العصيان المدني والمظاهرات السلمية
بقلم الأستاذ: محمد نور موسى المصدر: رابطة أبناء المنخفضات الارترية
كنت قد كتبت مسودة هذا المنشور قبل انطلاقة أحداث مدرسة الضياء الإسلامية، إلا أنني لم أتمكن من نشرها،
وشاءت الأقدار أن يتم نشر هذا المنشور إثر مظاهرة ”أخريا“ المباركة التى شهدتها العاصمة أسمرا وبعض المدن الإرترية الأخرى احتجاجاً على قرار حكومة ”الهقدف“ ضد مدرسة الضياء الإسلامية.
لقد طفح الكيل، وبلغ السيل الزبى، والإنسان كما نعلم له طاقة محدودة لتحمل القمع والإرهاب والاضطهاد، وقد نفذ صبر جماهيرنا في الداخل، فما كان أمامهم إلا الانفجار ضد الطغيان والاستبداد الذي قاده الشيخ موسى محمد نور.
لقد صمد الشعب الإرتري ما فيه الكفاية وتحمّل كثيراً من ممارسات نظام “الهقدف” الإرهابية إلى أن تجاوز الضغط حده فإنفجر الشعب وخرج إلى الشوارع معبراً عن غضبه واستيائه، وحطم قيود الخوف من الآلة العسكرية التابعة لنظام الهيمنة القومية.
خرج الأطفال والشباب والشيوخ والنساء معبرين عن رفضهم لسياسات النظام، في مظاهرة احتجاجية ضد القرارات الجائرة.
وفي المهجر خرجت جموع غفيرة من الشعب الإرتري في عدد من العواصم الأوروبية تضامناً مع المظاهرات التي جرت في الداخل، مستفيدة من المناخ الديمقراطي والحياة الدستورية التي تكفل لهم حرية التعبير للدفاع عن شعبهم الذي يعيش تحت رحمة نظام الهيمنة القومية في إرتريا.
هزت هذه المظاهرات كيان نظام الهيمنة القومية في أسمرا وأربكته، وكعادته حاول أن يقلل من أهمية مظاهرات 31 أكتوبر 2017م وما تلاها من حراك شعبي غير مسبوق.
إننا نحي أبطال ”أخريا“ وفي مقدمتهم الشيخ الجليل موسى محمد نور ونشيد بالمظاهرات التضامنية التى قام بها شعبنا في المهجر، ومذكرات الاحتجاج شديدة اللهجة التي تقدموا بها والتي تدين وتستنكر اختطاف النظام لأطفال دون سن الرشد والزج بهم في السجون والمعتقلات.
إن الشيخ موسى محمد نور تحدى نظام الهيمنة القومية ورفض أن يرضخ لقراراته فإعتقله وعلى إثر اعتقاله انطلقت جماهير الشعب الإرتري في مظاهرات سلمية تصدى لها نظام ”الهقدف“ بالرصاص الحي وقتل وجرح عدداً من المتظاهرين.
هناك من ينادي بمواجهة نظام الهقدف بالعنف فقط، لأنهم يعتقدون بعدم جدوى العمل المدني من المظاهرات والعصيان المدني، وأنه لن يحقق طموحات وآمال الشعب الإرتري في اجتثاث نظام الهيمنة القومية من جذوره، حيث أن النظام المُدجج بالأسلحة الفتّاكة لن يتزحزح قيد أنملة عن نهجه الدموي إلا إذا وجد مواجهه قوية بنفس أسلوبه الدموي.
نحترم ونقدر وجهة النظر هذه، إلا أننا نؤكد على أهمية العمل المدني. وهذا لا يلغي ذاك، فمن يرى أن الظروف الموضوعية لتحقيق التغيير المنشود مؤاتيه، بمقدوره اتخاذ الوسائل التى تناسبه بما فيها العمل العسكري. إلا أن الانتفاضة التي أطلق شرارتها الشيخ الجليل موسى محمد نور من حي “أخريا” أثبتت جدوى العمل المدني وتأثيره.
ولنا في تاريخ الشعوب التى سبقتنا في العمل المدني الكثير من العبر التي تُؤكد أنه من أرقى وأقوى الوسائل في مواجهة الأنظمة الديكتاتورية وإسقاطها. فالشعب السوداني الشقيق أسقط نظام الفريق إبراهيم عبود العسكري عبر ”ثورة أكتوبر المجيدة“ ثم أسقط نظام المشير نميري بانتفاضة إبريل. والشاهد الثاني انتفاضة الشعوب الإثيوبية في مطلع عام 2017م التى رضخ لمطالبها نظام ”الإهودق“، وقد أُضطر لتقديم تنازلات لصالح الانتفاضة بالتخلي عن عدد مقدر من الحقائب الوزارية تلبية لضغوط الانتفاضة.
إذن العصيان المدني، والمظاهرات وسيلة من وسائل العمل المدني التي تمارسها الشعوب في العديد من بلدان العالم، وأن ما قام به الشعب الإرتري بالأمس في أسمرا وبعض المدن الإرترية يندرج ضمن العمل المدني احتجاجا على قرارات نظام ”الهقدف“ ضد مدرسة الضياء الإسلامية، وتطور ليشمل كل قطاعات الشعب الإرتري.
لذا علينا أن نغتنم فرصة تظاهرة مدرسة الضياء الإسلامية ضد نظام الهقدف، وأن نعلن تضامننا ودعمنا ومساندتنا لهذه الخطوة الشجاعة بالوقوف صفاً واحداً ضد الهقدف في الخارج، والعمل على عزله وممارسة الضغوط عليه وتقديم مذكرات استنكار وشجب وتنديد لاعتقاله الأطفال والشيوخ والنساء، والعمل على كشف وتعرية سياسة النظام الإرهابية أمام الرأي العام العالمي، والعمل على حجب الدعم المادي والسياسي عنه حتى يفقد أسباب وجوده تماما.