جنيف ٣١ وصراع الهويات
بقلم الأستاذ: فؤاد عامر - كاتب وإعلامي إرتري
الإعلان عن مظاهرة جنيف ٣١ أغسطس والملابسات التي جرى فيها لم يكن باعث لهذا الصراع الاجتماعي الذي نشهد بقدر ما
أن تلك الملابسات هي تمظهر لهذا الصراع. انها تلك الهويات المسيّسة والمتوترة دوماً، نتيجة للشعور بالغبن وإضطهاد كرامتها العامة كبشر أو نتيجة للإحساس بالتعدي على القيم الذاتية لمجتمعات ما زالت تعتقد بأن سلطاتها الخاصة (الكهنوت / القبيلة) مقدمة على سلطة الدولة وهذه الأخير (في الحالة الارترية) تؤمن بأن التعسف في استخدام أدوات الدولة هو الضامن لبقاء الفكرة القومية.
ما حصل حتى الأن هو صراع إجتماعي يشتغل ويشتعل بالهويات الملتبسة.
على إعتبار ان جنيف ٣١ مكملة لعدة دوائر لا رابط حقيقي بينها سوى المطالبة بالعدالة يجعلها دوائر مفرغة قاصرة عن توليد طاقة تدفع بها نحو التغيير. هناك الكثير من الأسئلة التي هي بحاجة الى ألتفات لكن السؤال الذي قد يقود الى محاولة فهم حالة الأشتباك في معسكر المعارضة هو: أي عدالة هي المطلوبة ؟
فحينما ينادي طرف او مجموعة بعدالة سياسية يرى أطراف اخرين بأن العدالة يجب ان تكون أولا عدالة إجتماعية...!!.
هذا التباين نتيجة لكثير معطيات لا يمكنني البتة إرجاعه لخلل في الفكرة الجامعة (إرتريا ككيان) بل لخلل في ألية عمل الدولة (السلطة).
فتقييم كل مجموعة لنجاعة المشروع (إرتريا) يتم من خلال تقييم مكانة أفراد المجتمع في هيكلية السلطة وتطالب بالتغيير بناءً على ذلك، وهو الذي يحدد من يطالب بما. الأمر الذي يفسر غضب طرف (مجتمع) من ما تم تداوله (بغض الطرف عن صحته) بأن الهدف من انشاء لجنة منبثقة عن التظاهرة من ضمن مهامها محاورة رأس النظام والقوى الدولية لإحداث تغيير سياسي رأى فيه هذا الطرف بأنه ألتفاف على المطالَب بإحداث عدالة إجتماعية تزيح كل ماهو قائم لقصوره عن الإعتراف بها كهوية مشاركة في انشاء الدولة ولها صيرورة تاريخية تم تعميتها قسراً من خلال فرض أنماط ثقافية محددة تستقوي بأدوات السلطة وعجز تلك المجتمعات عن إيجاد صيغ سياسية تحتوي هوياتها الثقافية المضطهدة، وهو ما أظهر كثير من شبابنا كباحثين عن الاعتراف لا المزاحمة في الفعل.
فكل محاولات الهقدف منذ الاستقلال لإلغاء السيادة المادية والمعنوية للجماعات وبسط هيمنة المؤسسة على المجتمع بطريقة استبدادية ادى الى انحراف وتعقيد في تطور ودينامية الهوية واختلال في توزيع عادل للسلطة والثروة بين الجميع، بل وأظهر مجتمع معين كمستفيد من استمرار هذا القمع الى ان ناله كفل منه ويجب عليه فهم منطلقات الآخرين ومخاوفهم. وبأن كل هوية خاصة لا تصير موضوع صراع الا عندما تتعرض لأذى ما، وعندها سيكون من غير المجدي الحديث عن المواطنة و الوطن والأمتعاض من حديث الهويات الفرعية.
لاشك بأن التقارب الأرتري الأثيوبي على مستوى الحكومات حرك الكثير من البرك الراكدة بل وأخذ معسكر المعارضة على حين غِرة فما استطاعات ان تتبين خياراتها وسط أزمة على شكل سلام. هذا الإندهاش جمد كل الأضاد المجتمعة في القضية الارترية عن الفعل او الفهم المتمثّلة في كوادر الشعبية (الواعية) وقوى المعارضة وأقليم التجراي الاثيوبي والسودان... حتى جائت مبادرة تظاهرة جنيف ٣١.
وبغض النظر عن ماحدث حتى اليوم فإنني اعتقد بأنها مبادرة يمكن ان يكون لها مابعدها ان تم توظيفها بما يليق ومعاناة الشعب الارتري خلال ٢٥ عاماً من القهر والهوان وبشرط ان تصفو النيات وتسمو الغايات.
كنت قد ذكرت سابقاً بأن عدم الاجابة على أسئلة التدافع والتصارع الهوياتي في كلا البلدين خصوصاً مع إعراض آبيي احمد عن الأزمة الداخلية في ارتريا وهي شبيهة بالازمة التي جائت به الى الحكم والحديث عن شرعية السلام دون عدالة سيطيح ليس بالسلام فقط لكن بكل هذه الكيانات الهشة.