تقييم دور الشباب الأرتري ورصد نشاطه
بقلم الأستاذ: عبدالرازق سعيد قليواي - سانقالين، سويسرا نقلا من مجموعة: حوار لوعي مشترك - واتس آب
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين ونصلي وسلم على أفضل خلق الله
سيدنا وحبيبنا المصطفى محمد ابن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
الأخ الكريم صلاح أبوناصر المشرف العام لقروب الحوار لوعي مشترك
السادة أصحاب المعالي والقامات العلمية الكبيرة
أحبتي أبائ الاساتذة والمناضلين من أجل قضية شعبنا العادلة
السادة والسيدات الاخوة والأخوات الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في الحقيقة تَرددتُ كثيرا عندما كَلفَنيِ الاخ أبو ناصر للمشاركة في تقديم ورقة عن دورالشباب في ارتريا ما بعد الاستقلال، وتَردُدِي هذا أو خوفي ان صح التعبير... لا لشيئ وانما ِلوَجُودِي وسط عدد مقدر من أصحاب القامات العلمية الكبيرة واساتذة اجلاء ومناضلين كبار أَفنوا زهرةَ شبابهم في سبيل هذا الوطن الجريح، فكرتُ كثيرا أن أبقى دائما خلف الستار مستمعا ومتابعا لكل القضايا المطروحة والمداخلات القيمة.
ولكن حبي وحاجتي الماسة للمعرفة والسير في حقولها تحت اشرافكم جعلتني أخوض هذه التجربة الفريدة في حياتي سائلا المولا عزَّوجل أكون ضيفا خفيفا عليكم واعتذر مقدماً عن أي خطأ لغوي أو سرد مُخل في الورقة فأنا بمثابة تلميذ يسعى لكسب المعرفة من درُوب ضالاتكم وخبراتكم الواسعة في مجال الحياة العلمية والفكرية.
فلكم مني كل الحب والاحترام.
موضو الورقة - تقييم دور الشباب الأرتري ورصد نشاطه:
مدخل:
يَعرفُ الجميع ِمنَا أن الشباب هم عمادُ الامة والمدافعين عن كرامتها وحُماة حِماها وقوة دفعها، بِهم تُبني الاوطان وَتُـعَـمـَرْ، وغيابُ الشباب عن الحياة العِلمية والتنموية هو خطرٌ كبير يَمتدَ أثرهُ لِيُصيب الوطن والمواطن بالشلل و الشيخوخة في كل مناحي الحياة، فهم القلب النابض وبسواعدهم تُبني وتتحرر الأوطان، وخير شاهد على ذلك ما قدمهُ الشباب الأرتري أيام الكفاح المسلح بقيادة الشهيد والزعيم الوطني حامد ادريس عواتي ضد الاستعمار الاثيوبي الغاشم، فعندما ننظر لتلك المرحلة نجد ان لفئة الشباب الارتري كان لها دوراً كبيراً في النضال والكفاح المسلح لتحرير الوطن والمواطن الارتري من الاستعمار الاثيوبي الذي دام ثلاثون عاماً، وكان لهذه الفئة الشابية دوراً مهماً في حسم المعركة لصالح الشعب الارتري والذي توج بالإستقلال في 1991/5/24م.
بعد أن دفعت فاتورة النضال كانت نتائجها دماء عشرات الألاف من الشهداء والمعاقين وجرحي التحرير، وذلك من أجل إقامة وطن حر ينعم فيه شعبنا بجميع مكوناته المتعددة بنسمات الحرية والسيادة الوطنية المبنية علي السلام والعدالة والمساواة والديمقراطية، ويضمن للشباب الأرتري مستقبلاً أفضل ينهض بهذا الوطن الغني بثرواته الهائلة نهوضاً مُزدهراً مثله كباقي الشعوب الحرة في العالم، الا أن هذه التضحيات العظيمة التي قدمها الشباب الإرتري البطل تبددت وإصطدمت بواقع مرير وأليم، عندما إستولي النظام الديكتاتوري في إرتريا بالسلاح على مفاصل الحكم واقفاً ضد رغبات واَمال وطموحات الشعب.
وبعد هذه المقدمة الموجزة عن دور الشباب الارتري ايام الكفاح المسلح سنتطرق في هذه الورقة الأن للمحاور التالية:-
أولا - دور الشباب في أرتريا ما بعد الاستقلال:
في الفترة ما بعد التحرير واستقلال أرتريا ومن ثم تأسيس ما يسمى بالدولة الأرترية إن صح التعبير، نجد الشباب الأرتري مرَّ بمنعطفات ومطبات خطيرة، حيث قام النظام الحاكم في أسمرا لطمس وقتل طموحات الشباب واستعباده الدائم من الحياة العِلمية والعَملية والتنموية، وذلك من خلال برنامج الخدمة الوطنية الغير محدد بسقف زمني وهذا ما يخالف جميع الأعراف والقوانين الدولية، وتطبيق هذا البرنامج الهمجي الغير مدروس أدي في أوساط الشباب إلي تفشي الأمراض النفسية الخطيرة بمعسكر ساوا وغيرها من معسكرات التجنيد المنتشرة في البلاد، ونتيجةً لسوء المعاملة والإضطهاد والتعذيب الجسدي الذي تمارسه القيادات العسكرية في حق المجندين، جعلتهم يشعرون بأن لاقيمة لحياتهم وأدميتهم في ظل الوضع الراهن.
كانت نتائج هذه الحالة المزرية، الهروب بأعداد كبيرة إلي خارج الوطن رغم المخاطر المحدقة والمهلكة لحياتهم، فعندما نقارن دور الشباب أيام الكفاح المسلح التي كانت سمتها حب الوطن والمواطن الأرتري والتضحية من أجله بشجاعة.
نجد هذا الدورالبطولي في أوساط الشباب غير متوفر ما بعد استقلال أرتريا حيث الجميع يفكر بالخلاص والهروب خارج الوطن ودون العودة، لما أصابه من الخوف والهلع نتيجة القمع والقتل الممنهج من قبل نظام أفورقي والعصابات المحيطة به.
ثانيا - تقييم الحراك الشبابي الارتري ورصد نشاطه في الوضع الراهن:
ويمكن تقسيم هذا المحور الى:-
أ) تأثيرات الربيع العربي على الحراك الشبابي الأرتري.
ب) تأسيس الحراك الشبابي الأرتري في دول المهجر.
أولاً - تأثيرات الربيع العربي علي الحراك الشبابي الأرتري:
الانتفاضة الشبابية في الربيع العربي ضد الانظمة القمعية في بلدانها، جعلت الحراك الشبابي الارتري يندفع بقوة للتفاعل مع هذا الواقع الجديد والذي يعكس همومه ومعاناته في دول المهجر، وفي ظرف وجيزه استطاع الحراك الشبابي الارتري وقت ذاك أن ينظيم صفوفه لشعوره القوي بحتمية التغيير والتطلع إلى فجر جديد، بدأت هذه الخطوة بتنظيم المظاهرات وحشد الطاقات الشبابية التي أبهرت كل المراقبين للشأن الارتري في كل من سويسرا وامريكا والسويد والمملكة المتحدة واستراليا والمانيا والنرويج والقاهرة وإسرائيل، فعبرهم اتضحت الملامح المطالبة بالتغيير وانجلت السحابة السوداء التي كانت تغطى سماءنا لفترة طويلة.
إن الشباب الذي آمن وأدرك تماما بأن النضال والتظاهر ضدد النظام هو مفتاح التغيير أدرك بأن هذه الخطوة يمكن أن تأتي ثمارها ونتائجها الايجابية على الساحة الارترية، ومن هذه البوابة المفتوحه نظم الشباب الارتري نفسه في دول المهجر لمقاومة النظام الذي أخذ شرعيته بالقمع والإستبداد وقوة السلاح مما عطل عملية التقدم وشل عملية التطوير وبناء الانسان الارتري.
فنجد الشباب الارتري في دول المهجر تخطى الدائرة السلبية التي كانت تلازمه لفترة طويلة وتعاطى مع الواقع الجديد بصورة جيدة وبإنفتاح اكبر، وأحدث طفرة للقضية الارتريه واعطاها الزخم والحيويه ودفع بها نحو الافضل.
ثانياً - تأسيس الحراك الشبابي الأرتري في دول المهجر:
تلبيةً لمتطلبات مرحلة التغيير الديمقراطي المرتقبة في ارتريا قامت مجموعة من الشباب الأرتري المقيمة في دول المهجر بتأسيس حركات أواتحادات شبابية تعبرعن همومهم ورغبتهم الأكيدة في عملية التغيير وتأسيس نظام ديمقراطي تعددي في أرتريا، تكون ركائزه الاساسية اقامة الدولة المدنية الدستورية التي يتساوى فيها الجميع أمام القانون، ومرحلة التأسيس في تلك الفترة واجه فيها الشباب صعوبات وتحديات ليس من السهل تجاوزها.
أن الحراك الشبابي الأرتري في دول المهجر عند إنطلاقته وتأسيسه في تلك الفترة، واجهته ظروفٍ عصيبة ومطبات معقدة ! إلا أن إصرار الشباب وخاصةً في سويسرا ومصر بعدالة قضيتهم والمتمسك بمبادئ وأهدافهم الوطنية كانت ومازالت سداً منيعاً لمواجه تلك الظروف منها على سبيل المثال لآ الحصر:-
1. استطاع النظام الديكتاتوري في أسمرا خلال فترة حكمه القمعية أن يبني جيل من الشباب المتدني في المستوى التعليمي جعلهم لا يعرفون ولا يدركون معنى الصراع الحقيقي التي تعانيه الساحة الأرترية، وبالتالي ليست لديهم رؤية واضحة للمشاركة في العمل السياسي الذي يساهم في عملية التغيير الديمقراطي.
2. حاجز الخوف والترويع الذي زرعه النظام في أوساط الشعب الأرتري، جعل الشباب يتخوف من مزاولة أي نشاط سياسي خارجي بحجة تخوفه لما يمكن أن يرتكبه النظام في حق أهلة وأقاربه داخل الوطن.
3. عدم وجود رؤية واضحة تجمع الشباب في الداخل والخارج تحت مظلة جامعة اضف الى ذلك ضعف وقلة تجربتهم السياسية والنقابية.
4. البعد الجغرافي كذلك ساهم الى حد كبير في عدم التواصل والتنسيق بالشكل المطلوب بين الحركات الشبابية الأرترية.
5. اختراق الحراك الشبابي من قبل اطراف لها مصالح واجندات خفية.
6. انزلاق بعض الحركات الشبابية في اتون الصراعات الجهوية والمناطقية والقبلية، هذه الظاهرة سببت تراجع واختفاء عدد كبير من اتحادات شبابية كان لها النشاط في دول المهجر.
7. احداث الربيع العربي وما نتج عنه من حروب واقتتال داخلي كاليمن وسوريا وليبيا مثلاً، جعل الكثير من الشباب يتراجع عن نشاطه.
8. افتقار الحراك الشبابي حاضنة سياسية متماسكة تساعده على توجيه وتنظيم نشاطه بالشكل المطلوب.
9. كل ما ذكر أعلاه أدى الى عزوف الكثير من الشباب للعمل السياسي المعارض وهذا بدوره أثر تأثيراً مباشراً على عدم استمراريتهم في الحراك المنظم.
ثالثا - دور الشباب الأرتري فى هذه المرحله الراهنة:
يتمحور هذا الدور في اطلاق حملات التوعية الشاملة للجاليات الأرترية المقيمة في دول المهجر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغرف البالتوك بقصد توطيد ركائز الوحدة الوطنية التي تحققت في الموتمر الثاني للمجلس الوطنى الارترى لتكون انطلاقة جديدة نحو توحيد ورص الصفوف لكل التنظيمات السياسية الأرترية المعارضة وكذلك منظمات المجتمع المدني والحراك الشبابي الأرتري لخلق نقطة لقاء محددة الاهداف تكون بمثابة خارطة الطريق لمرحلة ما بعد التغيير، وفي رأي يكمن هذا الدور في الوقوف بجانب المجلس الوطني الأرتري للتغيير الديمقراطي باعتباره خيارٌ ووعاءٌ جامع لكل مكونات شعبنا الأرتري، ومساندته من النواحي المعنوية والمادية هو أمر مطلوب وواجبٌ تفرضه الظروف الحرجة التي تمر بها الساحة الأرترية، ولتحقيق هذه الغاية أرى أن تصاحب هذه الخطوة المقترحات التالية:-
1. إيجاد جو ملائم يجمع كل التنظيمات السياسية الأرترية المعارضة وكذلك الحركات الشبابية المنتظمة لإزالة العوائق من خلال عقد ورش العمل والسمنارات لبلورة استراتيحية واضحة للعمل المشترك.
2. دعوة منظمات المجتمع المدني الأرتري في أن تلعب دور كبير تحث من خلالها كل التنظيمات السياسية والحراك الشبابي الأرتري لتقريب وجهات النظر يسهل الاسراع بخطى ثابتة للخروج من عنق الزجاجه.
3. توحيد الخطاب الإعلامي للحراك الشبابي والتنظيمات السياسية والإرتقاء به بما يخدم القضية الإرترية.
الخاتمة:
استوقفتني عبارة {ولِكُلِ شيئٍ اذا ماتمَ نقصانُ} عليه لآ أقول قد استوفيت لكل ما يمكن قوله في هذه الورقة لأن الكمالُ لله ولكن قناعاتي الشخصية لسرد الوقائع والحقائق الموجودة في أوساط الشباب الأرتري المقيم في دول المهجر عامةً وفي سويسرا خاصة هي التي جعلتني أن أبوحَ بهذا السر الأليم الذي يعيشه الشباب في أرض المهجر وعليه أناشد الجميع للسعي في بناء الثقة بين الشباب التي تعرضت للإهتزاز، وارجاعها الى مسارها الصحيح، وأقول حان الأوان أن نرفع رايات العدل والمساواة من خلال تأسيس حركات شبابية موحدة في رسم لوحة التغيير التي تُعجِّل في اسقاط النظام المتسلط على شعبنا وبكل صدق وصراحة أقول الشباب هم الأمل الأخير وآخر ورقة مساومة نرفعها في وجه أفورقي وزبانيته الفاسدة وفي اعتقادي مادام الإصرار موجود في تحقيق الأهداف المرسومة سيكون النجاح حليفنا انشاء الله.