هل من سبيل إلى نقد الذات
بقلم الأستاذ: صالح كرار - كاتب إرتري
بسم الله الرحمن الرحيم
يعرف العمل السياسي بالديناميكية والحركة المستمرة والتغيرات المفاجئة مثل مناخ الخريف الذي يتموج ويتقلب
بين مشمس وغائم وممطر، ولكنه في ساحة تنظيماتنا مناخ صحراوي دائم الحرارة والجفاف ليس هذا من باب التجني، ولكننا للأسف ننتظر الأحداث يفتعلها غيرنا ونؤمل أن تكون لنا وسيلة وأداة، مع أنه أيضا للأسف هناك من يسعى اليوم أن يجعل من المعارضة ملحق بالنظام وصفحة أخرى أووجه آخر له، ويؤكد أنها في جملتها معارضة ونظام سبب شقاء الشعب وبعثرة قواه الوطنية وتردي حال البلد.
إن نشاط هذه التنظيمات وعملها المترهل هو ميزان الحكم عليها في جملة الفترة السابقة، رأيناها تُستبعد من جهات مجهولة الخلفية والمرجعية مبهمة العمل والأهداف تستبعدها من كل نشاط مصيري للمعارضة أو البلد على حد سواء حتى لا يكون لها قرار فاعل وحتى ترضى بكل شكل معد وإن غابت، وتختبر في الهرولة في النداءات الجوفاء الخاوية، قد يكون لها القراءة السليمة لما يجري ويروج ولكن الخوف من العزل والاستبعاد والخوف مما يحاك من بعضها لبعض يضعها جميعا في ساحة الهرولة، فضلا عن الركون الى واجهات جامدة أو خاملة في التفاعل فيما بينها أو التنسيق لا تسمن ولا تغني مما جعلها في دائرة الشك وجودا، ومن باب أولى أن يقيم عملها المحدود بالعدم.
ويشمل عندي مفهوم التنظيمات الوطنية تنظيمات الحركة الإسلامية أيضا، لأنها تحمل في الأساس شعار إصلاح الوطن لجميع المواطنيين، وإيجاد وطن العدل والمواطنة والكرامة دون فرز، وإن تشبثت ببعض الشعارات الإسلامية إلا أنها في جانب التقييم العملي ليس إلا تنظيمات وطنية صرفة، وعليها قراءة واقعها قراءة جديدة وتجديد وسائلها وخطابها بما يتناسب والمرحلة دون أن يعني ذلك طلب لتغيير جلدها، فلكل مقام مقال.
بالمقابل هناك محاولات اصلاحية للنظام او محاولات تغيير النظام من قبل جهات يعنيها ترتيب وتهيئة خلفه، سلبية او ايجابية لكنها بعيدة عن طموحات المسلمين، وهناك اليوم محاولات للسطو على مكتسبات المعارضة النضالية وخطف انجازها عبر نضالها المرير والطويل وفعل ما فعل حزب الشعبية على جبهة التحرير والجبهة الشعبية لتصبح المعارضة ضيوفا على من سرق جهدها، أو بمعنى آخر هناك تحركات مختلفة سرية وعلنية لتغيير النظام، وهي تعرض نفسها على الساحة للتعريف بأنها رائدة التغيير المنشود وتنشر نشاطا لنضال مدني ميدانيا، يعرّف بدورها العملي في التغيير، والذي لا يُختلف عليه أن الساحة ميدان مفتوح للجميع وأن الذين يعملون بجد واجتهاد سينالون نصيبهم الأوفر من النتائج وأن الذي بيده القلم والكراس سيسجل من يشاء أو يمحو ويزيل، فربما دفعت تلك النتائج المعارضة الوطنية الى المربع الأول كلها أو بعضها وتكون من الكوارث التي ساهمنا فيها على أنفسنا، فإن كان هذا باب من أبواب اضمحلال هذه التنظيمات وبعثر جهدها، هناك باب أخر يكون من فعل الشباب المسلم بتجاوزها وتنشيط دوره بعيدا عنها وبناء هياكل جديدة تستبعدها وتهمشها وفي كلا الحالتين تتحمل مسؤلية تهميشها مهما ادعت من تظلم.
لم تعد اليوم تمر الخدعة حتى على البسطاء في ظن أن ارتريا وطن للجميع، وأن حكمها بيد ابنائها، والشباب المسلم خاصة مدرك بوعي أن النظام الحالي عنصري جهوي ليس في تصوره القريب والبعيد البعد الوطني الشامل، وبالتالي تنشيط العمل الوطني والتحرك الجماهيري أمر قائم ومتوقع أي كانت الوسيلة تقليدية أو مستحدثة وحيث أن التغيير من سنن الله الكونية لا محالة قادم طال أمده أم قصر، مع أن الاوضاع في الداخل من تردي الى تردي والشعب الذي مازال يعيش حال الثورة حتى الآن، شعب منهك، مرهب، مضطهد أكثر مما اضطهد في عهد الإستعمار، لا حراك له سوى تاييد كل من ياتي حاكما، لكنه إذا استنهض واطمئن الى العمل الجاد فهو صاحب المعانات الحقيقية والباحث عن الخلاص.
فهل سننتظر الأحداث يحركها غيرنا، كما ننتظر المطر للزراعة، ثم نتزاحم عليها تقربا ؟ أو نتجزء بين مستبشر بها ومتردد، ومقدم ومدبر ؟ أو نعمل على تعطيل من يعملون وتثبيطهم على أنه عمل محتكر إقصائي حتى وإن كانت نتائجه هي من صلب أهدافنا ؟.
إن الساحة الإرترية بجد الآن مقبلة إلى مرحلة جديدة، فالأحداث من حولنا في إثيوبيا والسودان والشرق الأوسط وإفريقيا لا شك أن لها صدى، وأن معانات الإرتريين أكبر من معاة كل تلك الشعوب وبالتالي إما نواكب وإما سيطرحنا الواقع المتغير خارج الحلبة، ولذلك أقترح حسب رأي المتواضع ما يلي:-
• ابقاء المجلس الوطني مظلة شاملة مع العمل على تفعيل دوره.
• في المجلس الوطني تنظيمات تحمل طموح التغيير وأخرى تحجز مقاعدها الى حين الربيع، لذلك أن العمل الفاعل يكمن في تحرك التنظيمات وتغيير برامجها وتفعيل جماهيرها مع الإعتماد على قدراتها المادية المحدودة.
• تغيير شامل لهياكل وانظمة التنظيمات بشكل حديث - والأفضل أن تتحول إلى أحزاب - والخروج من الخندق التنظيمي اذا صح التعبير الى ساحة العمل الوطني مهما كانت النتائج بايجاد جبهة متحدة كمرحلة أولى توحد هياكل العمل الميداني او تنسق بينها.
• توحيد الموقف السياسي للتنظيمات التى تشكل هيكل المعارضة الأساسي منذ البدء، وتوحيد الحكم على كل ظاهرة جديدة في الساحة بعد دراستها وتقيمها تقيما امينا ومنصفا، لأن تقييم الإجماع يجنب الإختلاف وبعثرة المواقف وهي مرحلة مهمة جدا من مراحل توحيد القرار.
• استحداث وسائل أمنية تحفظ العمل من الاختراقات والتنسيق الأمني بين الجبهات العاملة.
• إيجاد خطاب تعبوي جديد بتفعيل الإعلام الشعبي والمكتوب والإلكتروني.
• تنشيط دور الشباب وإعطائهم فرص إدارة العمل والتخطيط له مع تو فير الدعمل اللازم لهم، حيث أنهم أنقياء من الترسبات التنظيمية وأن ساحتهم مفتوحة دون حواجز مع أقرانهم من الشباب وهذا سيؤدي إلى وجود قوى وطنية موحدة فاعلة وعمل جاد متقدم.
• التواصل مع القوى الوطنية الجديدة وإيجاد لغة مشتركة معها وتشجيعها ودعمها ما أمكن بعد تقييم أهدافها وفهم منهاجها.
إن كل عمل ليس مبني على الدراسة والعلم لا فائدة منه لذلك الوصية الأولى والأخيرة هي أن ترجع التنظيمات الوطنية إلى تقييم تجربتها بعلمية وتجرد وتستشرف مرحلة عملية تتجاوز بها القيود كما فعلت جبهة التحرير الأولى.
والله المستعان وعليه التكلان.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.