بناء البديل الديمقراطي استحقاق المرحلة - الجزء الأول
بقلم المناضل الأستاذ: إبراهيم قبيل - الامين العام لجبهة الثوابت الوطنية الارترية
كثيرا ما يدور الحديث حول (البديل) في حالة اذا ما سقط النظام او اسقط او مات الطاغية
لأي سبب من الاسباب وهو هاجس يبرز احيانا علنا من خلال نقاشات متفرقة على شبكات التواصل الاجتماعي واغلب الاحيان يكون حبيس الاذهان نظرا لغموض مفهوم البديل لدى الكثيرين لأنه يطرح كثير من تساؤلات بدلا من اجابات شافيه ولكن حتى يمكننا معالجة الخلل في مفهوم البديل لابد اولا ان نعيد صياغة الطرح بصورته المتداولة لنرسم صورة واقعية للمشهد الذي شكله هذا المفهوم في بناء الاولويات لدى النخب السياسية ويمكن تقسيمهم الى ثلاثة اطراف معنية أكثر بالأمر وهم:-
1. الحزب الحاكم
2. النخب المستقلة
3. احزاب المعارضة
الحزب الحاكم:
مسالة البديل تطرح نفسها على الحزب الحاكم وكوادره وقواعده كلما مر بأزمات وخلافات داخل الحزب الحاكم وان كانت لا تحدث ربكة في صفوف الحزب الحاكم فحسب بل حتى في نظام الحكم ككل ولكن كانت قيادة الحزب تعالج الامر في كل مرة عبر معالجات سيكولوجية تعتمد بشكل كبير على عنصر اثارة (المخاوف) أكثر من كونها تطرح اجابات حقيقة على هذا التساؤل وهدفها في ذلك الحفاظ على تماسكها الداخلي وذلك على النحو التالي.
في البداية تم العزف على وتر الحفاظ على ]وحدة البلاد الداخلية [عبر التبرير الاتي:
ان البلاد تواجه مخاطر (خارجية) يقتضي على الجميع التمسك بالرئيس والالتفاف حوله.
في مرحلة تالية: العزف على وتر (غياب الكفاءة والكاريزما) التي يتمتع بها اسياس افورقي في صفوفها وبالتالي لا يوجد بديل يماثل (قدرات) اسياس افورقي ليحل محله كبديل قادر على ادارة البلاد.
في المراحل الاخيرة وعندما وضح للجميع فشل سياسات اسياس افورقي الداخلية والخارجية ودخول البلاد في ازمات على كافة الاصعدة فشل في معالجتها فشلا ذريعا وسقط مبرر (الكفاءة) المزعومة للرئيس في ادارة البلاد تم ترويج لصورة ذهنية انطباعية على شكل مقارنة او مفاضلة ما بين (السيئ والأسوأ) وذلك عبر العزف على وتر ضعف المعارضة وكثرة خلافاتها وعدم تمكنها من التهديد الجدي لنظام اسياس افورقي حتى الان رغم ضعف النظام وبالتالي لا يمكنها ان تكون بديلا جديرا يؤتمن عليه في ادارة البلاد وبالطبع كل هذا تم عبر الة الدعاية السوداء للحزب الحاكم من خلال اجهزته الامنية وهي المكلفة برصد التفاعلات السلبية التي تشكل خطرا على نظام الحكم سواء كان داخل البلاد او خارجها ومن ثم التصدي لها وهي بدورها استغلت نقطة ضعف في ثقافتنا السياسية تتمثل في تعاطي الجمهور وحتى اغلب النخب الارترية مع القضايا العامة والهامة عبر وسيلة (ثقافة الشفاهية) اكثر من المعالجات الفكرية المكتوبة التي يمكن ان تقدم حلول او اجوبة منطقية لكل الازمات أو الاسئلة الصعبة والتي تساهم في تنمية الوعي المجتمعي وبالتالي الارتقاء بمستوى التعاطي السياسي والثقافي والاجتماعي.
مما اعفاه من مهمة تقديم معالجات فكرية منطقية من خلال (مفكري) الحزب الحاكم لكل المعضلات والمشكلات التي تواجهها نظرا على ما يبدو افتقار الحزب الحاكم نفسه مثل هذه الكفاءات الفكرية في صفوفه وهذا يدل على مدى هشاشة البنية الثقافية والفكرية للحزب الحاكم.
النخب المستقلة:
وصف كلمة النخب اعني بها المثقف الغير منتمي حزبيا حاليا ومهتم بالشأن السياسي ومعارض هذه الشريحة كبيره وهي تملك القدرات المطلوبة في التعبير عن آرائها بكل الادوات كتابة او تحدث أي انها تملك القدرة على تقديم معالجات فكرية أو نقدية مكتوبة وان كان هناك تفاوت في القدرات وان مفهوم البديل لديها تم تبنيه ضمن سياق تصورات القوى السياسية لمفهوم البديل ولم يتم معالجته من قبلهم بشكل مستقل وتقديمه للجمهور باعتبار ان هذه المسالة غاية في الاهمية كونها تتعلق بقضية مصيرية وهي ما ستؤول عليه نتائج التغيير وعما اذا كانت ستكون نتائج التغيير في ضمن ثلاثة احتمالات وهي:-
• هل سيكون تحولا ديمقراطيا يعيد السلطة للشعب كما هو مفترض؟
• ام تحولا يؤدي الى ان يكون البديل هي قوى التغيير نفسها؟
• أي تكرار نتيجة معركة التحرير أم سيكون تحولا بأي كيفية كانت؟
وكون الإجابة على هذه الاسئلة سوف يحدد ملامح مستقبل البلاد ما بعد التغيير وبالتالي الأفق السياسي لعملية التغيير.
وأقول هذا الكلام ليس من باب النقد السلبي لهذه الشريحة المهمة والمستنيرة لإدراكي التام انها قادرة اذا ما رغبت ان تلعب دورا كبيرا في احداث تحول حقيقي في نمو الوعي المجتمعي الايجابي لصالح قضية الديمقراطية وبالتالي السمو بالأداء السياسي للقوى السياسية الارترية بما يتناسب والتحديات التي تواجهها بأفق واسع يمكنها من تقديم حلول وأجوبة موضوعية تقنع الجمهور بقدراتها القيادية الابداعية.
إلا انني لاحظت من خلال متابعتي ان كتابات او تعليقات كثيرا من النخب في مواقع التواصل الاجتماعي تتبنى موقفا غامضا لا يتناسب بل لا يتلاءم مع كونها من النخبة التي تملك قدرات ثقافيه وخبرات تمكنها من التحليل المنطقي الصحيح الذي يؤدي بها الى نتائج واقعية بدون الوقوع في فخ (المسايرة) حيث لاحظت بروز وجهة نظر متنامية وان كان ظاهره يدل على تأكيد حقيقة منطقية تقول (ان التغيير يأتي من الداخل) ولكنها لم تجيب على سؤال هام وهو من أي قوى بالداخل وكيف؟
هل من عناصر الحزب الحاكم سواء كانوا عسكر من الجيش او القوة الرديفه لها وهي الاجهزة الامنية المتعددة أم من قيادة الحزب الحاكم وهي الفرضية التي يميل لها اغلب من تبنوا وجهة النظر هذه ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة ما هي الضمانات التي يمكن توفرها لعدم عودة النهج الدكتاتوري القمعي مرة أخرى ويتم من خلالها صناعة ديكتاتور أخر يكرر سيناريو افورقي 25 عاما أخرى من المعاناة بالنظر الى تركيبة هذه القوى وثقافتها السياسية و هي نفس القوى التي انحازت للدكتاتور عند بروز عددا من محاولات التغيير داخل النظام نفسه ومنهما محاولتي مجموعة 15 و 21 يناير2013م وهل يمكن ان نضمن بصورة قاطعة ان السلطة سوف يتم اعادتها للشعب كما هو مفترض ويعود الجيش الى ثكناته ويتخلى تماما عن أي دور سياسي او سلطة ادارية ويقف في الحياد من العملية السياسية وتحل مليشيات الحزب الحاكم ومنها (حلاوي ثورة) وغيره؟
وهل يتخلى الحزب الحاكم عن مكتسباته السلطوية بسهوله ويسلمها للشعب ويقبل بمبدأ التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الانتخابات كوسيلة وحيدة للوصول الى السلطة ؟ أم سيتم بقبول تكرار نماذج من دول الجوار ان تكون السلطة بيد العسكر والحزب الحاكم مع وجود دور (كومبارس) للقوى السياسة المعارضة لتكون بمثابة ديكور للنظام الحاكم أي بمعنى اخر نظام المشاركة فيه صوريه لا أكثر ويتم تحيد الشعب وبالتالي المساهمة في انقاذ النظام عبر شرعنته من خلال مشاركتها الصورية تلك؟
(وهي بالطبع تجارب فاشلة بامتياز ادخلت بلدانها في ازمات قاسية تئن منها شعوبها بمرارة ولا تقل معاناتهم عن معاناة الشعب الارتري إلا بشكل طفي) وعليه ان الاجابة على هذه الاسئلة التي غفلت عنها هذه الشريحة عند تبنيها وجهة النظر هذه كان يمكن ان يبن لها ان المراهنة على قوى النظام الحاكم لا تمثل خيار أمن يمكن التعويل لأنه ببساطه لن يحقق تطلعات الشعب الارتري في الحرية والديمقراطية وذلك اذا ما وضعنا في الاعتبار أيضا كون ان النظام السياسي والإداري في ارتريا والقائم الان لا يماثل الانظمة التقليدية في الدول التي تحدث فيها انقلابات عسكرية حيث ان هذه الدول تكون المؤسسة العسكرية فيها (احترافية) غير (مسيسة) او (مؤدلجة) كما هو الحال في ارتريا اذ الجيش فيها هو جزءا من اجهزة الحزب الحاكم أي انه مسيس وخاصة قيادته العليا التي جاءت من صفوف كادر الحزب الحاكم وكذلك الامر ينطبق على الاجهزة الامنية وإذا ما اضفنا عامل أخر مهم وهو حجم الفساد المالي والإداري المستشري وسط صفوف ضباط الجيش والأمن.
وحتى لو تم حدوث انقلاب عسكري فهو سيستهدف راس النظام مع بعض اعوانه فقط وقد يكون نتاج صراع داخلي ولكنه في كل الاحوال لن ينقلب على نفسه أي على منهجه السياسي ولن يتخلى عن مكتسباته المادية والسلطوية بسهولة هذا اذا ما افترضنا امكانية حدوثه بنجاح وتأييد جميع اجهزته وعناصره.
وعليه ان تبنيها لمثل هذا التصور ناتج في تقديري عن حالة احباط معنوي لا اكثر نتيجة لما تمر به الساحة السياسية لقوى المعارضة في المرحلة الحالية.
احزاب المعارضة:
صحيح ان الشعارات المرفوعة والأهداف المعلنة سواء كانت مضمنة في برامج الاحزاب او الكتل المنضوية تحتها توحي بان البديل الديمقراطي هو ما تطمح اليه ولكن في الواقع العملي نجد عدم الاكتراث واضح لتحديد لماهية نوعية البديل او بالشروط التي من المفترض ان تتوفر فيه ليكون ديمقراطيا بحيث يؤدي في نهاية المطاف دوره المطلوب الا وهو تسليم السلطة للشعب في حالة النجاح في اسقاط الدكتاتورية وإحداث التغيير لا ان تكون نتيجة التغيير هي ان تحل قوى التغيير نفسها بديلا عن السلطة الدكتاتورية لتستحوذ على السلطة بدورها بحق (الفتح) أو سميه بحق (الانتصار) كما فعل الحزب الحاكم بعد التحرير لندخل مرة أخرى في نفق مظلم من دكتاتورية اخرى تحت عنوان مختلف.
وبالرغم من ان مؤتمر اواسا عدل المسار في الاتجاه الصحيح عندما فرض صيغة الديمقراطية التوافقية التي تضمن مشاركة الجميع دون اقصاء في التمثيل لعضوية المجلس الوطني - احزاب + منظمات مجتمع مدني + ممثلين عن الجماهير في دول العالم + الرعيل + شخصيات وطنية وهي القوى التي شكلت عضوية المؤتمر والاحتكام الى الية الحوار في حل الخلافات وليس التغليب وعدم فرض رؤى مسبقة لمستقبل البلاد قبل تسليم السلطة للشعب إلا انه وبعد تشكيل المجلس الوطني حدثت انتكاسة أخرى جرفت المجلس عن المسار الصحيح حيث دخلت القوى المكونة له لا سيما الاحزاب السياسية في دوامة خلافات وصراعات عطلت مسيرة المجلس الوطني لمدة ثلاثة اعوام وان كان اخيرا قد تم الاحتكام الى الية ألحوار ونأمل ان تنجح في الخروج من ازمته ونعبُر الى المؤتمر في وفاق تام بأذن الله بروح اواسا.
ولكن في تقديري ان الخلافات والصراعات التي تحدث من حين الى اخر والتي تسببت في تعطيل مسيرة قوى المعارضة طيلة السنوات الخمسة وعشرون ارى ان اسبابها موضوعية اذا ما ادركنا حقيقة تاريخية وهي ان الثقافة السياسية التي تتحكم في تعاطينا للشأن العام او بالأصح العمل السياسي هو الفكر الشمولي الذي لا يقبل الرأي الاخر وهو الفكر الذي تغلغل تحت مبرر (ضرورات المرحلة) التي فرضتها طبيعة معركة التحرير منذ ميلاد حركة تحرير ارتريا ومن ثم جبهة التحرير الارترية بحكم ان الهدف الاساسي كان هو تحرير البلاد من المحتل الاجنبي عبر وسيلة الكفاح المسلح فرض ان يكون العمل السياسي (حشدي) او بمعنى اخر حشد الجماهير والأصدقاء الداعمين لمصلحة الكفاح المسلح وليس عمل سياسي بالمفهوم الديمقراطي الطبيعي (التعددية الحزبية) وان كان هو اطار (جبهوي) بحكم المسمى الا انه لم يكن يسمح فيه بتعدد حزبي او فكري في اطاره لان ذلك كان يتعارض مع (قدسية مبدأ وحدة الهدف والقيادة و وحدة الثورة) وكان ينظر التعددية الحزبية باعتبارها (ترف فكري ونخبوي) لا يتناسب مع طبيعة مرحلة الثورة ومن هنا تمكن الفكر الثوري بكل اتجاهاته الفكرية وبحكم طبيعته الشمولية تحكم في مفردات الخطاب السياسي للثورة فحسب بل ايضا في تشكيل هياكلها التنظيمية وضوابطها الداخلية وأسلوبها التعبوي وحتى عندما حدث تعدد لفصائل الثورة والذي لم يكن نتاج صراع فكري - ايدلوجي بقدر ما هو (انشطاري) سببه الاساس الخلافات على مستوى راسي (قيادي) وهذا التعدد لم يكن اضافة نوعيه يفرض بحكم تعدد كياناتها السياسية تعددا حزبيا فكريا - ايدلوجيا في اطار جبهوي عريض للثورة الارترية بحيث يكون نواة لنظام ديمقراطي تعددي فيما بعد التحرير والاستقلال كما هو مفترض أنما كان للأسف مجرد عملية استنساخ للمنهج والفكر والممارسة ذاتها مع اختلاف فقط في المسميات والعناوين.
وبالتالي لم يشكل وجود تعدد فصائل الثورة منعطف ايجابي في مسيرة الكفاح المسلح يدفع في اتجاه اعادة صياغة الثقافة السياسية الارترية وفق المفاهيم والقيم الديمقراطية لذا استمر النهج الشمولي في سيطرته على الثقافة السياسية الارترية حتى ما بعد الاستقلال برغم من اختلاف طبيعة المرحلة والتي من المفترض على الاقل ان يتم فيها تغيير الادوات والأطر والهياكل التنظيمية والنظم بحيث تستوعب المفاهيم والقيم الديمقراطية في البناء الحزبي للتنظيمات المعارضة باعتبار ان مبرر صراعها مع السلطة الدكتاتورية هو نضالها من أجل التغيير الديمقراطي.
نواصل... في الجزء القادم
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.