الرابع والعشرون من مايو الذكرى التاسعة والعشرين لاستقلال ارتريا
بقلم المناضل الأستاذ: علي محمد صالح شوم - دبلوماسى أرترى سابق، لندن
يتزامن هذا العام الاحتفال بعيد الاستقلال المجيد مع عيد الفطر المبارك وانتهز الفرصة
لأتقدم للإرتريين والارتريات والمسلمين والمسلمات في أنحاء المعمورة بأسمى التهاني والتبريكات سائلا المولى العلي القدير أن يعيد علينا وعلى أوطاننا العزيزة العيد باليمن والخير والبركات وكل عام وانتم بخير.
يسرني كذلك أن أتقدم بأحر التهاني القلبية إلى أبناء وبنات الشعب الارتري في الداخل والخارج بهذه المناسبة العزيزة علينا والانجاز التاريخي الذي تحقق عبر تضحيات جسام قدمها الشعب خلال الثلاثين عاما ضد قوات الاستعمار الاثيوبي التي كانت تتفوق علينا عدة وعتادا وتسليحا من دول الغرب والشرق. إلا أن إرادة الشعب الارتري كانت الأقوى.
لا شك بأن الشعب الارتري قدم تضحيات كبيرة تقدر بحوالي المائة ألف شهيد وعدد كبير من جرحى حرب التحرير، بالرغم من أن الجيش الاثيوبي مارس سياسة الأرض المحروقة ضد الشعب في الريف بهدف عزل الثورة الارترية، وقد أحرق العديد من القرى على مستوى الوطن نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر قرى عد إبرهم وأم حجر وعونا بسكديرة، عاليت، قندع، حرقيقو، امبيرمي، شعب، وكي زاقر، ارافلي، أغردات، عندي بديل، عدي جبروا وكوربيلي، الخ. إلا ان الشعب الارتري صمد أمام كل هذه الجرائم أكد وقوفه إلى جانب ثورته.
الثورة الارترية بمختلف فصائلها تصدت للعدو وكبدته خسائر فادحة في مختلف الجبهات إضافة إلى العمليات الفدائية الجريئة التي نفذت في قلب اسمرا وبقية المدن الارترية مما أجبر العدو على أخذ وضعية الدفاع.
فعلى الصعيد السياسي تمكنت الثورة الارترية من كسر الطوق الإعلامي حيث تمكنت من التحرك على الصعيدين الإقليمي والدولي لشرح طبيعة الصراع وطلبا للمساعدات العسكرية والمادية والعسكرية والعينية. بعض الدول العربية التي كان لها علاقة بالثورة الارترية قامت بدور فعال لإقناع بعض الدول بعدالة القضية الارترية وتقديم المساعدة وفعلا أن تلك المساعدات أثمرت.
الحديث عن الثورة الارترية لا يمكن إيجازه في عدة أسطر بل يحتاج إلى مجلدات. كنا نسمع من خلال وسائل الاعلام عن ثورة الجزائر، والثورة الفيتنامية والانتصارات التي تحققت في مختلف وسائل الاعلام لعبت دورا كبيرا في نقل تلك الإنجازات.
رغم أن الثورة الارترية كانت تعاني من تعتيم اعلامي إلا أنها بإمكانياتها المتواضعة ورغم تفوق العدو بالعدد والعتاد تمكنت من تحقيق بطولات لم يشهد لها مثيل وخلق واقعا ملموسا يصعب تجاوزه. الاستقلال لم يأت بهذه السهولة بل جاء نتيجة بطولات وتضحيات جسيمة يعجز القلم عن وصفها كما ينبغي.
من المؤسف أن هذا الإنجاز التاريخي الكبير للشعب الارتري أصبح سرابا نتيجة ممارسات الطغمة الحاكمة في ارتريا. كان ينبغي أن تكون ارتريا ضمن الدول المتقدمة في اقتصادها ونهضة شعبها في مختلف الأصعدة، فإرتريا تمتلك الإمكانات الاقتصادية الكبيرة، إضافة إلى موقعها الجغرافي الحيوي، علما بأن الشعب بالحيوية والكدح والإنتاج ولو اتيحت له الفرصة لأبدع في كل المجالات.
وضمن الإمكانيات الكبيرة التي تتمتع بها ارتريا الزراعة، والثروة الحيوانية والثروة السمكية وإنتاج الملح والسياحة، والجميل من الناحية السياحية أن ارتريا تتمتع بالفصول الأربعة في آن واحد. وهناك أيضا الثروات المعدنية كالذهب والنحاس والبوتاس كما أن بعض الدراسات اكدت وجود البترول. وارتريا كانت تتمتع ببنية تحتية قديمة وفي فترة الاستعمار الإيطالي كانت اسمرا تعرف ب "سكوندا روما" أي روما الثانية.
كانت ارتريا تستقبل مستثمرين من مختلف البلدان وإضافة إلى بقايا الايطاليين كانت هناك الجاليات الاثيوبية واليمنية والصومالية والجالية الهندية وبعض اليهود ومن بعض الدول العربية كمصر والسعودية.
كانت ارتريا تشتهر بتصدير القطن واللبان والجلود والفواكه كما كانت توجد فيها مدابغ الجلود ومصانع الصدف، حيث كان هناك مصنع في كرن لإنتاج الصدف ويعرف بالإيطالية باسم شيشتا، وأغلب المصانع كانت في العاصمة حيث كان هناك مصنع البيرة ومصانع الملابس المختلفة. حتى في مجال المواصلات كانت ارتريا تتفوق على دول الجوار، حيث وجد بها في الثلاثينات أول خط للعربات المعلقة "التلفريك" ووجد بها خط سكة حديد قبل الذي وجد في القاهرة. أما على الصعيد الثقافي والرياضي فقد كان بها فرق لكرة القدم، وسباق الدراجات والعاب القوى. ولكن للأسف اليوم أصبحت الدولة فقيرة حتى النخاع، بعد أن كانت متقدمة في مجال التعليم بالمعاهد المختلفة والجامعة. أما في مجال الفن والثقافة كان هناك دور السينما مثل امبيرو واوديون سينما دانتي، وفرقة الشرطة الموسيقية وفرقة تياترو اسمرا المعروفة، والتي خرجت فنانين كبار مثل الأمين عبد اللطيف وعثمان عبدالرحيم.
بهذه المناسبة أود مناشدة أبناء وبنات الشعب الارتري في الداخل والمهجر للعمل من أجل انقاذ البلاد من هذه الطغمة الحكمة ومحاربة ما تدعو إليه بعض العناصر من خلافات إقليمية وقبلية ودينية، لأن الشعب الارتري بطبيعته شعب واحد وأن هذه العناصر تحاول ممارسة سياسة "فرق تسد". وروح التضامن والوحدة هي الضمان الوحيد لإفشال سياسات التفرقة والتشتت، حتى تكون ارتريا ضمن الدول المتقدمة والواعدة.
وإن شاء الله العلي القدير نحتفل العام القادم في بلادنا لنكرم شهدائنا وجرحانا والمناضلين والمناضلات الذين أبلوا بلاء حسنا وتخليد ادوارهم الوطنية المشرفة.