المنتخب الوطني الإرتري جدلية الجدارة الشخصية وعتبات الهوية
بقلم الأستاذ: حامد سلمان - كاتب وناشط سياسي إرتري
يفترض بالرياضة بكافة ضروبها أن تسير في طريق خاص بها منفصل عن السياسية وتعقيداتها ،
لتحقيق الأهداف العامة للرياضة التي من أهمها تعزيز صحة الإنسان وتقوية التواصل بين الشعوب والثقافات المختلفة وتأكيد روح التنافس النزيه والسعي بشرف إلى تحقيق الإنتصارات الرياضية.
المعيار الذهبي للرياضة هو دائما الجدارة الشخصية والمقدرة والمهارة التي تتطور عبر التدريب المستمر ، فالرياضي الأكثر مواظبة على التدريب وبذل الوقت والعرق يضمن الفوز والتفوق بين أقرانه بغض النظر عن عرقه ولونه وديانته.
فاز المنتخب "الوطني" الإرتري على نظيره الكيني بنتيجة 4-1 في المبارات التي جرت ضمن منافسات دورة سيكافا المقامة في كمبالا ، حتى هنا الأمر طبيعي ، الأمر الغير طبيعي هو الجدل الكبير الذي ثار حول مدى تمثيل المنتخب الإرتري لحقيقة التنوع الديني والإثني الذي يزخر به شعب إرتريا ، لأن قائمة المنتخب الإرتري بما في ذلك المنتظرون في دكة الإحتياط كلهم من مجموعة إثنية واحدة هي (التجرينيا) ومن هنا ذهب بعض نشطاء وسائل التواصل الإجتماعي إلى وسم المنتخب بأنه منتخب " التجرينيا" بمعنى أنه منتخب يمثل قومية واحدة ومفروض بالأمر الواقع ولا يمثل الشعب الإرتري الغني والمتنوع ، بينما ذهب آخرون إلى اعتبار المنتخب يمثل إرتريا ويكفي أنه يحمل إسم إرتريا حتى لو كان جميع أفراده ينحدرون من خلفية عرقية واحدة. وعبروا عن فرحتهم بالفوز ونثروا التهاني يمنة ويسرة.
والجدير بالملاحظة هنا أن الفريقين المتناطحين في هذا الجدل كلهم من المجموعات الإثنية الأخرى من غير التجرينيا ، بمعنى أن التجرينيا يعيشون فرحة إنتصار المنتخب الإرتري دون منغصات ، فهناك طليعة متقدمة تتكفل دائما بالدفاع عنهم في غيابهم وليسوا بحاجة للإنغماس في مستنقع خطر حسمت نتائجه لصالحهم بتدخل معجزات إلهية خارقة تسخر لهم من البشر من هو مستعد للدفاع عنهم ويستميت في الذود عنهم مهما كلفه ذلك.
هناك حزمة من الأسئلة المنطقية يفترض بالجميع الإجابة عليها قبل الدخول في جدل كبير بهذا القدر من الحدة والتعصب والأسئلة هي:-
1. هل الرياضة عموما والمشاركة والتفوق الرياضي بشكل خاص يعتبر حق لكل مواطن ولكل إنسان أم أن هناك بشر لا يصلحون للرياضة والتفوق الرياضي ؟
2. ما هي معايير الإختيار لعضوية المنتخب الوطني لكرة القدم في إرتريا والرياضات الأخرى بما في ذلك سباق الدراجات وسباقات العدو والوثب ؟ والإجابة على هذا السؤال تحديدا تحتاج إلى شهادات من أشخاص لهم تجربة شخصية أو شهود على تجارب لأشخاص آخرين. هل هناك أدلة وشهادات عن مدى تطبيق أو عدم تطبيق معايير الجدارة والكفاءة الشخصية عند ترشيح اللاعبين للمنتخب الإرتري ؟
3. هل هناك مشاكل فيزيائية جسمانية أو نفسية أو ثقافية تمنع المجموعات الإثنية الإرترية الأخرى من ممارسة الرياضة والتفوق فيها ؟
4. ما هي الاسباب الحقيقية التي تجعل المنتخب "الوطني" الإرتري يعجز عن إيجاد خانة بين صفوفه لمن هم من غير التجرينيا ، بعد مرور ما يقارب ثلاثين عاما من استقلال الدولة التي تحقق وجودها بدماء وتضحيات جميع أبنائها ، نتحدث هنا عن تسع مجموعات إثنية وثقافية ودينية إرترية تمثل نسبة تتراوح بين الستين والسبعين في المائة من تعداد السكان حسب التقديرات الأولية المنصفة والمحايدة ، هل الرياضة بجميع أنواعها لا تستهوي تلك المجموعات ؟ أم أن الموضوع برمته يتعلق بسياسة الدولة الإرترية الرسمية التي تهدف من خلالها إلى بناء وترسيخ صورة ذهنية محددة تتعلق بهوية الدولة ضمن مشروع بناء الدولة ذات الهوية القومية الواحدة.
ربما يستبسط البعض مسألة التنوع في التمثيل بالنسبة لكل المجالات التي تمثل الدولة وتعكس هويتها بشكل مباشر أو غير مباشر ، لكن ليس الأمر مفاجئا لمن ظل يراقب السلوك الرسمي للدولة الإرترية منذ فجر التحرير أن يكون المنتخب الإرتري يتشكل من مجموعة عرقية واحدة ، وليس بالأمر الجديد ولا بالأمر المفاجئ لمن يملك معلومات مؤكدة تتعلق بأوامر صدرت من العصابة القومية التي تتحكم في كل شيئ يتحرك داخل إرتريا بمنع كل المجموعات الإجتماعية والإثنية والقومية ما عدا التجرينيا من دخول أو الإقتراب من مجالات تخصصية معينة.
وعلى رأسها مجال الطيران العسكري ، وقيادة السفن الحربية وقيادة القوات البحرية وحماية التراث والتنقيب عن الآثار التأريخية.
فتش تان تلدا ، كما قالت العروس في الطرفة السودانية ، فتش عن أي مواطن إرتري من غير التجرينيا حصل على تدريب وتأهيل في مجال الطيران العسكري منذ التحرير وحتى اليوم ، فتش يا أخي الكريم ولو وجدت أحدا حصل على منحة دراسية حكومية للحصول على تأهيل متخصص في إدارة وقيادة وتشغيل القطع العسكرية البحرية فلا تبخل علينا بالمعلومة ، طبعا حمد كاريكاري ليس من التجرينيا وهو قائد القوات البحرية لكن كل القائمة التي تعمل تحت إمرته تم تأهيلها بعد التحرير ، وهي بنفس النسق الذي ظهر عليه المنتخب "الوطني جدا" الظافر في كمبالا ، اليوم أصبحت كلها كوادر عسكرية تعرفت على أسرار وحقائق البحر الأحمر وجزره وسواحله بكل التفاصيل اللازمة على يد رجل البحر حمد كاريكاري.
وهذا ينطبق على كل المجالات لا تستثنى منه كرة قدم ولا كرة يد وهو سياسة مدروسة تنفذها العصابة القومية الحاكمة في إرتريا وعلى عينك يا تاجر.
شكل المنتخب الإرتري في كمبالا يأتي ضمن سياق طبيعي يعكس سلوك رسمي سلكته الدولة الإرترية منذ التحرير ، ولكن لحسن حظ هذه العصابة أنها تجد دائما "الكتيبة المتقدمة" التي تقف سدا منيعا لكل من تسول له نفسه النيل من هيبة "الدولة" وكرامتها.
من يقرأ التأريخ ويراجع وقائعه بوعي وعمق لا يشك في أن ما حاولت عصابة أفورقي بناءه خلال ثلاثين عاما مضت سوف ينهار في لحظة واحدة لأن ما قامت به هذه العصابة من سلوك أمني وسياسي واقتصادي وثقافي في السنوات الماضية هو إيغال شديد في الحمق والجنون وجهل واضح بالإستراتيجيات وبتأريخ الشعوب ، عصابة أفورقي أهلكت مواردها المادية والبشرية في محاولة لخنق وإيقاف التأريخ وحرف قطار التأريخ عن مساره ، ولكنها سوف تكتشف عما قريب بأن سفن العودة قد أحرقت وليس أمامها إلا مصير واحد "الهزيمة المذلة والغياب عن صفحات التأريخ بأسرع مما توقعت".
إذا كان الإقصاء الممنهج شر مطلق فالتبرير له من قبل الضحايا حماقة مطلقة.