إرتريا القبائل والطوائف... والأحزاب السياسية
بقلم الأستاذ: الحسين علي كرار - كاتب ارترى
كثرت الاتهامات الطائفية والقبلية المتبادلة بين التيارات السياسية والحزبية في الساحة الارترية، وهي فعلا مشكلة قائمة،
الكل يترفع عنها وينبذها، وهو غير صادق في تعاملاته في الواقع السياسي الفعلي، ولو قرأنا هذا الواقع فسنجد فيه نوع من الحقائق، في بعض جوانب الاتهامات في الفصائل والاحزاب دون استثناء، و أن هذه الاتهامات لا تحمل روح العلاج لعمل المستقبل أكثرمما تحمل روح الأحقاد المدمرة، إن الدين هو صلة الانسان بربه عقيدة وعبادة وعملا بأصوله وفروعه وهو الامتثال بما أمر به الله واجتناب ما نهى عنه، والقبيلة هي مكون من مكونات المجتمع، وقد تكوّنت عبر عصورغابرة، وقبل نشوء الدولة الحديثة، يحكمها عقد عرفي، ويرتبط أفرادها بلحمة متجانسة بالدم والتراث والعاطفة المشتركة وغيرها، فعاملا الدين والقبيلة هما عاملان متأصلان في أفراد المجتمع بخلاف عامل الحزب الذي لا يرتبط أفراده بهذا العمق الروحي والنفسي والتاريخي لدى الشعوب التي استعارته من شعوب أخرى تعتبر دول المنشأ له، فالشخص في هذه الشعوب المستعيرة له ولاءاته الثلاثة : الطائفة والقبيلة والحزب، فالقبيلة هنا عاصرت الحزب وهي الأصل والحزب هو الفرع المستجد، بينما في الشعوب صاحبة الأحزاب العريقة يعتبر الحزب هو الأصل ولا وجود للقبيلة وضعف في الجانب الديني، فالمعيارعندهم برنامج الحزب وكفاءة القيادة، وهو المعيار الذي ليس له اعتبار في دول القبائل، لهذا تندثر الأحزاب في العالم الثالث لحداثة مفهومها وتبقى القبيلة غير القابلة للاندثار لعراقتها، وخاصة في أفريقيا والمنطقة العربية، فيستقوي بها الحزبيون والطامحون للسلطة حتي داخل الحزب الواحد، فتحسب عليها قناعات بعض أبناءها من الأخرين وهي بكيانها بعيدة عن أهدافهم، وقد تكون مجنيا عليها، وبهذا الاستقواء تجد وقد تبخرت مبادئ الأحزاب التي آمنوا بها، ثم تأتي الاتهامات المتبادلة عند إحساس طرف بالإخفاق، ويأتي الانشقاق.
و ينطبق هذا أيضا في حالة الديانة اذا كان الحزب يجمع أفرادا لطائفتين أو أكثر فتتم المحاصصة بعيدا عن مباديء الحزب ويتكرر نفس السيناريو السابق، فمتى انعدمت المحاصصة انعدم الوفاق وفشل الجميع.
إن أساس ضعف الساحة سببه هذا الاستقواء، وهو نتاج ضعف الاحزاب والفصائل وعدم قدرتها في تحقيق طموحاتها، وانعدام الثقة فيما تحمله من أفكار مقنعة للمجتمع، ولا بد هنا من التمييز بين مبدأ المشاركة ومبدأ المحاصصة، والسؤال الذي يطرح نفسه، هل يجوز للحزبيين - وهي أحزاب ضعيفة وناشئة - أن يستقووا بالقبائل أو الطوائف لتحقيق برنامجهم الحزبي الذي يؤمنون به ويعتبرونه الهدف الأمثل للحكم ويعجزوا عن تحقيقه بمحض عضوية الحزب ؟ أم أن هذا الاستقواء لا يحقق للحزب اهدافه فينجرف في أحضان القبلية والطائفية فيموت في مهده قبل بلوغ سن الرشد ؟ نجد كلا الخيارين أحلاهما مر على الحزبيين، ومن هنا ولدت عقد التناقضات الحزبية في الساحة الارترية واختلاطها بالقبلية والطائفية، وإذا استعرضنا مسيرة الأحزاب الارترية يمكن تقسيمها إلى أحزاب إيديولوجية ذات امتداد وتمويل خارجي وأحزاب وطنية ذات منشأ وتمويل وطني. ولا بد لنا أن نستعرض تاريخ الأحزاب و اتجاهاتها السياسية لمعرفة مسيرتها وما آلت إليه، فنبدأ:
أولا: بالأحزاب التي نشات في مرحلة الانتداب البريطاني في الاربيعينات من القرن الماضي، كما ورد ذكرها في كتاب تاريخ ارتريا لعثمان صالح سبي مع بعض التعليقات الضرورية وهي:-
(1) جمعية حب الوطن وهي أول حزب ارتري تأسس من المسلمين والمسيحيين ويقول سبي حسب ما أخبره به ولد آب ولدماريام لولا التدخل الاثيوبي وتهديد أعضاء حزب الاتحاد لأعضائها لأنجزت الاستقلال مبكرا دون الكفاح المسلح وإراقة الدماء.
(2) حزب الاتحاد مع اثيوبيا - الاندنت أو الوحدة - كان ضد الاستقلال وهو حزب ايديولوجي مسيحي ممول من اثيوبيا.
(3) حزب الرابطة الاسلامية حزب اسلامي يطالب بالاستقلال تأسس لمحاربة أفكار حزب الاتحاد مع اثيوبيا وليست له أيديولوجية خارجية، ووطني التمويل.
(4) وهناك أحزاب صغيرة كما ذكرها وهي حزب ارترية الجديدة وحزب الجمعية الارترية الايطالية وحزب المحاربين القدامى وحزب المثقفين وحزب ارترية المستقلة والحزب الوطني، هذه الأحزاب الصغيرة كانت تقف بجانب الاستقلال ومتحالفة مع حزب الرابطة الاسلامية وإن كان بعضها ممول من ايطاليا.
ثانيا: الأحزاب التي تأسست في مرحلة الكفاح المسلح:-
(1) حزب العمل وهو ماركسي لينيني أيديولوجي.
(2) حزب البعث قومي عربي أيديولوجي.
(3) حزب الشعب حزب ماوي الهوية مسيحي الإيديولوجية.
(4) حزب الجهاد الاسلامي أيديولوجي بشقيه الإخواني - والسلفي.
ثالثا: الأحزاب التي تأسست بعد الاستقلال:-
(1) حزب قومية عفر البحر الأحمر.
(2) حزب قومية الكوناما.
(3) حزب النهضة قومية الجبرتة.
(4) حزب قومية الساهو، هذه الأحزاب ليست لها أفكار ايديولوجية ولكنها أحزاب مطالب.
رابعا: الفصائل الارترية المعارضة:-
(1) جبهة التحرير الارترية.
(2) جبهة الانقاذ.
(3) جبهة ساقم.
(4) الحركة الفيدرالية.
(4) حزب الشعب الجناح الخارجي المعارض.
(5) وهلم جري بقية الفصائل، كلها تكونت علي أنقاض الأحزاب التي فشلت واندثرت، وهي فصائل علمانية فقدت أيديولوجيتها.
ومن هذا العرض نجد أن الساحة الارترية تدنى فيها المستوى الحزبي وبقي فيها الأصل وهما الدين والقبيلة، لقد سقط أو ضعف فيها الفرع المستجد وهو الحزب، ولذا نجد بقاء حزب الشعب الحاكم المسيحي ذو الامتداد لحزب الاتحاد، وبقاء حزب الجهاد الإسلامي بجناحيه الاخواني والسلفي، وهما حزبان أيديولوجيان لم يندثرا لأن أساس البناء فيهما قائم على الدين، ولكن معضلتهما، الامتدادات الخارجية، حزب الشعب هو امتداد لحزب الاتحاد مع أثيوبيا لأن طموحه وبرنامجه نفس برنامج وطموح حزب الاتحاد المسيحي وهو تهميش المسلمين وفرض ثقافة التقرينية والاقتراب من أثيوبيا الأم كما يرونها والابتعاد عن المنطقة الإسلامية والعربية، ونجد أن الحزب ابتعد عن النظام الأثيوبي لأسباب سياسية، ولكنه انشأ تحت مظلة المعارضة الأثيوبية جيش من الأثيوبيين يشاركون النظام في قمع المسلمين لتثبيت ما حققه طائفيا داخل ارتريا، ومن المفارقة أن هذه السياسة الطائفية للحزب الحاكم هي التي أو جدت حركة الجهاد الإسلامي، كما أوجدت سياسة حزب الاتحاد مع أثيوبيا حزب الرابطة الإسلامية، ومن المفارقة المحزنة أيضا أن حزب الرابطة الإسلامية انتهى بملاحقة الأثيوبيين لقياداته، وبقي حزب الاتحاد المسيحي واندمج في أجهزة الدولة الأثيوبية المستعمرة، إن مشكلة الأحزاب الإسلامية اليوم، أنها تختلف في منطلقاتها اختلافا كبيرا عن حزب الرابطة الإسلامية الذي كانت سياسته حشد كل القبائل والأقاليم الإسلامية في عضويته دون تبني مذهب أيديولوجي معين، ليقارع حزب الاتحاد المسيحي المنظم والممول من أثيوبيا، وبهذا استطاع أن يدخل كشريك قوي وند فعّال في رسم سياسة الوطن وأرسى بهذه السياسة في وضع الدستور المتوازن بين الطائفتين في تلك المرحلة، و حقق بذلك اتفاق الثوابت الوطنية التي يعتبرها الجميع كمرجع للعمل السياسي وإن كان حزب الشعب الحاكم ألغى هذه الثوابت، وهذا ما تفتقده هذه الأحزاب الإسلامية المتصارعة والتي قسمت نفسها بين السلفيين والإخوان وهي أحزاب ليس عليها إجماع حتى في دول منشأها الإسلامية، وبذلك خسرت قاعدة كبيرة من المسلمين كان بإمكانها أن تستوعبها وتعبئها وتقابل بها حزب الاتحاد الذي كيّف نفسه مع المرحلة وسمى نفسه حزب الشعب و العدالة ووضع أسس وبناء الدولة على ركائز مبادئه المسيحية وفرض سياسة الإقصاء والهيمنة، وعدم قبول المسلم وثقافته.
وفي ظل هذا الإختلال الطائفي فإن أي حزب أو فصيل علماني سوف يمزقه هؤلاء الطائفيون المسيحيون المنظمون جيدا باسم الديمقراطية من الداخل، كما نشاهد ذلك في فصائل المعارضة حاليا وكما شاهدناه في مسيرة جبهة التحرير الارترية والجبهة الشعبية سابقا، فلا يخدعن أحدا نفسه بدق طبول المزايدة على الوطنية ووحدة التراب، فحزب الشعب المسيحي فرض هويته المسيحية على الدولة و بقوة أجهزة الدولة، وشتات الأحزاب والفصائل الإسلامية ضائعة بهويتها على أرصفة شوارع الدولة، البعض في المواقع يتحدث عن القبائل وكأنها جسم موبوء وكريه ولكن القبائل الارترية بغيرتها وعنفوانها لحماية دينها وعرضها وأبنائها والدفاع عن وطنها وهويتها كان عطائها قويا وجزيلا، وعند تأسيس الثورة الارترية كان لها الدور الكبير والمتميز في تأجيج الكفاح المسلح وتحملت تبعاته باقتدار وشجاعة نادرة حتى التحرير، وما نشاهده من مسرحية الحزب الحاكم في مدينة أفعبت من مهرجانات دافعها الخوف الذي يهز أركانه خشية الانتقام لأبنائهم الذين غدروا بهم في الانقلاب الفاشل، وقد أخذ حقيقة بعدا إجتماعيا كبيرا، ويظهر جليا في استنفار أجهزة الحزب وخشيته من غضب هذه القبائل المترابطة على امتداد كل الإقليم الارترية أكثر مما يخشاه من قادة جيشه المخترق بأجهزته الأمنية، وهنا يجب الوقوف طويلا عند هذا السؤال، منذ متى كانت لهم الرحمة والشفقة بأن يحافظوا على جنرال في موقعه العسكري حرا طليقا، وقد أصدر بيانا يدينهم فيه وعبر فضائيتهم التي لا تدخل أبوابها حتى ذبابة صغيرة ضالة تتغذى من موائد أفكار المعارضة ؟
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.