق الدستور على تواليتها للإستعمال الخاص وتحتفظ بأوراق أجندتها الإقصائية الماكرة دون تحديد زمن بقائها على السلطة وعلى رقاب شعوبها، وهناك أطماع ومصالح سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية مفروضة على الشعوب بقوتها المادية خلقت آليات بسنون حادة وكلاء ومؤتمنين على المواقع الإقليمية الإستراتيجية تتقدمها الأنظمة الدكتاتورية بمخالبها الأمنية والإستخباراتية البوليسية لقمع شعوبها وبناء السجون والمعتقلات، كل تلك النماذج نجدها في النموذج الإرتري بتفوق وإمتياز عاليين والذي يقوده دكتاتور إرتريا البغيض إسياس أفورقي الذي يحكم إرتريا منذ عام ١٩٩١م بلا منازع وبديل كان دكتاتورياً أم ديمقراطياً يسعى على تحقيق تطلعات شعبه في الحرية والكرامة.
إلتحق الدكتاتور الإرتري بتنظيم جبهة التحرير الإرترية في مطلع ستينيات القرن الماضي وهو يحمل بطاقة المرور من وإلى بوابة قاعدة كانيو إستيشن لمقابلة ريشارد كوبلاين وكيل السي آي إيه في منطقة القرن الإفريقي في أسمرا، وتلك اللقاءات المتكررة وتداعياتها هي التي رسمت ملامح وثيقة نحن وأهدافنا التي كانت تستهدف جبهة التحرير الإرترية وتفتيت نسيجها الداخلي، وبالتالي محاولة تدمير المشروع الوطني للشعب الإرتري وتطلعاته المستقبلية في الإستقلال والهوية واللغة والبناء، وقد لا ينتبه الكثير لتلك المؤامرة الذي قادها إسياس أفورقي منذ وقتٍ مبكرٍ في تلك الحقبة من الزمن، إلا إن هناك وبعد إلتحاقه بجبهة التحرير الإرترية كانت تخيم حوله بعض الشكوك ولكن قد إختلفت الآراء نحو الخطوات التي قد تاخذ بحقه بين إعتقاله وبين التخوف من أن لا يفسر ذلك تفسيراً خاطئاً سيما كان التعاطي مع أبناء المرتفعات حينها حساساً وشائكاً وذلك من أجل جذبهم ودفعهم نحو الثورة بل وكسبهم نحو الحظيرة الوطنية بمرونة سياسية وذلك لسحبهم من تحت البساط الإثيوبي الذي جند ألوية من الكوماندوز من أبناء المرتفعات والذي تم تدريبهم في إسرائيل لمجابهة جبهة التحرير الإرترية وبالتالي ترسيخ معايير الطائفية بين الإرتريين وأرترت القتال في إرتريا، هذا فضلاً على إن هناك معظم جنرالات الجيش الإثيوبي كانت أبرز قياداته من أبناء المرتفعات الإرترية وكذلك القوى الجوية والبحرية والأجهزة الأمنية ومعظم السفراء والهيئات الدبلوماسية (المصدر البروفيسور كنديي كاليفورنيا).
هروب الدكتاتور إسياس أفورقي:
هرب إسياس أفورقي من جبهة التحرير الإرترية إلى قوات التحرير الشعبية لإستغلال الخلافات الإرترية حيث وجد ضالته في ذلك وفي جيبه وثيقته الرعناء نحن وأهدافنا وفي جعبته الكثير من أجندات المراوغة للوصول إلى مبتغاه، حيث قام بأداء تمثيلياته المعروفة وسيناريو علاقاته وتحالفاته مع القائد المرحوم عثمان صالح سبي والذي غدر به لاحقاً وبالتالي إستغلال تلك الخلافات الذي حاول تعميقها من جهة وتأمين أسلحة ومعدات عسكرية مهمة وتكديسها سراً في جبال المرتفعات لتنفيذ مآربه وأجنداته الخفية للمراحل القادمة من جهةٍ أخرى، تلتها سلسلة من التكتيكات الخبيثة والمؤامرات التي تم كشفها في طيات الرسائل السرية الذي كان يقوم بإرسالها للقيادات من أجل خلق توترات أمنية ونفسية مفبركة بعناية للإيقاع بين رفقاء النضال في الساحة الإرترية سواء كان ذلك في داخل الميدان والمكاتب الخارجية على حد سواء.
كان كل ذلك من أجل خلق أرضية خصبة للإنشقاق وخلق تنظيم متجانس يتحكم عليه من أدنى الهرم إلى أقصاه، والإرتكاز على مقومات الإحتواء وإمتلاك مفاتيح التحكم على سرية القتل والإغتيالات وبالتالي تنفيذ المهام الموكل إليه من الجهات الخارجية، وتوالت صفحات الغدر والخيانة على المشروع الوطني الإرتري الذي قاده أبناء الوطن الواحد دون أن يعي خطورة الشراذم المولَّدين من أبناء (تمبين وعدوة) التجراويتين، وفي خضم تلك الصراعات الخفية وأجنداتها الخطيرة أينع رأس الحاقد إسياس أفورقي الذي إنشق عن قوات التحرير الشعبية وأعلن تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا مهد التآمر والخيانة والغدر والإغتيالات والذي كانت أول خطواته ذلك المشهد الذي كشف عنه القناع سيناريو التصفيات الجسدية على الوطنيين المخلصين من أبناء أكلي جوزاي تتقدمهم حركة منكع بقيادة المناضل الشهيد سلمون ورفاقه يليه تصفية جبهة التحرير الإرترية والتسبب في إنهيارها بالتنسيق مع الوياني تجراي وتخطيط الدوائر الخارجية وإكتمال السيناريوا بالدخول إلى مفاوضات أطلنطا السرية العلنية وبروز الدكتاتور رئيساً لإرتريا لإحدى وثلاثون عاماً بغياب الديمقراطية والبرلمان والدستور.
أيها القارئ الكريم،
هذه وتلك العناصر مجتمعة تبرز إليك الجذور التأريخية للأجندات الخفية والمعلنة لنظام إسياس أفورقي الدكتاتوري من بداية الستينيات إلى يومنا هذا ونحن نحتفل بالعيد ٣١ ليوم الإستقلال وكل مشهد من كل المشاهد مؤلم ومبكي وتقشعر الأبدان من ذكره، مواطن غمرته نشوة الإنتصار وإعلان الإستقلال، أصابته الصدمة من هول الدكتاتورية وتحول الفرح إلى حزن، بل أدار وجهه عن الوطن وهاجر وأصبح لقمة سائغة للحيتان في البحار والمحيطات، بل إنتهى به الأمر إلى كارثة لامبيدوزا التي أبكت الإنسانية، شعار البناء والتعمير تحول إلى بناء السجون والمعتقلات، تعذيب ووفيات في عقر داره ومستقره، سياسة التغيير الديمغرافي والإستيطان على موروثاته، إقصاء الشريك وإستلاب موروثاته وخياراته السياسية والإجتماعية والثقافية.
كل ذلك أيها القارئ الكريم حصاد المواطن الإرتري منذ الإستقلال ومع ذلك نحتفل بفرحة الإستقلال من أجل دم الشهيد من أجل الحرائق من أجل تلك المجازر الذي كان ضحيتها المواطن الإرتري ومن أجلهم تحتاج المرحلة إلى هندسة جديدة سياسياً وعسكرياً وتنسيقاً ملامساً الداخل بشكل مشهود لأن المرحلة ومنعطفاتها تتطلب ذلك.. سلام تحية.