جامعة اسمرة... التي فَرَّتْ من قسوره - الجزء الاول
بقلم المهندس: موسي عَوِلْ خير - كاتب إرتري
الجزء التمهيدي: تحت هذا العنوان الرئيسي سوف أقوم بالكتابة عن عناوين جانبية لبعض نماذج الحركة الطلابية
في بعض مؤسسات التعليم العالي وتأثيراتها في تشكل الحركة الطلابية الإرترية - جامعتي أديس أبابا والخرطوم وثانوية الأمير مكنن - ودور وتضحيات الحركة الطلابية الإرترية في معركة الوعي
أولاً: وقيادة الأمة تجاه مقاومة الاستبداد
ثانياً: بالإضافة إلى دورها في إذكاء الشعور الوطني خلال سنوات الكفاح المسلح ومساهماتها في مشروع التعليم الثوري تحت شعار (نقرأ ونناضل) مع ذكر بعض النماذج ما أمكن إلى ذلك سبيلاً، وربط هذا الحراك الطالبي ومقارنته بالدور الغائب - أو المغيب - لجامعة أسمرا في وقت كانت فيه بلادنا التي خرجت لتوها من حرب ضروس لا تبقي ولا تذر، كانت فيه أحوج ما تكون لهذه الأدوار التي كان يجب أن تتكامل مع الدور الذي تقوم به مؤسسات الدولة الرسمية المناط بها مسئوليات التفكير والتخطيط والتنفيذ للمشروعات الوطنية الاستراتيجية (فكرية - سياسية - تنموية - اجتماعية) والتي ضحى شعبنا من أجل أن يراها يوماً ماثلةً تتحدث عن نفسها لتطبب كل تلك الجراحات الغائرة في جسد الأمة، ولن تكون الحلقات سرداً تاريخياً بقدر ما هي تبياناً للدور الطليعي الذي لعبته الحركة الطلابية في معركة الوعي والانعتاق، وصولاً إلى فهم طبيعة القرار الذي اتخذه النظام بخصوص بعثرة جامعة أسمرا (أسبابه ومآلاته) بالإضافة إلى انعكاساته على حضور أو غياب هذه الأدوار الهامة في حياة كل الأمم، فضلاً عن أمتنا التي لا تزال تحاول النهوض من تحت الأنقاض.
لم يكن الطالب الارتري بمعزل عن ما كان يدور في البلاد منذ بواكير ارهاصات الحركة الوطنية الارترية في بدايات عقد الأربعينات من القرن الماضي بالرغم من ضآلة حجم الكتلة الطلابية الجامعية في تلك الآونة، إلا أن الطالب الارتري - حتى لو كان طالب كتاتيب قرآنية أو أديرة رهبانية - كان يحمل هم الأمة التي كانت تتنازعها الأمم وهي تحاول أن تشق الصخر شقاً كي تتمكن من تخطي هذه الولادة القيصرية.
مما لا شك فيه إن مرحلة التعليم العالي (الجامعي) تعتبر من أهم مراحل التعليم في حياة الأفراد لتزامنها مع بداية تشكل الشخصية الاستقلالية التي تميل إلى التحرر من كل القيود التي لازمتها خلال فترة الطفولة من رعاية الأسرة إلى الرقيب الاجتماعي وذلك بدافع عنفوان الشباب، واتصالها بتلك الرغبة الجامحة للاطلاع على كل ما هو جديد حيث يصل الأمر إلى التمرد على المألوف في كافة المستويات (فكرية - سياسية - اجتماعية) لا تقتصر مرحلة الدراسة الجامعية في اكتساب المهن والحرف التي تساعد الفرد في ان يعيش حياة كريمة على المستوى الفردي فحسب بل تتعداها إلى بناء الشخصية القيادية والاجتماعية بفتحها آفاق جديدة للتواصل مع الآخرين في فرصة لم تكن لتتوفر في ذاك الحيز الضيق في بيئته الصغيرة التي عاش فيها خلال سنين التعليم العام، فالجامعة جامعة لكل فئات المجتمع من أقصاه إلى أقصاه، وقد يبدأ هذا التجمع في مراحل التعليم الثانوي بحسب الامكانيات المادية للدولة، فكلما كانت الدولة غير قادرة على توفير المدارس الثانوية في القرى والحضر، عندها تضطر إلى حصر المدارس الثانوية في بعض المدن الرئيسية وهي الحالة التي تناسب واقع حال إرتريا في بداية ستينات وسبعينات القرن الماضي، الأمر الذي مكن بعض المدارس الثانوية من رفع لواء الجامعات ولعب أدوار في اعداد الكيانات الطلابية استعداداً للقيام بدرها تجاه قضايا المجتمع وقضاياها المطلبية.
لا استطيع ادعاء معرفة تفاصيل ملف الحركة الطلابية الارترية، فهو ملف أكبر بكثير من الجهود الفردية، وهو من نوع الملفات التي كان يجب اسناد مهمة كتابة تاريخها ومجاهداتها واسهاماتها لمؤسسات متخصصة ترصد لها ميزانيات وتشكل لها فرق عمل متعددة ومتخصصة، ولكنا وللأسف الشديد وبعد ثمانون عاماً من النضال لا نزال شعب يبحث عن نفسه في نفسه، ولا تزال البوصلة ضائعة بعد كل هذه التضحيات، إلا أنه حتى على مستوى الاجتهادات الفردية قد يكون أمثالي آخر من يتجاسر للكتابة عن نضالات الحركة الطلابية في إرتريا، ولكني آليت على نفسي أن أحفر في الجدار لعلي أفتح كوةً للنور، ولا أتمنى أن تموت محاولاتي على وجه الجدار وذلك للأسباب الآتية:-
• كل القادرين على الكتابة عن تاريخ الحركة الطلابية ممن كانوا فاعلين أو معاصرين أو متابعين مصابون بمتلازمة الصوم عن الكتابة وتمليك الأجيال تاريخها، لو استثنينا بعض المحاولات القليلة والتي نرفع لها القبعة مهما كان انتاجها وننتظر منها المزيد ريثما يفطر الصائمون.
• من خلال قراءاتي لبعض الكتابات التي ذكرتها أعلاه وجدتها أغفلت جانباً مهماً - ومهماً جداً - من تاريخ الحركة الطلابية الارترية وهو علاقتها بالحركة الطلابية الاثيوبية، لذا سوف أحاول التركيز على هذا الجانب.
• من أهم ما دفعني لخوض هذه المغامرة وجود أجيال حديثة لا تعرف من ارتريا إلا اسمها، وان المسئولية الوطنية تفرض علينا اعطائهم المفاتيح على أقل تقدير حتى يتمكنوا من البدء في مشوار البحث عن الحقيقة.
• وأخيراً واقع الحال لجامعة أسمرا والذي دفعني لمهر هذه المقالات باسمها.
لهذه الأسباب وجدتني مضطراً لخوض الكتابة عن حركة إلتحقت بها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة.
ختاماً: ادعوا كافة قيادات الحركة الطلابية الارترية واعضائها وكل العارفين بتفاصيلها - وأعرف الكثيرين منهم - أدعوهم للقيام بمسئولياتهم التاريخية تجاه كتابة هذه التجربة الغنية بالنضالات، ومن لم يتحمل عناء الكتابة فاليملكنا الحقائق والوثائق (ان وجدت) ونحن نكفيه عناء الكتابة.
إلى اللقاء... في الجزء القادم