لا تبخسوا الناس مواقفهم أن تأتي متأخراً خيراً من أن لا تأتي
بقلم الإعلامي الأستاذ: إبراهيم حالي - صحفي إرتري
إبتداءً من الجنرال (بتودد إبرها) وتحديه لسياسة افورقي في انفراده بالسلطة بعد التحرير مباشرةً، والتي تلتها قبيل اعلان الاستقلال
بساعات حركة مناوئة لافورقي من قبل أفراد الجيش وفِي تقدري لم تكن مجرد حركة مطلبية بل كان انقلاباً مكتمل الأركان ودون اي ضحايا اوخسائر مادية او بشرية استولت القوات فيها علي كل مفاصل الدولة ومؤسساتها، لكنهم فشلوا لقلة الخبرة وانعدام الفعل الثوري التراكمي وتحولت الي حركة مطلبية.
وحينها كنت اعمل في وزارة الاعلام الارترية في قسم وكالة الأنباء، حيث اتي المقاتلون وطلبوا مني إغلاق المكتب وأخذ المفاتيح بكل أدب وذوق وعملت ما طلبوه وكنت في الطابق الثالث وعندما نزلت للطابق الذي يلية وجدت السيد قرما اسمروم مدير الاعلام في ذلك الزمن وسألته عن ما الذي يحدث فأجابني برفع حاجبيه وكتفية في دلالة واضحة للاستغراب انه لا يعلم شيئا، ومن ثم تدرجت نزولاً الي الطابق الذي يليه فوجدت السيد احمد علي برهان مديرنا في وكالة الأنباء الارترية وحوله بعض القوات بزيهم العسكري وأسلحتهم فسألته أيضاً ما الذي يحدث فلم تختلف إجابته عن اجابة السيد قرما اسمروم.
ومن بعدها خرجنا من المبني وانتشرنا كيف ما شاء في شواراع اسمرا التي كانت تعج بالمواطنين واحتفالتهم في انتظار اعلان الاستقلال والتي التي حوطها المقاتلون من كل الجوانب.
ولم ترد إلينا معلومة بطبيعة الحال عن ما الذي يحدث قبيل اعلان الاستقلال بساعات محدودة، وهذا ليس بغريب لان طبيعة التنظيم السرية هي التي طقت علي الاحداث.
وبعد ذلك ترددت وتواترت الانباء عن ان من قادوا الحركة قبضوا علي الرئيس في مطار اسمرا فلا ندري وقتها هل كان هارباً ام مستقبلاً وطلبوا منه الاجتماع فوراً، لكنه كان أذكي منهم بمراحل ومسافات ضوئية عندما لبي طلبهم ورفض الصعود في سيارة واصر علي السير علي الأقدام الي إستاد اسمرا الذي يبعد عن المطار حوالي 5 كيلومترات لكسب الوقت والتفكير في المخرج من المأزق، وفِي تلك المسافة كانت القشة التي قسمت ظهر الوطن و النضال الوطني ومكتسباته بسبب إانعدام القيادة المحنكة وقلة خبرتها.
والكل يعلم ما حدث بعد ذلك من اعتقال قادة الحركة واسكاتها الي الأبد.
ومن ثم ما تلي ذلك من مقاومة ورفض لسياسات افورقي كانت من معوقي حرب التحرير ونزيلي معسكر ماي حبار الذين أخمدت ثورتهم بالنيران من رفاق دربهم لمجرد مطالبتهم بتحسين اوضاعهم المعيشية دون اي اعتبار لاعاقاتهم و تضحياتهم حيث استشهد منهم من استشهد وجرح من جرح دون اي وازع وطني او انساني من أين من كان ودون اي اعتبار لدورهم البطولي في معارك حرب التحرير.
ومن ثم انتظرنا حوالي ستة سنين اخريتمكنت خلالها الدكتاتورية من تثبيت اقدامها، لتظهر مقاومة اخري علي الساحة السياسية، وهذه المقاومة تمثلت في مجموعة ال15 التي اعتمدت علي حرية الصحافة في صراعها ضد الطاغية التي سمح بها حينها ولم تعتمد علي اي مراكز قوة في التنظيم او المؤسسة العسكرية، لذا سحب البساط من تحتها بعد حظر حرية الصحافة واعتقال القائمين عليها، وبالتالي كان مصيرهم السجن والاعتقال والإخفاء القسري في معتقل عيرا عيرو سئ السيط الي يومنا هذا.
عشنا تحت وطأة الدكتاتورية والطغيان ألقاهر قرابة الاثني عشر عاماً حتي ظهور حركة ود علي المجيدة والانقلاب الذي كاد ان يودي بأفورقي وزبانيته لو لا الخونة والجبناء والمندسين الذين خزلوه حيث استشهد ببسالة وكبرياء. الا أن الهز التي احدثها كان لها أثراً كليراً علي المستوي الرسمي والشعبي.
ومن ثم أتت انتفاضة مدرسة الضياء المجيدة بقيادة الشيح الجليل موسي محمد نور الذي استشهد شامخاً مرفوع الرأس في المعتقل، بعد ان هزت انتفاضته أركان النظام وزعزت أمنه للحد الذي اعتقل فيه النساء والأطفال القصر والشيوخ وانتشرت صور وفيديوهات الاحداث في جميع أنحاء العالم وتضامن معها الشعب الارتري في الخارج ونظم مسيرات احتجاج في الكثير من العواصم الغربية علي الرغم من اختلاف الكثيرين حولها ومحاولة إلباسها ثوب الطائفية تارةً ونسبها لمكوّن الجبرته تارةً اخري، وهذا الاختلاف هو احد أسباب اجهاضها.
واتت تلك الانتفاضة بعد انتظار قارب ألاربعة سنوات علي احداث فورتو بقيادة الشهيد سعيد علي حجاي.
وكل تلك الاحداث آنفة الذكر هي فعل مقاوم تراكمي يَصْب في اكتمال أركان الثورة لكسر حاجز الخوف واختراق جدار الصمت لاقنلاع الدكتاتورية من جزورها ومن ثم الانتقال بالبلاد نحو التغيير الديمقراطي واستعادة الحقوق المسلوبة.
وقبل ايام قلائل خرج إلينا السيد كبروم دافلا بفيديو مسجل بخبر أشبه بالانفجار عن تسريب كتاب (ارتريا بلدي) والذي ينتقد افورقي ويعري افاعيله كما قال لكاتبه وزير المالية السابق برهاني ابرهي والذي يتواجد داخل البلاد.
وتلقينا هذا الخبر بين مشكك ومكذب ومتفاءل حتي أتتنا الرسالة الصوتية من الوزيرنفسه بالخبر اليقين يؤكد فيها انه صاحب الكتاب ويتحدي اسياس في عقر داره ويدعوه الي عمل مناظرة تلفزيونية امام الشعب وفِي نفس الوقت يبعث برسالة للشعب الارتري ويحثه فيها علي التحرك لاستعادة سلطته.
واعتقد ان كل الاحداث التي ذكرت آنفاً هي مقاومة ورفض للظلم والطغيان وتعتبر عمل ثوري تراكمي ضد الدكتاتورية ويجب ان نقرأها من هذا المنظور دون عقد مقارنات ومفاضلات بين فعل ثوري وآخر من منطلق مفاهيم ضيقة لا تخدم قضيتنا.
ولو لا الاحداث التي سبق ذكرها اعلاه للمقاومة والرفض والانتفاضات المجيدة علي الرغم من تباعد الزمن بينها لم تسني للسيد الوزير الظهور بهذه القوة والبطولة وهو يعرف تماماً المصير الذي سيؤول إليه. لكن واضح بعد السلام المزعوم مع اثيوبيا أن النظام في اسمرا قد ضعفت قبضته الأمنية وهذا يوضح بشكل جلي بأن هنالك تململ ورفض لسياسته وتوجهه الاخير في الداخل حتي من المقربين منه وهؤلاء هم من يعول عليهم في التغيير القادم.
لذا التساؤلات الغير عملية مثل أين كان سيادة الوزير حتي الان واتهامه بأنه شريك في جرائم العصابة لن تخدم مصلحة الثورة وبالتالي لن تخدم مصلحة الوطن وتقطع الطريق امام من انبه ضميره ويريد ان ينضم او يقف الي مصاف الشعب وقضاياه العادلة ويعمل من اجل خلاصه.
وبالتأكيد ان التغيير الاقوي والمنتظر ليس ببعيد وسيأتي من الداخل، وما الفعل المعارض في الخارج الا داعماً له. فأتمني ان لا نبخس للرجال مواقفهم ونقلل من بطولاتهم.
لذلك لا يسعنا الا ان نقول ان تأتي متأخراً خيراً من ان لا تأتي.
للتواصل مع الكاتب:عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.