الأيدى الصديقة رياح الخير تهب على القرن الافريقي.. على السودان ان يفتح نوافذه مشرعة
بقلم الأستاذ: إبراهيم ألميرغنى المصدر: النيلين
عندما أطلق رئيس الوزراء الاثيوبى آبى أحمد الدعوة لقيام كيان القرن الافريقى الكبير والذى يضم بجانب
اثيوبيا السودان وإرتريا وجيبوتى والصومال كان يعبر تماما عن مصلحة اثيوبيا ويدرك جيدا ان التحديات التى قرر ان يتصدى لها لا تملك اثيوبيا وحدها القدرة على مواجهتها بمعزل عن محيطها الإقليمى الذى يمثل مجالها الحيوى ويحدد أمنها القومى وكان لا بد من تحقيق اختراق استراتيجى يكون رأس رمحه فتح الطريق الى أسمرا، وكماهو معلوم بأن عراب دعوةً القرن الافريقى وداعيته ومنظره الابرز هو محمد أبو القاسم حاج حمد رحمه الله.
لم يكن إستشراف المفكر السوداني الأعظم، ”حاج حمد“، لمستقبل هذه الرقعة من العالم، ترفاً فكرياً على الإطلاق، بل نتيجة لمعرفة بحثيه وتجريبية متنوعة المصادر امتدت لعقود لمًً يكتفى فيها بالتنظير بل كان مرتبطا ومتفاعلا مع قضايا القرن ومؤثرا فى احداثه.
ولا شكً عندى بأن هذا القرن، إن توفرت له أسباب الإستقرار، وأدرك قادته أن ما يجمعهم أكثر بألف مرة من ما يفرقهم، وأن كل ميزة نسبيّة لأحد مكوناته، تقابلها ميزة تكملها عند المكونات الأخرى، لتشكل معاً إقتصادا تكاملياً، يمكن أن يحقق معدلات نمو قياسية، قد تفوق في سنوات، ما حققته النمور الآسيوية في عقود، إقتصاداً يمتلك المواد الخام، والأيدي الشابة، والطاقة الدافعة، والتكنولوجيا المسرعة، ووسائل النقل الجوي والبري والبحري، عبر مطارات وموانئ تطل على أهم ممر ملاحي في الكوكب، مفتوح على الرياح الأربع، وفوق ذلك يمتلك الحكمة والإرادة، للمضى قُدماً حتى يعود للإنسانية ابنها الخلاسي الغائب أو المُغيّب، بفعل الأيديولوجيات القديمة والعنصرية العقيمة، وأعباء صراعات تاريخية، بين قوميات ماهي في الحقيقة سوى قومية واحدة، تفرقت تحت جنح ظلام عصور ما قبل التاريخ، فمنهم من صعد الهضبة، ومنهم من انحدر إلى الوادي، وآخر قصد البحر، ولكنهم يحبون بعضهم، شيء خفي يدفعهم لذلك، حتى وإن تقابلت الخنادق، يطربون لنفس السلم الخماسي الفريد، الذى نقلنه الجدّات عبر القرون، ليرقصن عليه زهرات ”الهضبة“، وحرائر ”الوادي“، وحوريات ”البحر“، ويتردد صداه على إمتداد الساحل، من ”مقديشو“ و ”بُلحار وبربرة“ إلى ”جيبوتي“، و”عصب“ و ”مصوع“ و ”قرورة“، و ”طوكر“ و ”سواكن“، حتى ”دنقناب“ و ”أوسيف“، وتحمله الرياح الرطبة إلى الهضبة، إلى ”هَرَرْ“ و”جِقْجِقا“ و ”أديس“، و ”دبر ماركوس“ و ”مكلي“، وحتى ”بادمي“ و ”عد خالا“ و ”مندفرة“ و ”أسمرا“ و ”كرن“، ويتدفق مع الأنهار الخصبة، إلى الوادى عبر ”عنسبة“ و ”بركة“ و ”القاش“ و ”الدندر“ و ”الباسلام“ و ”الرهد“ و ”سيتيت“، و ”قلقو“ و ”الأزرق الكبير“ .
إن رياح الخير والسلام، تهب على القرن الأفريقي، وما نهاية الحرب اللعينة بين جارتينا؛ سوى بشائر مقدمها،
وعلى السودان ان يفتح نوافذه مشرعة لتلك الرياح دون أدنى تردد ودون أى اعتبارات خاصه أو ايديولوجية فمصلحة السودان فى توافقه مع محيطه لا فى عزلته ومصلحة الوطن وشعبه فوق كل شى.
حاول البعض لإعتبارات معروفه ان يسوق للمصالحة بين جارتينا كتحالف ضد السودان وذلك بالتأكيد يمثل حالة من التوهم وعدم الواقعيه وتراجع مستوى التفكير السياسى والاستراتيجى فمن يصدق أن السودان يضره هذا التوافق !! فالسودان بلا شك هو أكبر المستفيدين من هذه النهاية السعيدة، من تمتد حدوده ألفاً وأربعمائة كيلومتر من مرتقعات الانقسنا إلى جبال البحر الاحمر، هو المستفيد من يستضيف أكثر من مليوني لاجئ لنصف قرن من الزمان، يقتسمون مع إخوانهم اللقمة، هو المستفيد الأول، فقط إن أدركنا جميعنا ذلك، وعملنا على تحقيقه، كما فعل الشاب الأربعيني آبي أحمد، عندما أدرك لحظة التاريخ، وإلتفاتته ، وكما استجاب صديق محمد أبو القاسم حاج حمد المخضرم ”أفورقي“، كلاهما انتبه للحظة التاريخ وإلتفاتته،وأمسك بها فى ظرف وواقع وطنى عصيب بالغ التعقيد حين كادت اثيوبيا ان تنفجر أثنيا وكادت ارتريا أن تنضب بشريا ولكن كلاهما أمسكا باللحظة قبل فوات الاوان كما علينا فى السودان أن نفعل، قبل أن يغادرنا التاريخ ولقد مدت لنا الأيدي الصديقه:-
يد ”سلمان“ ويد ”زايد“ تلك هى الأيدى الصديقه التى جمعت بين أفورقى وآبى وهى ذات الايدى التى ما نال السودان وأهله منها إلا كل الخير، أكبر الداعمين للسودان، وأكبر المستضيفين لأهل السودان، شاركناهم نهضتهم، كتفاً بكتف، وشاركونا خيرهم فى السراء والضراء، على إمتداد تاريخنا المشترك، منذ عهد فيصل ”اللاءات الثلاث“، الذي يعرف السودانيون مواقفه وصلابته، و”زايد الخير“ الذي لا ينكرون خيره، وكلاهما أورثا هذا الوفاء والولاء لمن جاء بعدهما، لأنهم جميعاً أدركوا، وبحكمة البدو وفراستهم، نبل أهل السودان وفضلهم، وخير هذه البلاد، الذى يكفي أهلها، ويفيض على من حولها، وقد ظلّ إخوة فيصل على عهده، كما برّ أبناء زايد وصيته، ورغم تقلبات الزمان، واختلاف التوجهات واتفاقها، ظلّت مصلحة السودان وشعبه؛ حدّاً إستراتيجياً، لا يخضع لمناورات السياسة، وتبادل التحالفات والمواقف المؤقتة، بل ظل السودان بُعداً إستراتيجياً لا ظرفياً، وقد أثبتت الأحداث صحة هذا التموضع، فقد دعمت السعوديّة والإمارات السودان في كافة عهوده، سواء اتفقتا مع هذه الحكومة، أو اختلفتا مع تلك، وبكل أنواع الدعم، سياسياً وإقتصادياً ودبلوماسياً، وفق حوجة السودان وأهله، وكذلك فعل السودان، بعقوله وبسواعده وبلسانه وسنانه، وحتى لحظة التدوين هذه، رُبّ دماء فتى نجديّ، تمتزج بدماء فارسٍ ماهريّ، عند ممرات نجران، ورُبّ عرق باسل من واحة الجندول، وهو يفكك اللغم على طريق الحُدَيْدة، يكون سبباً لتنام غريرة العين أُمٌ في واحة ليوا، يوم يعود حمدان من الجبهة.
اختلف الناس في موقف السودان الرسمي، من “عاصفة الخليج“، ولكن السودانيون أكبروا موقف المملكة، من المقيمين على أرضها، فما مسهم ما مَس غيرهم واختلف الناس أيضاً على موقف السودان الرسمي من ”عاصفة الحزم“، ولكن السعوديون قد رأوا دفاع السودان واستبساله، من ”نجران“ إلى ”جازان“، مروراً بـ”ميدي“، وإلى عمق ”مران“، والإماراتيون أذهلتهم شجاعة الفرسان، على طول الساحل الغربي من “عدن” إلى ”الحُدَيْدة“.
إذا كان المتصالحين اليوم، هما جارتينا والوسيطين الميسرين هما أخوينا، وقفا عليه بنفسيْهِما الأمير ”محمد بن سلمان“، ولي عهد المملكة، والشيخ ”محمد بن زايد“، ولي عهد الإمارات، إذن فلترقد نساء حلة عوّاض بسلام، مطمئنات، فقُبَيْل العشاء سيسمعن ضجيج عودة الصبية مع القطيع، من وراء الجبال، فلا شرّ يراد بالسودان من ورائها، فمن اجتمعوا فى ميناء الحجاز، هم جيراننا وإخواننا، اجتمعوا من أجل السلام، فأحيّنا ربّنا بالسلام، وأدخلنا الجنة دار السلام .