دور القيادة السياسية فى عودة العلاقات بين إريتريا وإثيوبيا
إعداد الأستاذة: زينب حسنى عزالدين المصدر: الشروق
نشرت المجلة الأمريكية «ذى أتلانتك» مقالا للكاتب «ريتشارد بوبلاك» عن عودة العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا بعد انقطاع
دام عشرين عاما.
ويؤكد الكاتب على أهمية دور القيادة السياسية فى إحياء العلاقات بين البلدين، فأكدت إثيوبيا على أن إعلان أسمرة للسلام والصداقة إنجاز تاريخى تحقق برغبة قوية من رئيس الوزراء الإثيوبى «آبى أحمد»، قابلتها استجابة من الرئيس الإريترى أسياس أفورقى، دون وساطة طرف ثالث.
تعرض رئيس الوزراء الأثيوبى «آبى أحمد» لمحاولة اغتيال فى 23 يونيو الماضى، حيث انفجرت قنبلة يدوية الصنع فى المنصة التى كان يتواجد عليها، وظهر آبى فى كلمة تليفزيونية عقب محاولة اغتياله، مؤكدا سقوط عدد من القتلى والجرحى فى هذه العملية. وبعيدا عن ذلك، من المتوقع أن يحصل «آبى أحمد» على جائزة نوبل للسلام العام القادم نظرا لجهوده فى إنهاء الصراع المستمر منذ عقدين بين إثيوبيا و«جارتها المتمردة» إريتريا.
من الجدير بالذكر أن آبى أحمد هو رجل عسكرى سابق، شارك فى تأسيس وكالة لأمن الشبكات والمعلومات، وشغل أخيرا منصب وزير العلوم والتكنولوجيا. صورته الصحافة العالمية على أنه مصلح ومثقف على النمط الغربى، ويرجع ذلك إلى سياساته الاقتصادية الليبرالية، كما يتضح من خلال خطاباته أنه شخص علمانى. فضلا عن أن أطروحته للدكتوراه كانت بعنوان «رأس المال الاجتماعى ودوره فى حل النزاعات التقليدية فى إثيوبيا: دراسة حالة الصراع بين الأديان فى ولاية جيما»، يتناول فيها المشكلات الأخلاقية والثقافية والدينية التى تدمر بلاده.
إن عودة العلاقات بين إثيوبيا وإرتيريا بعد انقطاع دام عشرين عاما جعل الحديث عن المنطقة من منظور جيو ــ سياسى، خاصة مع حديث مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عن رفع العقوبات المفروضة على إريتريا، ووجود توقعات بأن تصبح إثيوبيا قوى إقليمية عظمى.
على الرغم من أن الاقتصاد الإثيوبى هو الأسرع نموا فى العالم عام 2017 وذلك وفقا لتقارير البنك الدولى، غير أنها لم تكن الأفضل حالا من جمهورية هايتى ــ إحدى دول البحر الكاريبى. كان اقتصاد إثيوبيا يقع تحت سيطرة الدولة، وعندما تولى آبى أحمد منصب رئيس الوزراء تغير ذلك حيث تعهد بتحرير الاقتصاد الإثيوبى جزئيا من خلال خصخصة الشركات المملوكة للدولة، على أن يكون السهم الأكبر للحكومة وذلك بسبب النقص الحاد فى العملات الأجنبية.
لا يختلف النزاع الحدودى بين إريتريا وإثيوبيا عن بقية النزاعات الحدودية التى تحدث من وقت لآخر على مستوى القارة الإفريقية. ففى عام 1952، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة ربط إريتريا فيدراليا بإثيوبيا. وبعد عشر سنوات، قام الإمبراطور الإثيوبى «هيلا سيلاسى» بضم إرتيريا من جانب واحد مما أدى إلى اندلاع الحرب بين البلدين حتى تم تحرير إريتريا عام 1991. واحتفلت البلاد رسميا بالاستقلال فى عام 1993، عندما رفض الرئيس الإريترى «إسياس أفورقى» ــ الذى أصبح رئيسا للبلاد بعدما كان أمينا عاما للجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، مقترحات المجتمع الدولى. وفى عام 1998، شن حربا ضد إثيوبيا حول الأراضى المتنازع عليها على الحدود بين البلدين. وبعد عامين من اندلاع الحرب، قُتل عشرات الآلاف والتى تذكرنا بأسوأ ما فى الحرب العالمية الأولى. وتجاهل الإثيوبيون اتفاق الجزائر الذى أيد معظم مطالب إريتريا الإقليمية، مما أسفر عن حالة من الجمود وصفت بأنها «لا سلام... لا حرب».
فى العقود التالية، جعلت مخاوف الإرهاب والتهديد بعدم الاستقرار الإقليمى إريتريا واحدة من أكثر البلدان عزلة على وجه الأرض. ففى عام 2008، أعلنت إدارة جورج دبليو بوش إريتريا دولة راعية للإرهاب وضاعفت إدارة باراك أوباما من هذا الرأى بعد العثور على أدلة تؤكد أن النظام كان يحمى المتمردين الصوماليين. وفى يونيو 2015، نشر مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تقريرا شاملا مكونا من 480 صفحة يوثق الأعمال الوحشية التى مارستها حكومة إريتريا ضد مواطنيها. ووفقا للمفوض السامى للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، هناك أكثر من 363،000 لاجئ إرتيرى حتى شهر ديسمبر 2014، بالإضافة إلى 54000 طالب لجوء، أى ما يقرب من 10 بالمائة من سكان البلاد. ويقال إن ما لا يقل عن ثلاثة آلاف شخص يفرون من البلاد، معظمهم يتجهون إلى السودان ثم إلى الشمال عبر البحر المتوسط، مما يساهم بشكل كبير فى أكبر أزمة عالمية للاجئين منذ الحرب العالمية الثانية.
وعندما تولى رئيس الوزراء الإثيوبى السابق «ملس زيناوى» الذى قام بالتدخل العسكرى فى الصومال بهدف محاربة حركة الشباب الصومالية الإرهابية. ولم يكن معروفا بابتعاده عن المواجهة، وبالنسبة لإريتريا كانت هناك أسباب تدعو إلى الاعتقاد بأن الانفراج سيستمر إلى الأبد. ولكنه توفى فى عام 2012 بعد صراعه مع المرض. وتولى نائبه «هايلى ماريام ديسالين رئاسة الوزراء.
اندلعت الاحتجاجات ضد رئيس الوزراء السابق «هايلى ماريام ديسالين»، وتولى آبى أحمد رئاسة الوزراء. وكانت هناك انتقادات كثيرة موجهة ضده. أولا: كونه أول رئيس وزراء إثيوبى مسلم، والده مسلم ووالدته مسيحية فضلا عن كونه مقبولا من الدوائر الانتخابية. ثانيا: إنه ينتمى إلى جماعة أورومو الاثنية المهمشة والتى تشكل نحو 40 فى المائة من السكان الإثيوبيين. ففى غضون أسابيع من تنصيبه، أفرج عن الآلاف من المتظاهرين السياسيين والصحفيين من السجون، وأدخل إصلاحات اقتصادية لم يكن من الممكن التفكير فيها تحت حكم «ملس» ــ لم يتم تبنيها بأى شكل من الأشكال من قبل النخبة الحاكمة. وأبرز ما قام به هو قبول شروط اتفاق الجزائر.
منذ سنوات، ظل السياسيون الأفارقة يحضرون فعاليات منتدى دافوس والمنتدى الاقتصادى العالمى، ويبدو أن الأفكار التى صدرت فى مثل هذه الأماكن قد ترسخت، والتى تشمل الأفكار الليبرالية مثل حرية التجارة وتعتبر موضع انتقاد من قبل اليمين واليسار المتشدد على حد سواء. ولكنها تظل موطن الوسطيين الشباب الذين يبحثون عن الأفكار والدعم. من الواضح أن «آبى أحمد» استوعب وجهة نظر الليبرالية المرتبطة بما جاء فى منتدى دافوس. ومن الجدير بالإشارة أن قادة كل من أنجولا وجنوب إفريقيا لديهم أفكار تقدمية نسبيا، ومن هذه الأفكار أن يكون هناك جواز سفر إفريقى موحد وانخفاض متطلبات الحصول على تأشيرة لجيرانهما، فضلا عن الحديث عن عملة إفريقية موحدة وهى «البيتكوين». وفى ظل حكم «بول كاغامى» فى رواندا، وقعت نحو 44 دولة إفريقية اتفاقا لإنشاء منطقة تجارة حرة إفريقية. ولقد أفسحت الاشتراكية غير المرنة لجيل «أسياس أفورقى» الطريق أمام المذهب الإصلاحى لآبى أحمد.
أو هكذا تقول النظرية. هناك 54 دولة فى إفريقيا، ومن غير المنطقى أن نتوقع أنهم سوف يتحولون جميعا إلى ديمقراطيات ليبرالية على النمط الغربى فى غضون السنوات القليلة المقبلة. لكن السرعة التى نفذ بها آبى أحمد إصلاحاته تعنى الثقة فى الأفكار التى فقدت نكهتها فى الغرب. والأكثر من ذلك، لم يتم تبنى رؤية آبى أحمد الليبرالية مثل أى منتج استعمارى قديم، بل تم تكييفها مع الظروف والمتطلبات المحلية. وقال فى خطاب تنصيبه «إن هويتنا مبنية بطريقة لا يمكن فصلها».
ويختتم الكاتب حديثه قائلا: بعدما انشغلت الولايات المتحدة الأمريكية بالحرب على الإرهاب فى أحداث 11 سبتمبر، وعدم اهتمام أوروبا بالقارة، أفسح المجال إلى دخول لاعبين آخرين فى القارة. فعلى سبيل المثال: تعتبر الصين الشريك التجارى الأكبر للقارة، فضلا عن أن دول الشرق الأوسط لاعب أساسى فى كل من إثيوبيا وإريتريا. هذه العلاقات تعمل بشكل جذرى على إعادة تشكيل رؤية القادة الأفارقة للعالم.