النزاع الإريتري الإثيوبي.. رؤية مغايرة
بقلم الأستاذ: منصور سليمان - باحث ومترجم إريتري المصدر: مدونات الجزيرة
طرح المحللون، منذ تولى آبي أحمد رئاسة الوزراء في إثيوبيا، جملة تنبؤات حول إمكانية عودة العلاقات الدبلوماسية
بين إثيوبيا وإريتريا. وقد نشرت مجلة "ذا إيكونيميست"، المرموقة، مقالاً لافتا حول هذا الملف، تساءلت فيه "ما إذا كان بمقدور إثيوبيا وإريتريا التوصل إلى سلام."[1]
وقد ذهب بعضهم إلى أن زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية، دونالد ياماموتو، إلى إريتريا وإثيوبيا وجيبوتي في الفترة من 22-26 إبريل/نيسان 2008 هدفت إلى بحث إمكانية إجراء المصالحة بين البلدين.
يأتي الاهتمام بعلاقة البلدين بمناسبة مرور عشرين عاما على الحرب الإثيوبية - الإريترية التي جرت في الفترة 1998-2000، لكن الاهتمام الفعلي بدأ فيما يبدو بعد تصريحات آبي أحمد في الثاني من إبريل/نيسان 2018، في خطاب تنصيبه أمام البرلمان الإثيوبي، والتي عبّر خلالها عن استعداد بلاده لحل الخلافات مع إريتريا عبر الحوار.
الجانب الإريتري لم يتفاعل كثيرا مع الدعوة الإثيوبية، وظل متمسكا بموقفه المطالب بتنفيذ بنود اتفاقية الجزائر الموقعّة بين البلدين في 12 إبريل/نيسان 2000، وبصورة خاصّة أكتفى بالتذكير بالالتزام بتطبيق حكم اللجنة الحدودية الذي صدر في لاهاي في 13 إبريل/نسيان 2002، حيث تضمن أحد بنودها إلحاق منطقة بادمي إلى إريتريا. في المقابل، تجلّى الموقف الأثيوبي الأبرز حيال هذه الاتفاقية في الرابع من فبراير/شباط 2004، عندما أعلنت حكومة رئيس الوزراء الراحل، ملس زيناوي، رفض الحكم الصادر من اللجنة الحدودية. ومنذ ذلك الوقت، درجت الحكومات الإثيوبية المتعاقبة إلى مطالبة إريتريا بضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات لحسم القضايا العالقة، قبل الشروع في تطبيق بنود الاتفاقية.
”جبهة تحرير شعب التيجراي، كانت تعتمد الماركسيّة الماوية كمنهج نظري تسترشد به في نضالها الثوري ضد حكومة مينغستو هيلي ماريام، التي كانت بدورها دولة شيوعية محسوبة على ما كان يعرف حينها بالكتلة الشيوعيّة“
كان هذا القرار مفاجئا لجميع الأطراف التي ساهمت في الوساطة بين البلدين خصوصا وأن الحكم الصادر من المحكمة يفترض أن يكون نهائيا وغير قابلا للمراجعة أو الاستئناف. وبحسب بعض التحليلات، فإن عواقب انهيار الاتفاقية كانت وخيمة على شعب البلدين؛ فقد شرع النظامين، منذ فشل الاتفاق، في استضافة وتسلّيح تنظيمات معارضة تعمل على اسقاط النظام في البلد الآخر، وغيرها من السياسات التي ارتكبها نظاما الحكم بحق الشعبيين الجاريين. وبالطبع تتحمّل إثيوبيا الوزر الأكبر في استمرار هذه الأزمة بسبب تسويفها ومماطلتها في تطبيق الاتفاقية بأشكال مختلفة، كمطالبتها تمديد الوقت للمراجعة أو بالتفاوض مع الجانب الإريتري قبل الشروع في تطبيق الاتفاق.
لم يكن الطرف الإريتري أكثر حكمة في هذا الإطار، حيث يرى المراقبون أن سياسة الحكومة الإريترية ذهبت أبعد من مجرد تدريب المعارضة الإثيوبية، فقد تبنّت سياسات تدخل مناوئة في جميع أنحاء دول القرن الأفريقي، وكنتيجة لذلك تأزمت علاقاتها مع كل دول الجوار في محيطها الإقليمي، كالسودان وجيبوتي والصومال، في فترات متقاربة. بل إن إريتريا اتهمت بتدريب وتزويد جماعات متطرفة مثل "حركة الشباب الإسلامي في الصومال"، مما أدّى في النهاية إلى فرض عقوبات أمميّة عليها في عام 2009.[2]
لكل ما سبق، يؤكد غالبية المراقبين صعوبة عودة العلاقات بين البلدين دون حسم الخلاف الحدودي، وبصورة خاصّة انسحاب إثيوبيا من الأراضي الإريترية التزاما بمنطوق حكم اللجنة الحدودية المشار إليه آنفا. غير أن الخلاف الحدودي بين البلدين، وإن سارعت قضية ترسيم الحدود في وتيرته وتصدُّره للمشهد، قد لا يعدُّ أصل الخلافات العالقة بين البلدين. في الواقع، الخلاف بين القياديتين سابق بكثير لأزمة الحدود في عام 2000، إذ يعود إلى منتصف تسعينيّات القرن الماضي، تحديداً في الفترة التي تلت المصادقة على الدستور الإثيوبي الجديد في 1994.
ولست أحسبني مبالغا في شيء إن ذهبت إلى القول بأن النزاع الحدودي لم يكن إلا مظهرا من مظاهر استفحال الصراع بين النظاميين، لاسيّما تعارض وجهات النظر حول صيغ الحكم في البلدين. صحيح أن المتابع لهذه القضية يلاحظ تركيز الأبحاث على قضية الخلاف الحدودي، لكنه تركيز لا يتعدّى في الغالب عتبة التلخيص لتطورات النزاع.
ومع أهميّة هذا النوع من الرصد، إلا أنه نجم عنه ما يمكن عُدّه تهميشاً للأصل الذي تفرعت عنه القضية في الأساس. والحال كذلك، فإن السؤال الذي يستحق عناية أكثر هو: كيف لعلاقة استراتيجيّة كتلك التي ربطت بين النظامين في إثيوبيا وإريتريا، أن تتصدّع لمجرد خلاف حدودي؟ الإجابة عن هذا السؤال تحتّم علينا القيام بمراجعة تاريخ العلاقة بين الجبهتين الحاكمتين وبيان مدى ارتباط ذلك بموضوع تأزم العلاقات الإريترية الإثيوبية.
من الشراكة الاستراتيجية إلى نزاع دائم:
من المعلوم أن النظامين الحاكمين في البلدين، وأعني بهما جبهة تحرير شعب التيجراي في إثيوبيا والجبهة الشعبية لتحرير إرتيريا في الجانب الآخر، ارتبطا بتحالف متين منذ منتصف سبعينيّات القرن المنصرم، وصل في بعض مراحل تطوره إلى اندماج عسكري شبه كامل بين الجبهتين. وكان من بين ثمرات ذلك التحالف الاستراتيجي، الحاق هزيمة عسكرية ماحقة بجبهة تحرير إريتريا في عام 1980، وبالتّالي إجبارها على دخول الأراضي السودانية. على إثر ذلك، أصبحت الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا الفصيل الوحيد في الساحة الإريترية، من حيث الاقتدار العسكري والتنظيمي، بل من حيث توفرها على رؤية مغايرة، لا تروم تحرير البلاد فحسب، وإنما تسعى إلى إعادة صياغته على أسس جديدة.
لست هنا بصدد تقييم مشروع الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، فبعض حصائل المشروع ما تزال ماثلة للعيان، ولا أريد كذلك استعراض تاريخ التحالف بين الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا مع جبهة تحرير التيجراي، بشكل تفصيلي؛ جلّ ما أرجوه هنا هو، الإشارة إلى أنّ العلاقة بين الجبهتين برغم كل تلك الوشائج والمشتركات التي يتحدث عنها الناس، لم تكن دائما متناغمة، بل تخللتها فترات توتر وفتور في العلاقة. منها، أن الجبهتين، بحسب المتابعين للعلاقة، دخلتا في منازعات حادّة في أواخر السبعينيّات كادت أن تعصف بالتحالف من أساسه.
”اعتبر الائتلاف الحاكم في إثيوبيا برئاسة جبهة تحرير شعب التيجراي أن أنسب النماذج السياسية لحكم بلاد واسعة ومتنوعة كأثيوبيا هو النموذج الفيدرالي“
ويُرجّح المحللون سبب ذلك الاختلاف إلى تباين أيديولوجي في طريقة فهم كل جبهة للتكتيكات الثورية من منظور ماركسي. فالأولى، أي جبهة تحرير شعب التيجراي، كانت تعتمد الماركسيّة الماوية كمنهج نظري تسترشد به في نضالها الثوري ضد حكومة مينغستو هيلي ماريام، التي كانت بدورها دولة شيوعية محسوبة على ما كان يعرف حينها بالكتلة الشيوعيّة. أما الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، فكانت تتبنى الماركسية السوفيتية أو بالأصح النسخة الستالينية منها في برنامجها السياسي.
برغم من تلك المواجهات الأيدولوجية العاصفة، إلا أنه فيما يبدو تمكّنا من تجاوز الأزمة، وإن كان على نحو مؤقت، بدليل أن الطرفين تعاونا لاحقا على انهاء وجود جبهة تحرير إريتريا في 1980، كما سبقت الإشارة إلى ذلك. لكن أصل المشكلة بقي كما هو، دون أن يتمكن الطرفان من حسمه بصورة نهائية. بل إنني أزعم أن المشكلة كانت تتعمق أكثر مع مرور الوقت، ومضت جبهة تحرير شعب التيجراي في تحقيق إنجازات عديدة طوال فترة الثمانينيّات، عبر تحالفاتها الواسعة مع الفصائل الإثيوبية المختلفة التي كانت تحارب هي الأخرى نظام منغستو هيلى ماريام. بنهاية عام 1989، أثمرت تلك التحالفات إنشاء الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية، المعروفة اختصارا بـ "EPRDF"، أو "الإهوادق"، وكان من أبرز أعضائها حزب "جبهة تحرير شعب التيجراي، والجبهة الديمقراطية لشعب الأورومو، والحركة الديمقراطية لقومية الأمهرا، والحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا. وعند الإطاحة بنظام منغستو في عام 1991، أضحت تلك الأحزاب من أركان النظام الجديد في إثيوبيا، وبالتالي أصبحت من مكونات الائتلاف الذي ما يزال في سدّة السلطة في البلاد حتى اللحظة.
هذا عرض مختصر ومكّثف، خلاصته: أن جبهة تحرير شعب التيجراي مع شركائها في الائتلاف الجديد، شرعت منذ استلامها السلطة في تقويض تركيبة الحكم القائمة على المركزية المطلقة والمتواترة على مدار قرون في إثيوبيا، وإبدالها بنظام فيدرالي لامركزي، يُتيح المشاركة لعموم القوميّات الإثيوبية التي كانت مهمّشة ومغيّبة من التمثيل في الحكم من قبل. وقد اكتسبت بعض هذه الأفكار المشروعية السياسية بتضمينها في الدستور الإثيوبي لعام 1994، الذي ينص على أن تكون صيغة الحكم في إثيوبيا "جمهورية ديمقراطية اتحادية"، وبصورة خاصّة اعتماد "الفيدرالية الإثنية أو مايعرف بـ" Ethnic-based Federalism، أساسا للحكم بما يحقق مشاركة أوسع للمجموعات الثقافية في البلاد، إن كان على مستوى المشاركة في السلطة السياسية بالمركز أو مزاولة الحكم الذاتي في مناطقهم الخاصّة. وسأعود لاحقا إلى هذه النقطة بتفصيل أكثر باعتبارها جوهر الخلاف بين النظامين.
”هل يحق لدولة أن تتدخل في شؤون دولة أخرى لتعترض على اختيار نظام تلك الدولة السياسي؟ أم أن وجهة النظر تلك لا تعد تدخلاً في شؤون دولة جوار مهمة“
في الجانب الآخر، انشغلت الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا طيلة فترة الثمانينيّات بتوطيد دعائم سلطتها دون أي محاولة لإجراء مصالحة أو إشراك الفصائل الإريترية الأخرى في مشروع الدولة المرتقبة، على منوال حليفتها في إثيوبيا. فعلى النقيض من مشروع جبهة تحرير شعب التيجراي، الذي يكفل مشاركة القوميّات في مفاصل السلطة، استفردت الجبهة الشعبية في إريتريا بالحكم في البلاد، ورأت أنّ من مسؤوليتها هي وحدها، صَوغ عمليّة بناء الدولة، مما أفضى في نهاية الأمر إلى تكريس رؤية أحادية في عملية بناء الدولة. وبالتالي، عندما تحقق الاستقلال، لم يكن للفصائل الإريترية المعارضة للجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، أي نصيب في المشاركة السياسية بما في ذلك المحطات المصيرية للوطن، كالمشاركة في عملية الاستفتاء أو في إعداد الدستور. ليس ذلك فحسب، بل إن إتاحة الفرصة للمعارضة في إثيوبيا بما في ذلك مشاركتها في إعداد الدستور واعتماد "الفيدرالية الإثنية"، أساسا للحكم، كانت وراء تفجّر الخلاف بين النظامين للمرة الثانية وعلى نحو غير مسبوق. من أجل إثراء المناقشات حول هذا القضية، يطمح الكاتب فيما تبقى من هذا المقال إلى تصويب النظر على جوانب من تلك الخلافات، والتي لا يُلتفت إليها عادةً عند معالجة قضية الخلافات الشائكة بين إثيوبيا وإريتريا.
الخلاف حول ماهية الحكم:
تفجّر الخلاف للمرة الثانية بين النظامين في أواخر1994، على إثر مصادقة البرلمان في إثيوبيا على الدستور الجديد. وكان الخلاف يدور بشكل رئيسي على فقرتين في الدستور، إحداهما تتعلق اعتماد إثيوبيا للفيدرالية القائمة على أساس عرقي والأخرى تتصل بمبدأ حق تقرير المصير للشعوب الإثيوبية التي قام عليها الاتحاد الفيدرالي.
بالنسبة للفقرة الأولى، اعتبر الائتلاف الحاكم في إثيوبيا برئاسة جبهة تحرير شعب التيجراي أن أنسب النماذج السياسية لحكم بلاد واسعة ومتنوعة كأثيوبيا هو النموذج الفيدرالي. وعلى هذا الأساس، نصت الفقرة 3 من المادة 39 في الدستور على أن "لكل أمة وقومية وشعب في إثيوبيا الحق في الحكم الذاتي التام، الذي يتضمن الحق في إقامة المؤسسات الحكومية في الأراضي التي تقطنها وفي التمثيل العادل في حكومات الولايات والحكومة الفيدرالية". وبحسب ما جاء في ديباجة الدستور، فإن الهدف من وراء تثبيت هذا المادة في الدستور هو رفع المظالم التي وقعت على تلك الشعوب والتخفيف من غلواء المركزية التي وسمت نظم الحكم المتعاقبة على إدارة إثيوبيا.[3]
عارضت الحكومة الإريترية، المؤقتة أنداك، اعتماد هذا النظام السياسي في إثيوبيا وحذرت من مغبة عواقبه على حزب جبهة تحرير شعب التيجراي في المستقبل. حيث اعتبر يماني قبري آب، المستشار السياسي للرئيس الإريتري، في حوار له مع مؤلفي كتاب "أخوة في الحرب"، القيام بـ"عرقنّة السياسة"، ومن ثم ابتداع مناطق إدارية على أساس عرقي في النظام الإداري السياسي الإثيوبي، يعتبر أمرا غير صائبا. فهو لن يخلق المشكلات لأثيوبيا فحسب، بل سيقود إلى استحداث مشكلات مماثلة لحزب "جبهة تحرير شعب التيجراي TPLF" نفسه في المستقبل".[4]
”الجانب الإريتري عارض مبدأ تقرير المصير الممنوح للقوميات الإثيوبية، وقالوا لحلفائهم في إثيوبيا أنكم "بهذا التشريع تؤكدون استحقاقاً قوانيناً يضر إثيوبيا“
لا يكتفى المستشار بهذا الموقف بل يذهب إلى أبعد من ذلك، ليؤكد "أن جبهة تحرير شعب التيجراي قوية في الوقت الراهن ولها موارد تجعلها في مركز السطوة، وأن حلفائها في الأقاليم من القوميّات الأخرى يأتون في مرتبة أدنى منها من حيث الأهميّة السياسية. غير أن هذا الأمر لن يدم مستقبلا، لاسيّما عندما يتقوى حلفاؤها ويبدوا التفكير في مستقبلهم السياسي. حينها سيراجعون أوضاعهم تلك، ولن يفكروا بوصفهم إثيوبيين وإنما كمنتمين لقومية الأورومو أو أي قومية أخرى، وبالتالي سيتساءلون لماذا أصبحوا تحت هيمنة حزب شعب تحرير التيجراي والتيجراويين؟ لهذه الأسباب قلنا (والقول للمستشار) لنظرائنا في حزب جبهة شعب التيجراي بأن الفدرالية العرقية التي تروجون لها تعتبر مقاربة غير صائبة وسيكون لها نتائج عكسية، لكنهم لم يستجيبوا لدعوتنا".[5]
لعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يحق لدولة أن تتدخل في شؤون دولة أخرى لتعترض على اختيار نظام تلك الدولة السياسي؟ أم أن وجهة النظر تلك لا تعد تدخلاً في شؤون دولة جوار مهمة، بل دعوة لإرساء مبادئ استقرار بين دولتين بينهما وشائج ترابط وتداخل اثني؟ لنؤجل نقاش هذه المسألة وننظر في النقطة الثانية من الخلاف.
الوجه الآخر من الخلاف يتصل بمبدأ تقرير المصير، التي أكدها الدستور الإثيوبي في الفقرة 1 من المادة 39، بما نصه: "لكل أمة وقومية وشعب في إثيوبيا حق غير مشروط في تقرير المصير، بما في ذلك الحق في الانفصال". الجانب الإريتري عارض مبدأ تقرير المصير الممنوح للقوميات الإثيوبية، وقالوا لحلفائهم في إثيوبيا أنكم "بهذا التشريع تؤكدون استحقاقاً قوانيناً يضرر إثيوبيا، وأنكم من وراء ذلك كله إنما تريدون إنشاء دولة مستقلة في تيجراي كخطة بديلة في حالة اخفاق مشروعكم السياسي في إثيوبيا". [6]
بالطبع، لم يكن اهتمام الحكومة الإريترية بهاتين الفقرتين، نابعا من حرصها على وحدة الأراضي الإثيوبية، وإنما لمخاوفها أن تنتقل إليها عدوى المطالبة بالحقوق. ولم تفت هذه النقطة على مؤلفي كتاب "أخوة في الحرب"، حيث أشارا إلى "أن الحكومة الإريترية تسعى عبر كل الطرق والوسائل إلى مواجهة مخاطر الاثنية ومن ثم القضاء عليها". وانطلاقا من ذلك، فإنها "تظهر اهتماما بالغا بمسألة تكوين أمة متجانسة تحتضن جميع من يحمل الهوية الإريترية".[7]
لكن الحكومة الإريترية فيما يبدو فشلت في تحقيق هذا التجانس، فقد كشفت الدراسات والسياسات التي تنتهجها الحكومة في أسمرا هيمنة اثنية واحدة على كل مفاصل الدولة المهمة. ولعلنا نذكر هنا، النتيجة القاتمة التي توصل إليها الباحث الإريتري المتألق أحمد راجا، في بحثه الموسوم بـ " قوس قزح التنوع المفقود في إريتريا"، حيث لاحظ أن واقع التنوع الاجتماعي والثقافي في إريتريا، بالمعنى اللغوي ـ الاثني أو الديني والإقليمي، من حيث التمثيل في القطاع العام، كان في وضع أحسن نسبيا في فترات الإدارات الاستعمارية مقارنة بما هو عليه الآن في ظل الحكومة الإرتيرية الراهنة. فسياسات هذه "الحكومة الراهنة لم تبقِ الفوارق التاريخية غير متكافئة فحسب، وإنما أصبحت تلك الفوارق أكثر حدة".
المراجع:
[1] - راجع المقال في الرابط
[2] - راجع تفاصيل العقوبات في الرابط
[3] - بحسب النظام الفيدرالي، قسمت إثيوبيا إلى تسعة أقاليم إثنية، وهي: إقليم التيجراي، وإقليم الأمهرة، وإقليم العفر وإقليم أوروميا، وإقليم الصومال وإقليم بني شنغول وإقليم قوميات الأمم والشعوب الجنوبية، وإقليم غامبيلا وإقليم هراري.
[4] Tekeste Negash, a., Kjetil, Tronvoll (2000) Brothers at War: Making Sense of the Eritrean Ethiopian War (Oxford and Athens, James Currey and Ohio University Press),p.15
[5] - المرجع السابق، ص 15
[6] - المرجع السابق ص 16
[7] - المرجع السابق 16